قد تبدو هذه الزيارة طبيعية، ولاسيّما في ظل العلاقة الطيّبة والمتينة بين الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة وسلطنة عمان، وهذا ما أكّده المتحدث باسم الدبلوماسيّة الإيرانية، إلا أنّه من غير المستبعد أن تندرج هذه الزيارة في إطار الدبلوماسيّة العمانيّة العريقة التي جعلت من هذا البلد مفتاحاً لحل أزمات المنطقة المعقّدة.
تأتي الوساطة العمانيّة بعد وساطة عراقيّة سابقة قادها الأعرجي، وجهود عراقيّة إضافيّة يقودها وزير الخارجيّة ابراهيم الجعفري للتوسط بين البلدين مؤخراً، وتشير مصادر مطّلعة إلى أن زيارة ابن علوي بالغة الأهمية حيث إنه يحمل فيها رسالة من الرياض للوساطة مع “الحوثيين” (أنصار الله) لإنهاء حرب اليمن، وفق المصدر.
ورغم الدور الإقليمي المتصاعد للعراق مؤخراً، إلا أن هذا البلد لا يزال يفتقر لخبرة الوساطة التي تعدّ سلطنة عمان رائدتها في المنطقة بدءاً من الوساطة بين إيران وأمريكا التي أودت إلى الاتفاق النووي، ولاحقاً وساطة تبادل السجناء، وليس انتهاءَ بالوساطة بين السعودية وأنصار الله الأمر الذي أفضى إلى مفاوضات تعثّرت نتائجها.
لا ندري تحديداً ماذا يوجد في جعبة ابن علوي من مقترحات، ولكن من غير المستبعد أن يتعلّق الأمر بملفّ اليمن كمقدّمة لكل الملفات بين إيران والسعوديّة، وهل ستؤدي إلى النتيجة المطلوبة. إلا أنّ هذه الزيارة تأتي بعد تأكيد رائد الدبلوماسيّة الإيرانية، وزير الخارجيّة، الدكتور محمد جواد ظريف على ضرورة إنهاء المشكلة بين طهران والرياض، ليس ذلك فحسب، بل أكّد قبل أيّام أنه لا يوجد أي سبب للعداء بين الرياض وطهران، وأن بلاده ستكون أول دولة تقف إلى جانب السعودية في حال تعرّضها لأي عدوان خارجي. وقد يستغرب البعض هذا الكلام، إلا أنّ التجربة الإيرانية مع قطر المحاصرة خير دليل على ذلك باعتبار أن العلاقة بين طهران والدوحة كانت في مرحلة من مراحل (بدايات الأزمة السوريّة) سيئة للغاية.
لا ندري إلى أين ستؤول الوساطة العمانيّة إن صحت، فهل ستؤدي إلى اتفاق بين طهران والرياض أم إن مصيرها سيكون مشابهاً للتجربة السعوديّة اليمنية؟ الإجابة يمكن الإشارة إليها في جملة من النقاط.
أوّلاً: لا يشكّك أحد بدبلوماسية سلطنة عمان كونها تتميز بسياسة خارجيّة حياديّة على المستوى الدولي، ما وفّر لها مناخاً ملائماً للوساطة بين الجميع نظراً لرفضها الانحياز لأي طرف في الصراعات، وبالتالي في حال فشلت وساطتها ستكون الكرة في ملعب طرفي الوساطة.
ثانياً: أثبتت تجربة الاتفاق النووي بين إيران والدول الست، ورغم العرقلة السعوديّة الواضحة التي وصلت إلى حدّ حضور وزير الخارجيّة السعودي الراحل سعود الفيصل في فيينا لعرقلة سير المفاوضات، أن طهران تدعم السير في الحوار والمفاوضات لحلحلة الأزمات حتى مع العدوّ الأمريكي، فكيف الحال ببلد جار ومسلم وفق الأدبيات السياسيّة الإيرانيّة. إن وساطة عمان بين طهران وواشنطن أفضت إلى اتفاق “مرضٍ للجميع”، أو بعبارة أخرى “رابح-رابح”، لأن الطرفين كانا بصدد التفاوض وليس فرض الشروط.
ثالثاً: ما حصل في تجربة الاتفاق النووي لم يحصل بين أنصار الله والسعودية في مفاوضات الكويت ومسقط، رغم أن الوساطة هي نفسها، فما كان يحصل هناك ليس مفاوضات حقيقة، بل محاولة فرض شروط تحت شعار المفاوضات رغم عجز السعوديّ حينها، وحتى يومنا هذا، عن تحقيق هذه الشروط في الميدان. السعودية دخلت المفاوضات للحصول على نتيجة “رابح-خاسر”، رغم أنها لم تكن في الموقع الذي يسمح لها بفرض شروط، وعندما تكون المسألة مماثلة، فالنتيجة تنحسر بين خيارين إمام “خاسر-خاسر” أو “رابح-رابح”.
رابعاً: يدرك الجميع أن كلا الطرفين، إيران والسعوديّة، لا تسمح لهما الظروف بفرض الشروط على الطرف الآخر، وبالتالي إذا كانت الرياض، أو حتى طهران، تسعى للدخول إلى المفاوضات بمنطق “رابح-خاسر”، فالنتيجة ستكون بطبيعة الحال “خاسر-خاسر” كون التوافق بين البلدين في مصلحة استقرار المنطقة. المشكلة أن القيادة السعوديّة الجديدة عديمة الخبرة وتفتقد إلى الثقافة الدبلوماسيّة الأمر الذي يجعلها ترى أي رسالة إيجابيّة من طهران على أنها تنازل رغم إدراكها أنها فشلت في تحقيق أهدافها في اليمن والعراق وسوريا، بل حتّى في الداخل الإيراني.
خامساً: كل من يوافق طهران ويعاديها، يذعن لاستقلال سياستها الخارجيّة، بصرف النظر عن موقفه منها، ولكن للأسف فإن السعودية متّهمة ببناء سياستها الخارجيّة وفقاً لمصالح واشنطن. ينطوي هذا الاعتقاد السائد على الكثير من الصحّة ولا سيّما في عهد ابن سلمان الذي سكت دهراً عن قضيّة القدس، ونطق كفراً بها، من واشنطن، المنطقة التي خرج منا القرار.
لا ندري ماذا يوجد في جعبة ابن علوي، ربّما تكون الزيارة الحالية زيارة وساطة، أو مقدّمة لزيارة وساطات لاحقة، ولكن مع استمرار العقلية السعوديّة الحالية في مقاربة العلاقة مع إيران، ومحاولة فرض الشروط المسبقة، فإن نتيجتها ستكون معلومة مسبقاً.
*الوقت