في الثالث عشر من شهر رجب الأصب أشرقت شمسُ الإمامة بمولد وصيّ رسول الله أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، حيث انفرد(عليه السلام) بمولده عن سواه من البشر في جوف الكعبة المشرّفة قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، وهي فضيلةٌ خصّه الله تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لكرامته.
وهو عليّ بن أبي طالب بن عبد المطَّلب بن هاشم بن عبد مَناف بن قُصَيّ بن كِلاب بن مُرّة بن كَعْب بن لُؤَيّ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزَيْمة بن مُدْرِكة بن إلياس بن مُضَر بن نَزار بن معدّ بن عَدنان، وأمُّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف...، وكان(عليه السلام) وإخوته أوّل من ولد من الهاشميّين.
انتقل عليٌّ(عليه السلام) وهو في مطلع صباه إلى كفالة النبيّ محمَّد(صلى الله عليه وآله)، فرُبِّي في حجر النبي(صلى الله عليه وآله) ولم يفارقه، وكانت زوجة رسول الله(صلى الله عليه وآله) السيدة خديجة بنت خويلد كالأُمِّ لعليٍّ(عليه السلام) حيث أدرك التلميذ من معلِّمِه العظيم حقائق الكون ونواميس الطبيعة، بل وأسرار الوجود، وأصبح المثل الأعلى في جميع شمائله وأفعاله، وتحلَّى بأعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي والأخلاقي فنشأ عليٌّ(عليه السلام) في بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) يرعاه وينفق عليه، فحاز بذلك من الشرف ما لم يحزه غيره.. فقد نشأ يستلهم من معلِّمه معالم الأخلاق والتربية الروحية والفكرية، وكذا دقائق الحكمة والمعرفة، حتَّى أدرك من الحقائق ما لم يدركه بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) أحدٌ غيره.
تمتّع مولانا الإمام علي(عليه السلام) بخصوصية ومكرمة مميزة وعناية ربّانية إعداداً له(عليه السلام)، فهو وزير الرسول(صلى الله عليه وآله) والقرآن الناطق، ومن قرأ التاريخ وجد أنّ يعسوب الدين وقائد الغرّ المحجّلين هو الذي هدم الأصنام في الكعبة ولم يعبد صنماً قط وهو أوّل من آمن برسالة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وكان جهاده(عليه السلام) وعظيم بلائه في الحروب والغزوات أكثر من جميع المسلمين ولم يصل أحدٌ إلى درجته ومرتبته، فقد قَتَل في غزوة بدر الكبرى -وهي أوّل ما امتحن الله تعالى به المؤمنين من المعارك- الوليد وشيبة والعاص وحنظلة ونوفل وغيرهم من صناديد العرب وشجعان المشركين وفرسانهم، حتى قُتِلَ نصف المشركين في تلك المعركة على يده(عليه السلام) والنصفُ الآخر على يد المسلمين والملائكة التي نزلت لنصرتهم..
من ألقابه(عليه السلام): المرتضى، ونفس الرسول، وأخوه، وزوج البتول، وسيف الله المسلول، وأمير البَرَرة، وقاتل الفَجَرة، وقسيم النار، وصاحب اللواء، وسيِّد العرب، وكشَّاف الكرب، والصدِّيق الأكبر، والهادي، والفاروق، والداعي، والشاهد، وباب المدينة -أي مدينة العلم-، وغرَّة المهاجرين، والكرَّار غير الفرَّار، والفقَّار، وبيضة البلد.
وتواترت ولادته الميمونة عند كافة المسلمين في الكعبة، قال العلّامة الأميني(قده) في كتابه المشهور بـ(الغدير) عن ولادته(صلوات الله عليه) المعظّمة: "وقد انشقّ جدارُ البيت لأمّه فاطمة بنت أسد فدخلته، ثمّ التأمت الفتحة، فلم تزل في البيت العتيق حتى ولدت مشرِّفَ البيت بذلك الهبوط الميمون، وأكلت من ثمار الجنة، ولم ينفلق صدف الكعبة عن درّه الدرّي إلّا وأضاء الكون بنور محيّاه الأبلج، وفاح في الأجواء شذى عنصره الأقدس، وهذه حقيقةٌ ناصعة أصفق على إثباتها الفريقان، وتضافرت بها الأحاديث، وطفحت بها الكتب، فلا نعبأ بجلبة رماة القول على عواهنه، بعد نصّ جمعٍ من أعلام الفريقين على تواتر حديث هذه الإثارة".
المصدر: شبكة الكفيل العالمية