ولا تتوفر أرقام رسمية دقيقة عن نسبة الفقر والبطالة في المملكة، ولا تشير بيانات المؤسسات الدولية إلى هذا الموضوع لاعتبار التكتم الشديد من قبل الدوائر الرسمية السعودية، لكن التقديرات والشواهد تشير إلى تفشي مشكلة الفقر والبطالة والتفاوت الطبقي والمناطقي في أرض الذهب الأسود خلال السنوات الأخيرة.
وتحتل السعودية المرتبة الأولى عالميا في إنتاج النفط، بنحو عشرة ملايين برميل يوميا وراكمت ثروة هائلة، لكن هذه المداخيل الضخمة - وإن تناقصت في السنوات الأخيرة جراء تراجع أسعار النفط - لم تمنع من تسلل الفقر إلى فئات واسعة من المجتمع السعودي.
وفي غياب المعلومة من مصادر رسمية -أو تغييبها- يمكن استقراء تفشي ظاهرة الفقر من التقارير غير الرسمية وبعض الإجراءات الحكومية، ومن بينها تخصيص الموازنة العامة للسعودية لعام 2014 مبلغ 29 مليار ريال سعودي (نحو7.7 مليارات دولار) لبرامج معالجة الفقر، والمخصصات السنوية المتعلقة بالأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة والضمان الاجتماعي.
وأكدت تقارير غير رسمية في العام 2003 أن نسبة الفقر في المملكة بلغت 12.5%، لكن أرقاما أخرى تشير إلى أن نسبة الفقراء تصل 25%. ويبلغ عدد السكان في البلاد 31.7 مليون نسمة، بينهم 11.7 مليونا من الأجانب، بحسب أحدث بيانات لهيئة الإحصاء السعودية.
مفارقة الغنى والفقر
وكانت صحيفة واشنطن بوست الأميركية قد نشرت تقريرا لها يفيد بتزايد معدلات البطالة والفقر في السعودية، مشيرة إلى أن "ما بين مليونين وأربعة ملايين سعودي يعيشون على أقل من 530 دولارا شهريا" أي (17 دولارا يوميا)، وأن "الدولة تخفي الفقر بشكل جيد".
وفي المدن الكبيرة مثل الرياض، توجد أحياء تعاني الفقر والإهمال، مثل السويدي والجرادية والشميسي، وأيضا أحياء الكرنتينا والرويس في جدة، وفي المدينة المنورة تعيش أحياء سيح والمصانع والزاهدية والمغيسلة وغيرها على حافة الفقر، وهناك عشوائيات يقطنها السعوديون الفقراء والعمال الأجانب، حيث يبلغ متوسط دخل العمالة الأجنبية أقل من 266 دولارا شهريا.
ورغم التكتم والتعتيم، فإن مظاهر الفقر في المملكة في هذه الأحياء وغيرها لم تخف، وتبرزها مقاطع فيديو كثيرة منشورة عبر يوتيوب، ولعل أشهرها تلك التي نشرتها "قناة ملعوب علينا"، التي تظهر مفارقات كثيرة لسعوديين وأجانب يعيشون فقرا مدقعا على هامش العاصمة الرياض.
وهذه الصور لا تبدو للوهلة الأولى في المملكة بوصفها بلدا سبقته سمعته كأكبر منتج للنفط في العالم، فالمساكن المزدحمة وشبه المتداعية والأزقة الضيقة وأكوام القمامة والأطفال الحفاة تبدو وكأنها في دول فقيرة في الموارد والموازنات.
ويشير ناشطون وتقارير صحفية إلى زيادة الظواهر المرادفة للفقر مثل التسول، حيث يتكرر المشهد في ضواحي الأحياء الفقيرة بأحزمة المدن وحتى وسط المدن الكبرى، في تناقضات صارخة بين غنى فاحش وفقر مدقع.
وتؤكد تقارير غير رسمية أن المحافظات مثل عسير وجازان ونجران تعاني من ارتفاع نسبة الفقر مقارنة بمحافظات أخرى، وهو ما يشير إلى وجود فوارق كبيرة في التنمية بين المناطق في المملكة على أسس طائفية.
وتظهر بعض البرامج والأشرطة المصورة أن بعض المناطق في المملكة - وخاصة في فيفاء (جنوب غرب المملكة) غير متصلة بشبكة الكهرباء، وتفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم، كما تشير التقارير إلى أن بعض المناطق الشرقية تعاني من نقص شديد في التنمية وتفشي الفقر بين سكانها.
وكان المقرر الخاص للأمم المتحدة فيليب ألستون قد تحدث خلال زيارته السعودية في أبريل/ نيسان 2017 عن مستوى الفقر في بعض المناطق بالمملكة، مشيرا إلى أنه التقى أناسا يعيشون في فقر مدقع، وأن هنالك مناطق فقيرة جدا في كل من المدن الكبيرة والمناطق الريفية النائية بالسعودية.
وذكر ألستون أنه زار جازان في جنوب غرب المملكة، كونها المنطقة الأكثر فقرا في السعودية، وصادف ظروفا معيشية هناك "ستصيب المواطنين السعوديين بالصدمة"، وليس في البلدان الاخرى المتقدمة ولو نسبيا.
البطالة وتبعاتها
وتشكل البطالة جزءا كبيرا من مشكلة الفقر. وتظهر الأرقام الرسمية أن نسبة البطالة بلغت 12.3% في الربع الثاني من عام 2016 للرجال و32.8% للنساء، ولكن تقديرات الخبراء تشير إلى أن المعدلات أعلى بكثير.
ووفقا لبعض التقديرات، فإن معدل البطالة يتراوح بين 29% و33% في صفوف الذكور الذين يتراوح سنهم بين 20 و24 عاما، و38% في الفئة التي يتراوح عمرها بين 24 و29 عاما.
وتصل نسبة البطالة في صفوف الإناث إلى 34.5% وفق أرقام نشرتها مؤسسة الملك خالد الخيرية عام 2017، في حين تبلغ نسبة العائلات التي تعيلها امرأة 5% من إجمالي الأسر السعودية.
وكانت شركة "ماكينزي" العالمية للاستشارات قد أكدت في تقرير لها أنه من المتوقع أن يتدفق إلى سوق العمل نحو 4.5 ملايين مواطن سعودي في سن العمل حتى عام 2030، مما سيضطر المملكة إلى توفير وظائف بأكثر بثلاثة أضعاف ما وفرته خلال حقبة ازدهار النفط ما بين عامي 2003 و2013، وحذرت الشركة من ارتفاع نسبة البطالة إلى 20% وتراجع دخل الأسر بنحو 20%.
وتسعى المملكة لمعالجة جملة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتأتية من تراجع أسعار النفط من خلال إجراءات تقشفية وفرض ضرائب ورسوم، والتخلي عن الدعم في عدد من القطاعات الإستراتيجية بينها رفع أسعار الكهرباء والوقود، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، ورفع أسعار المياه وغيرها.
وتشير التقديرات إلى أن إجراءات التقشف الواردة ضمن "رؤية 2030" التي طرحها ولي العهد محمد بن سلمان قد توفر سيولة مالية، وتخفض نسبة العجز في الموازنة، لكنها ستحمل آثارا اجتماعية خطيرة، وستكون موجعة بالنسبة للطبقات الفقيرة والمتوسطة.
المصدر : الجزيرة+الصحافة الأميركية
22/101