النوروز في الفقه... مشروع أم سنة أم بدعة؟

السبت 24 مارس 2018 - 12:02 بتوقيت مكة
النوروز في الفقه... مشروع أم سنة أم بدعة؟

إسلاميات-الكوثر: إن يوم النيروز يعد من الموضوعات المشهورة بين الفقهاء والخلاف بشأنه حول تعيين يوم له والأعمال المخصوصة في هذا اليوم وهل يجوز إتيانها بقصد الورود أو لابد أن تكون بقصد رجاء المطلوبية؟

 إن الفقهاء قد تعرضوا لهذه المسألة في ابواب شتى من الفقه كأبواب الطهارة و .. وأوّل من تعرض من القدماء للنيروز و لبيان بعض الاعمال الخاصة بهذا اليوم الشيخ الطوسي في كتابه مصباح المتهجد.

حسب ما ورد في كلمات علماء التاريخ والهيئة والفقه وأيضا حسب ما روى في الأخبار والنصوص يجد الإنسان ان النيروز يطلق على عدة أيام منها نيروز الفرس و نيروز السلطان و نيروز الملك والمهرجان و نيروز الخليفه ببغداد و….و تعيينه ليوم واحد و تفسير المراد مما ورد في الروايات يحتاج إلى بحث بالتفصيل الذي لاتسعه هذه المقالة و لاجل انه بحث اختصاصي يرتبط ببعض العلوم غير الفقه نظير وعلم الهيئة و غيره لا ندخل في هذه الجهة من البحث و نتركها إلى موضعها.

و في ذلك قال ابن فهد الحلي في مهذب البارع:

يوم النيروز يوم جليل القدر، وتعيينه من السنة غامض ، مع أن معرفته أمر مهم من حيث تعلق به عبادة مطلوبة للشارع، والامتثال موقوف على معرفته، ولم يتعرض لتفسيره أحد من علمائنا. المهذب البارع ج 1 – شرح ص 191.

و قال الشيخ الانصاري في كتابه المكاسب:

النيروز : معرب (نوروز) الفارسية، بمعنى اليوم الجديد، وهو اليوم الأول لشهر (فروردين) أول شهور السنة بالتاريخ الهجري الشمسي، المصادف لأول فصل الربيع. وهو أكبر الأعياد الوطنية في إيران . المكاسب ج 6 ص 331.

و من الواضح ان النيروز الذي نبحث عنه فقهياً في هذا المجال هو اول يوم من سنة الفرس و سنة الايراني.

و منها: البحث عن تاريخه وآدابه .

ومنها: البحث عن مشروعيته وعدمه فقهيا.

ومنها: البحث عن أعمال ذلك اليوم وكيفيه إتيانه.

ومنها: البحث عن الروايات والأحاديث بخصوص النيروز.

و منها: البحث عن الرواة والرجال الذين روا بعض الروايات والنصوص الواردة في خصوص النيروز كمعلي بن خنيس و غيره.

ان الفقهاء قد تعرضوا لهذه المسألة في ابواب شتى من الفقه كابواب الطهارة, باب الاغسال المندوبة الزمانية, وابواب الصلاة, باب الصلوات المندوبة الزمانية وأبواب الصوم, باب الصيام المندوبة, وأبواب المعاملات, باب البيع المؤجل الذي اجلها النيروز, وكابواب الهدية, و غيرها.

و اما نحن لاجل ان نشتغل بالفقه فالأحسن في هذا الموضوع ايضا العناية بجهة فقه النيروز, فلذلك نبدأ فيما نحن فيه اولا بذكر أقوال الفقهاء في خصوص النيروز.

فنقول: اول من تعرض من القدماء للنيروز و لبيان بعض الأعمال الخاصة بهذا اليوم الشيخ الطوسي في كتابه مصباح المتهجد و لكن لأجل ان نتابع الموضوعات والمسائل حسب كتاب تحرير الوسيلة وحسب رأي السيد الامام الخميني نبدء اولا بذكر كلمات الامام ره في تحرير الوسيلة ثم بذكر ما قاله الشيخ الطوسي.

فقد تعرض السيد الامام للنيروز وفقا لساير الفقهاء في ابواب متعددة:

منها كتاب الطهارة فقال ضمن الاغسال المندوبة:  ومنها ليلة النصف من شعبان، ومنها يوم المولود، وهو السابع عشر من ربيع الأول، يؤتى به رجاء، ومنها يوم النيروز، ومنها… تحرير الوسيلة ج 1 ص 99.

و في كتاب الصوم و في بيان الصوم المندوب: ومنها يوم النيروز….. تحرير الوسيلة ج 1 ص 303.

المتأمل فيما قاله الامام في الاغسال المندوبة يجد انه ره قال باتيان الغسل في يوم المولود ويوم النصف من شعبان رجاء واما في يوم النيروز فقال باستحبابه.

27/101

و اما الشيخ الطوسي:

محمد بن الحسن في ( المصباح ) عن المعلى بن خنيس، عن مولانا الصادق (عليه السلام) في يوم النيروز قال: إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك، وتطيب بأطيب طيبك، وتكون ذلك اليوم صائماً، فإذا صليت النوافل والظهر والعصر فصل بعد ذلك أربع ركعات، تقرأ في أول كل ركعة فاتحة الكتاب، وعشر مرات (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، وفي الثانية فاتحة الكتاب وعشر مرات (قل يا أيها الكافرون)، وفي الثالثة فاتحة الكتاب وعشر مرات (قل هو الله أحد)، وفي الرابعة فاتحة الكتاب وعشر مرات المعوذتين، وتسجد بعد فراغك من الركعات سجدة الشكر، وتدعو فيها يغفر لك ذنوب خمسين سنة.

وبعده كثير من الفقهاء خصوصاً من المتاخرين قدتعرضوا لبيان هذه المساله واليك نص بعض الاقوال:

قال العلامه الحلي في عداد اغسال المندوبة:

مسألة : ويستحب الغسل ليلة الفطر وأول ليلة من شهر رمضان ……ويوم التروية ويوم النيروز للفرس . منتهى المطلب ج 1 ص 130.

و قال ابن فهد الحلي ايضا: ومثل غسل يوم النيروز ، نيروز الفرس ومستنده رواية المعلى بن الخنيس ، وذكره الشيخ في مختصر المصباح، و يستحب فيه الصيام وصلاة أربع ركعات بعد صلاة الظهرين، ويسجد بعدها ويدعو بالمرسوم ، يغفر له ذنوب خمس سنين. المهذب البارع ج 1 – شرح ص 191.

قال المحقق البحراني: ومنها اي من الاغسال المندوبة: الغسل يوم النيروز لما رواه الشيخ في المصباح عن المعلي بن خنيس عن الصادق ( عليه السلام ) قال ……واشار إلى الرواية بتمامها و إلى ما قاله ابن فهد في بيان يوم النيروز. الحدائق الناضرة ج 4 ص 212.

واما صاحب الجواهر ففي تعرض للنيروز بالتفصيل فقال: وأما غسل يوم النيروز فعلى المشهور بين المتأخرين بل لم أعثر على مخالف فيه لخبر المعلى بن خنيس عن الصادق ( عليه السلام ) المروي عن المصباح ومختصره ” إذا كان يوم النيروز فاغتسل ” إلى آخره .

وفي خبره الآخر عن الصادق (ع) المروي على لسان الشيخ الجليل الشيخ أحمد بن فهد في مهذبه حكاه في المصابيح، وهو طويل قد اشتمل على ذكر أمور عظيمة قد وقعت في هذا اليوم…. جواهر الكلام ج 5 ص 41.

قال الشيخ الانصاري في كتاب الطهارة: ومنها غسل يوم النيروز كما عن المصباح والجامع وهو على المشهور بين المتأخرين كما قيل والمستند فيه رواية لمعلى بن خنيس….. وأشار الانصاري في ذلك إلى الرواية المفصلة التي ذكرها ابن فهد الحلي وصاحب الجواهر…. كتاب الطهارة (ط.ق) للشيخ الأنصاري ج 2 ص 328.

وقال السيد اليزدي في الاغسال المندوبة: الحادي عشر : يوم النيروز . العروة الوثقى ج 2 ص 152.

و في بيان الصوم المندوب: ومنها : ما يختص بوقت معين وهو في مواضع:… ومنها: يوم النيروز . ومنها: صوم رجب وشعبان كلا أو بعضا ولو يوما من كل منهما. العروة الوثقى ج 3 ص 658.

قال السيد الخوئي: (مسألة 341 ): هذه الأغسال قدثبت استحبابها بدليل معتبر والظاهر أنها تغني عن الوضوء، وهناك أغسال أخر ذكرها الفقهاء في الأغسال المستحبة، ولكنه لم يثبت عندنا استحبابها ولا بأس بالاتيان بها رجاء، وهي كثيرة نذكر جملة منها:… الغسل يوم النيروز، وأول رجب، وآخره، ونصفه، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون منه. منهاج الصالحين ج 1 ص 94.

قال السيد الگلبايكاني في بيان الاغسال المندوبة: ومنها : غسل يوم النيروز. هداية العباد ج 1ص 94.

قال السيد الامام الخامنئي: س 390 : ما هو رأي سماحتكم في عيد النيروز، هل هو ثابت شرعا كعيد يحتفل فيه المسلمون كعيد الفطر وعيد الأضحى، أم أنه فقط يوم مبارك كأيام الجمعة مثلا وغيرها من المناسبات ؟

ج : لم يرد نص معتبر على كون النيروز من الأعياد الدينية أو من الأيام المباركة شرعا بالخصوص، إلا أنه لابأس بالاحتفالات والزيارات فيه .

س 391 : هل صحيح ما روي عن يوم النيروز وفضله وأعماله؟ وهل يجوز الإتيان بتلك الأعمال ( صلاة كانت أو دعاء أو . . . ) بقصد الورود ؟

ج : قصد الورود في تلك الأعمال محل تأمل واشكال، نعم لا بأس بالاتيان بها رجاء المطلوبية . أجوبة الاستفتاءات ج 2 ص 130.

قال السيىد السيستاني: 1628 . السؤال: ما هو رأي الدين في عيد النيروز ؟  الجواب: لم يرد في الروايات ما يدل على أنه عيد ولكن ورد في بعضها ما يستفاد منها أهمية هذا اليوم.

السؤال: هل يعد اعتبار النيروز عيدا من البدع في الدين؟  الجواب: لايعد بدعة. استفتاءات ص 412 413.

فتلخص ان النيروز من الموضوعات المشهورة بين الفقهاء و المحدثين رواية و فتوي خصوصا بين المتاخرين و لاخلاف في ذلك الا أن الخلاف في تعيين يومه وتعيين الأعمال المخصوصة في هذا اليوم و انها هل يجوز اتيانها بقصد الورود او لابد ان تكون بقصد رجاء المطلوبية؟

الادلة في المقام:

بعد ان ذكرنا النيروز و ذكرنا تعرض الفقهاء له في ابواب شتي من الفقه كابواب الطهارة و الصلاة و الصوم و التجارة كبيع المؤجل و ذكرنا اقوال الفقهاء في ذلك فقد تلخص مما ذكرناه ان النيروز من حيث اصل المسألة ومن حيث الاقوال وتعرض الفقهاء مشهور ومعروف و خصوصا بين المتاخرين منهم كانه اجماعي لاخلاف فيه.  وانما الخلاف في فروع المسألة و في كيفية النظر إلى النيروز و في إتيان اعمال ذلك اليوم بقصد الورود او بقصد رجاء المطلوبية!

فاذا كان كذلك فلابد للفقيه من ذكر الادلة و كيفية الاستدلال.

فنقول: ان الادلة في ذلك حسب الفحص منحصر في الأخبار الواردة بخصوص النيروز, و اكثر الأخبار قد رواها الشيخ الحر العاملي في كتابه الوسايل في ابواب شتى ايضا كأبواب الصلاة و ابواب الصوم و أبواب الهدية و غيرها.

والعمدة في ذلك ايضا خبر معلي بن خنيس الذي رواه الشيخ في المصباح عَنْ مَوْلانَا الصَّادِقِ (ع) فِی یَوْمِ النَّیْرُوزِ قَالَ: إِذَا کَانَ یَوْمُ النَّیْرُوزِ- فَاغْتَسِلْ وَ الْبَسْ أَنْظَفَ ثِیَابِکَ وَ تَطَیَّبْ بِأَطْیَبِ طِیبِکَ وَ تَکُونُ ذَلِکَ الْیَوْمَ صَائِماً فَإِذَا صَلَّیْتَ النَّوَافِلَ وَ الظُّهْرَ وَ الْعَصْرَ فَصَلِّ بَعْدَ ذَلِکَ أَرْبَعَ رَکَعَاتٍ تَقْرَأُ فِی أَوَّلِ کُلِّ رَکْعَةٍ فَاتِحَةَ الْکِتَابِ- وَ عَشْرَ مَرَّاتٍ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ- وَ فِی الثَّانِیَةِ فَاتِحَةَ الْکِتَابِ- وَ عَشْرَ مَرَّاتٍ قُلْ یَا أَیُّهَا الْکَافِرُونَ- وَ فِی الثَّالِثَةِ فَاتِحَةَ الْکِتَابِ وَ عَشْرَ مَرَّاتٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ- وَ فِی الرَّابِعَةِ فَاتِحَةَ الْکِتَابِ- وَ عَشْرَ مَرَّاتٍ الْمُعَوِّذَتَیْنِ- وَ تَسْجُدُ بَعْدَ فَرَاغِکَ مِنَ الرَّکَعَاتِ سَجْدَةَ الشُّکْرِ وَ تَدْعُو فِیهَا یُغْفَرُ لَکَ ذُنُوبُ خَمْسِینَ سَنَة.

اقول: ان اكثر الفقهاء القائلين باستحباب الغسل والصوم و الصلاة في يوم النيروز قد استدلوا على الحكم برواية معلي بن خنيس المتقدم ذكره, ولكن الروايه كما تعرفونها مرسلة معلي بن خنيس.

وان كان الامر في المعلي ايضاً مردد بين الضعف والثقة كما قال النجاشي بضعفه ولكن الشيخ الطوسي”ره” عده في كتابه الغية في السفراء الممدوحين، ثمّ الكشّي ذكر في ترجمة الرجل روايات، بعضها مادحة وبعضها ذامّة.

ولكن هناك نقاط مهمة بخصوص رواية المعلى:

الاولى: ان هذا الحديث رواه الشيوخ الثلاثة الاكابر الامامية و هم الكليني والصدوق والطوسي و عاده الصدوق في الفقيه في ذكر الاحاديث انه اذا قال مباشرة مثلا قال الامام …….فمقصوده الاعتماد عليه, فلذلك يبدل عنوان الحديث بجوازم الصدوق, فكانه على يقين انه صدر من الامام(ع) فعليهذا رتبه هذا الحديث في مرتبة اقوي من المرسل و لكن ليس بحد يوجب جبر ضعف السند.

الثانية: ان خبر المعلي و ان كانت مرسلة و لكن قد عمل بها وأفتى بها المشهور من الفقهاء المتاخرين وحتى يمكن ان يقال بان كافة المتاخرين قد عملوا بها وافتوا بها, فصارت الرواية معمولة بها و اتصفت بشهرة فتوائية بين المتاخرين. و هذا ايضا وان لم نقل بان الشهرة الفتوائية من المتاخرين كان جابرا لضعف السند و لكن هذه الشهرة توجب أيضا تاييدا للخبر.

الثالثة: مضافا الى دلاله هذا الخبر , أيضا هناك روايات وأحاديث أخرى يمكن الاستدلال بها لاثبات النيروز فنذكر منها:

منها رواية رواها عن المعلى بن خنیس أَحْمَدُ بْنُ فَهْدٍ فِی کِتَابِ الْمُهَذَّبِ حیث قَالَ: حَدَّثَنِی السَّیِّدُ الْعَلامَةُ بَهَاءُ الدِّینِ عَلِیُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِیدِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْمُعَلَّى بْنِ خُنَیْسٍ عَنِ الصَّادِقِ (ع): أَنَّ یَوْمَ النَّیْرُوزِ هُوَ الْیَوْمُ الَّذِی أَخَذَ فِیهِ النَّبِیُّ (ص) لأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (ع) الْعَهْدَ بِغَدِیرِ خُمٍّ- فَأَقَرُّوا لَهُ بِالْوَلایَةِ فَطُوبَى لِمَنْ ثَبَتَ عَلَیْهَا وَ الْوَیْلُ لِمَنْ نَکَثَهَا.

وَ هُوَ الْیَوْمُ الَّذِی وَجَّهَ فِیهِ رَسُولُ اللَّهِ (ص) عَلِیّاً- إِلَى وَادِی الْجِنِّ وَ أَخَذَ عَلَیْهِمُ الْعُهُودَ وَ الْمَوَاثِیقَ وَ هُوَ الْیَوْمُ الَّذِی ظَفِرَ فِیهِ بِأَهْلِ النَّهْرَوَانِ- وَ قَتَلَ ذِی الثَّدْیَةِ .

وَ هُوَ الْیَوْمُ الَّذِی فِیهِ یَظْهَرُ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَیْتِ وَ وُلاةَ الاَمرِ وَ یُظْفِرُهُ اللَّهُ بِالدَّجَّالِ- فَیَصْلِبُهُ عَلَى کُنَاسَةِ الْکُوفَةِ-

وَ مَا مِنْ یَوْمِ نَیْرُوزٍ إِلا وَ نَحْنُ نَتَوَقَّعُ فِیهِ الْفَرَجَ لاَنَّهُ مِنْ أَیَّامِنَا حَفِظَهُ الْفُرْسُ وَ ضَیَّعْتُمُوهُ .

ثُمَّ إِنَّ نَبِیّاً مِنْ أَنْبِیَاءِ بَنِی إِسْرَائِیلَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ یُحْیِیَ الْقَوْمَ الَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیَارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَیْهِ أَنْ صُبَّ عَلَیْهِمُ الْمَاءَ فِی مَضَاجِعِهِمْ فَصَبَّ عَلَیْهِمُ الْمَاءَ فِی هَذَا الْیَوْمِ فَعَاشُوا وَ هُمْ ثَلَاثُونَ أَلْفاً فَصَارَ صَبُّ الْمَاءِ فِی یَوْمِ النَّیْرُوزِ سُنَّةً مَاضِیَةً لَا یَعْرِفُ سَبَبَهَا إِلَّا الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ وَ هُوَ أَوَّلُ یَوْمٍ مِنْ سَنَةِ الْفُرْسِ- قَالَ الْمُعَلَّى وَ أَمْلَى عَلَیَّ ذَلِکَ فَکَتَبْتُ مِنْ إِمْلَائِه‏.مستدرك الوسايل: 6352 ح 1.

هذا الحديث مضافا إلى انه مرسل وضعيف من جهة السند ولايجوز الاستدلال به, هو يحكي لنا ويبين أهمية ذلك اليوم وبانه مصادف لبعض الوقائع والحوادث المهمة في التاريخ و نحن ايضا نعترف بانه هذه الوقايع الواقعة فيه تدل على أهمية ذلك اليوم ولكن يحتمل ان التقارن بين هذه المناسبات أمرا إتفاقيا و لا يكون عن علة و حكمة خاصة.

و منها ما رواه الشيخ الصدوق في الفقيه مرسلا:

وَ أُتِيَ عَلِيٌّ ع بِهَدِيَّةِ النَّيْرُوزِ فَقَالَ ع مَا هَذَا قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمُ النَّيْرُوزُ فَقَالَ ع اصْنَعُوا لَنَا كُلَّ يَوْمٍ نَيْرُوزاً. الفقيه: 3300 ح 4073.

و في روايه قال: نیرزونا کلُّ یوم. الفقيه: 3300 ح 4073.

و في روايه اخري عن دعائم الاسلام : انَّهُ أُهْدِيَ إِلَيْهِ فَالُوذَجٌ فَقَالَ(ع): مَا هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمُ نَيْرُوزٍ.

قَالَ(ع): فَنَيْرِزُوا إِنْ قَدَرْتُمْ كُلَّ يَوْمٍ يَعْنِي تَهَادَوْا وَ تَوَاصَلُوا فِي اللَّهِ.

فلابد لنا ان نقف عند هذه الروايات وقفة يسيره و هي اولا أنها تحكي لنا بنفسها ان اليوم النيروز كان معروفا بين الناس والناس يعرفونه يتلقونه بعنوان يوم مهم و مبارك و من عادتهم ارسال الهدايا إلى كل من كان بينهم و بينه علاقة و محبه, فلذلك ارسلوا إلى امير المومنين بعض الهدايا.

و ثانيا: ان امير المومنين(ع) ما نهاهم عن ذلك العمل و ما تكلم أمامهم بكلمه تدل على ذم ما فعلوا, و من المعلوم والواضح اذا كان عند الامام ملاحظة بالنسبه إلى ذالك اليوم او ذلك العمل في ذلك اليوم فعليه ان يبينه و لم يبنه, و عدم البيان من الإمام في ذلك دليل على تقرير من الإمام لذلك اليوم و ذلك العمل و لاشك في أن تقرير الامام حجة.

و لكن كل ذلك على فرض صحة الحديث وإمكان الاعتماد عليه.

التعرض الى الدليل المخالف:

و اما في مقابل هذه الاحاديث و الروايات رواية و حديث عن الامام الكاظم(ع) الدال على النهي عن التعيد في يوم النيروز و هو الذي رواه ابن شهر أشوب السروي المازندراني في المناقب.

نقل ابن شهر آشوب فی المناقب وقال: حکی أن المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر بالجلوس للتهنئة فی یوم النیروز وقبض ما یحمل إلیه فقال (ع): إنی قد فتشت الأخبار عن جدی رسول الله (ص) فلم‏ أجد لهذا خبرا و إنه سنة للفرس و محاها الإسلام و معاذ الله أن نحیی ما محاه الإسلام.

فقال المنصور: إنما نفعل هذا سیاسة للجند فسألتک بالله العظیم إلا جلست فجلس و دخلت علیه الملوک والأمراء والأجناد یهنئونه و یحملون إلیه الهدایا والتحف…

اما ان هذا الحديث اولا كان مرسلا نظير ما ورد بخلافه, فهذا بالنسبه إلى سند الخبر.

و اما بالنسبة الى دلالة الخبر فهو ساكت عما نحن فيه لان فيه الإشارة من الإمام إلى المنصور في عدم جلوس الخليفة لاخذ الهدايا بعنوان سيرة مستمرة من الحكام و خلفاء و هذا امر خاص و نهى عنه الامام(ع) مستندا إلى عدم وصول الإمام إلى رواية صحيحة, و مقصود الإمام من (فلم اجد لهذا) لهذا الجلوس لأخذ الهدايا, و المقصود (انه سنة للفرس) اي ان جلوس الخليفة في هذا اليوم لاخذ الهدايا سنة للفرس.

و اما بالنسبة إلى اصل هذا اليوم اي النيروز هل هو بدعة ام لا فليس فيه شيء يدل عليه.

و اما حمل الرواية على التقية كما قاله بعض فهو احتمال بعيد في اشد البعد.

لانه الخليفة اصر على الجلوس و جلس الإمام (ع) و لكن الحديث على خلاف رأي الخليفة فاذا لايمكن حملها على التقية.

مضافا إلى ان في مقابل هذا الخبر , خبر إبراهيم الكرخي الذي روي عنه الحسن بن محبوب و كان من اصحاب الاجماع عن الامام الصادق(ع) الذي يدل على جواز أخذ الهدية في يوم النيروز.

محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، وأحمد بن محمد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم الكرخي قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل تكون له الضيعة الكبيرة فإذا كان يوم المهرجان أو النيروز أهدوا إليه الشئ ليس هو عليهم يتقربون بذلك إليه؟

فقال: أليس هم مصلين؟

قلت: بلى. قال : فليقبل هديتهم وليكافهم فإن رسول الله (ص) قال : لو أهدي إلي كراع لقبلت وكان ذلك من الدين ولو أن كافرا أو منافقا أهدى إلي وسقا ما قبلت وكان ذلك من الدين، أبى الله عز وجل لي زبد المشركين والمنافقين و طعامهم. الكافي ج 5 ص 141.

فعليهذا مخالفة رواية ابن شهراشوب لايضر فيما نحن فيه.

التحقيق و القول المختار:

و بعد هذه الموارد والايرادات في الحديث المخالف, نقول: لو لم نقل بانه مبتلى باشكالات المذكوره فلابد لنا ان نقول بالتعارض بينه و بين خبر المعلى بن خنيس. و بين خبر ابراهيم الكرخي .

ففي ذلك ايضا نقول: بعدم تحقق التعارض بينهما لانه اولا كلاهما مرسل وخبر واحد وليس بمستفيض حتى يمكن الاعتماد عليه بدون ذكر السند, فاذا هما ليسا بحجه شرعيه تدل على شي من الامور الشرعيه.

و اذا كان كذلك لايتحقق التعارض لان التعارض بين الحجتين و لا بين اللاحجتين, يعني لاتعارض بين لاحجه و لاحجه اخري.

فنحن نبقي بلا دليل من الطرفين من النفي والايجاب و لابد ان نرجع في البحث الي اطلاقات الادله ان كان موجوده و الا فلا.

و لكن لايخفى ان لخبر المعلى بشان النيروز بعض الترجيحات من الشهره الفتوائيه لانه معمول به و شهره النقل في المصادر المعتبره, فاذا لا يمكن مقاومه ما روي في المناقب لابن شهر شوب تجاه خبر المعلى بن خنيس.

و حتى لو لم نقل بترجيح خبر معلى بن خنيس علي خبر ابن شهر اشوب فبالنتيجه لابد ان نقول بالتعارض و التساقط فنبقى في مساله النيروز بلا دليل خاص من الطرفين ايجابيا و سلبيا.

و بعد ذلك نحن نجد في بعض الروايات ما يدل على عدم جواز امحاء كل سنه كانت قبل الاسلام و قبل نزول الاسلام بل مادام لم تكن فيها شيء من المنكر الاساسي في الاسلام لايجوز مخالفتها بل يجوز تاييدها, لانه ليست ببدعه بل كان امرا مباحا جائزا.

نجد في نهج البلاغه في رسالة الامام علي(ع) الي مالك الاشتر انه كتب اليه:…

ولاتنقُض سُنّةً صالحةً عَمِل بها صدور هذه الأمة واجتمَعت بهاالاُلفة وصَلَحَث عليها الرّعيّة ولا تُحدِثَن ّ سنّةً تَضُرّ بشيء من ماضى تلك السُّنَن فيكون الاجرُ لمن سنّها والوِزر عليك بما نَقَضتَ منها.

فيظهر ان النيروز من السنن الموجوده قبل الاسلام و بعد نزول الاسلام لم نعثر على دليل يمنع عنه و لايوجد نهي عنه, و واضح ان عدم الدليل على المنع, دليل على الجواز, فاحياء هذا اليوم بعنوان واحد من الاعياد الوطنية لا باس بها و ليست ببدعه و ليست سنه من سنن المجوس, بل يمكن ان نستفيد من تقرير الاسلام و تقرير الامام امير المومنين (ع) و غيره انه من السنن الامضائيه في االاسلام, و ايضا لاباس باحيائها.

هذا بالنسبة الى اصل النيروز و احيائه بعنوان العيد و اما بالنسبه الى اتيان اعمال هذا اليوم فلم يثبت عندنا استحبابه شرعا بدليل مقبول, فلذلك الاتيان بالاعمال كالغسل و الصلاه و الصوم بقصد الورود لايخلوا من اشكال, و اما الاتيان بقصد رجاء المطلوبيه فلا باس به.

 

المصدر: موقع سماحة  آية الله السيد أبو الفضل الطباطبائي الأشكذري على الانترنت

27/101

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 24 مارس 2018 - 11:47 بتوقيت مكة