ويقدم الباحث والأكاديمي اللبناني كمال ديب في كتابه “لعنة قايين: حروب الغاز من روسيا وقطر إلى سوريا ولبنان”، الصادر حديثاً عن دار الفارابي في بيروت تفسيراً أكاديمياً واستراتيجياً لموضوع الغاز والنفط ويربطه بما يجري من حروب في المنطقة.
يقول ديب إن حروب الغاز ليست معارك عسكرية بل هي أكثر تعقيداً، بدأت صراعاً على منابع الغاز وطرق الإمدادات واشتعلت حروباً من وسط آسيا إلى سوريا وأوكرانيا وأفريقيا. فالصراع بدأ عن طريق مد أنابيب الغاز والنفط والعوائق التي تهدد بيعها.
يقول الكاتب إن هذا الكتاب هو ثمرة عام ونصف من البحث والكتابة وهو يتضمن أحد عشر فصلاً هي التالية: تاريخ الغاز الطبيعي حول الغاز، تطبيقات قد تكون للغاز الطبيعي أبعاد جيوسياسية خطيرة، فالمشكلة هي في الاقتصاد أيضاً وتقبع في قوانين العرض والطلب. فموارد الغاز في العالم محدودة ولا يمكن تجديدها حتى لو جرى ترشيد استهلاكها ببطء. فموارد الغاز مهددة بالنفاد نتيجة ارتفاع الطلب عليها. وهذا الطلب يحتم ندرتها واستنفادها يوماً ما. وهذا العامل الاقتصادي –الندرة – يوصلنا الى حروب الغاز حيث يفوق الطلب العالمي على الغاز الكميات المعروضة منه. وهذا الطلب جعل حرب الغاز ركناً رئيسياً في التخطيط الاستراتيجي العسكري والاقتصادي والسياسي في العالم، ويقدم أنموذجاً لمعارك المستقبل.
ومن هذه الزواية ينكشف هزال المنطق الذي يصور حرب اليمن وحرب سوريا وغيرهما في المنطقة على أساس أنها صراع بين السعودية وإيران أو أنها حرب صعود الاسلام السياسي ليتبين أنها حروب ذات أبعاد اقتصادية تتعلق بالسيطرة على منابع الطاقة في العالم، وتحديداً على النفط والغاز، حتى ولو وصل الأمر الى تدمير منجزات تاريخية وحضارية لدول وشعوب كالعراق وسوريا من أجل النهب والسيطرة.
لا تقتصر حروب الغاز على الدول المصدرة لها بل على الدول التي تعبرها خطوط نقله فتحولت الى شرايين حياة لدول وكيانات ووسائل ضغط ومساومة لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية بحيث أصبحت هذه الخطوط أهدافاً رئيسية لقوى إقليمية وعالمية.
تحتل دول الخليج الفارسي المراتب الأولى عالمياً من حيث العمر الافتراضي لكل من النفط والغاز. فالسعودية تعتبر أكبر منج للنفط في العالم واحتياطاتها تبلغ 264 مليار برميل.
إن ميزان القوى قد بدأ يتحول من الغرب الى الشرق ومن المحيط الأطلسي الى المحيط الهادئ، ما نبّه العالم الى أهمية طريق البحر المتوسط فهو أسرع كثيراً من المرور عبر قناة بنما في آخر الأرض أو الدوران عبر رأس الرجاء الصالح المحاذي لجنوب إفريقيا، وأي تهديد لطرق المتوسط سيرفع تكاليف الشحن.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي عادت روسيا في السنوات العشر الماضية لتعزيز نفوذها العالمي سواء في ثراوتها الطبيعة ومصادر الطاقة أو في دورها الجيوسياسي في المشرق العربي ووسط آسيا وشرق أوروبا. فبعد غياب روسيا الدرماتيكي، فقد بدا للعالم أن روسيا لا تزال تعاني من تداعيات الاتحاد السوفياتي.
ونتيجة ضعفها تركت روسيا أميركا تحتل أفغانستان عام 2001 وتحتل العراق عام 2003 وشاهدت روسيا كيف تغلغل النفوذ الأميركي الى آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية وضمت دولها الى حلف الناتو واحدة بعد أخرى وخصوصاً جارتها أوكرانيا عام 2004.
فمنذ عام 2005 بدأت روسيا الاستيقاظ من سباتها بقيادات جديدة فهي لم تتأخر في الذهاب إلى أي حرب تهدد أسواق الطاقة أمامها فخاضت حرباً في جورجيا لإحباط مخطط غربي لتصدير الغاز من حوض بحر قزوين الى الغرب عبر أذربيجان وجورجيا الى تركيا. ثم خاضت حرباً مع أوكرانيا التي أرادت احتكار ممرات العبور الحيوية بين روسيا وأوروبا.
وكان زعيم هذه اليقظة الرئيس فلاديمير بوتين الذي أسس شركة غازبروم. فكان وصوله وفريقه الى السلطة ضربة لسياسات واشنطن تجاه روسيا، وذلك لأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة، مسجلاً بداية صعود الغاز الروسي كسلعة استراتيجية في الاقتصاد الدولي.
بدا للأوروبيين أن الغاز الروسي مكفول ومؤمن وقريب جغرافياً مقارنة باستيراد النفط والغاز من بلدان بعيدة كأميركا او من بلدان تعاني حروباً مثل العراق وأزمات مثل فنزويلا. ففي عام 2009 صدر تقرير روسي رسمي يكشف شراء 32 بلداً أوروبياً للغاز الروسي على الرغم من أن العلاقات مع عدد من هذه الدول يشوبها التعثر وليس القطيعة وبعضها الآخر محايد في علاقاته في روسيا.
موقع سوريا ولبنان في حرب الغاز
وعن موقع لبنان في حرب الغاز، يقول ديب إن “حوض شرق المتوسط هو من البقع المهمة في حروب الغاز حيث تتوزع ثروة الغاز بين مصر وقبرص ولبنان وفلسطين وسوريا. قبرص واسرائيل تصدرتا التنقيب عن الغاز وتلتهما مصر، في حين أن لبنان وسوريا يرواحان مكانيهما في الاستفادة من هذه الثروة الغازية”.
كانت سوريا قد بدأت أعمال التنقيب في البر وأعلن وزير النفط السوري اكتشاف حقل غاز في قارة في جوار حمص. فما تكتنزه سوريا من غاز طبيعي مقابل شواطئ طرطوس كفيل بتحويلها الى مصدر رئيسي للغاز الطبيعي في العالم، وهو ما يراه مراقبون أحد عوامل الصراع المحتدم بين الدول الكبرى على سوريا والاهتمام الروسي بحماية قاعدتها العسكرية في طرطوس للمحافظة على نفوذها ومصالحها الاقتصادية.
اذا صحت التوقعات، فإن ثروة لبنان من الغاز قد تكون ضعف الاحتياطات على ساحل فلسطين المحتلة والتي تستغلها "إسرائيل"، ويتوقع أن يكون دخل لبنان من هذه الثروة هو 300 مليار دولار وهو ما يفوق دين لبنان البالغ 90 مليار دولار.
وفي 17 آب أغسطس 2010 أقر مجلس النواب اللبناني قانون التنقيب عن النفط والغاز، في الوقت الذي أعلنت فيه اسرائيل عن اكتشاف حقل غاز ضخم قبالة شاطئ حيفا أطلقت عليه اسم “ليفيثان”، وهددت باستعمال القوة لحماية ما تعتبره حقوقاً سيادية لها. فرد أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله على التهديد الإسرائيلي محذراً من أن “كل من يمد يده الى هذه المنطقة ليسرق ثروة لبنانية في مياه لبنانية وكل من تراوده فكرة ضرب المنشآت البترولية اللبنانية ستكون منشآته هدفاً لنا”.
تهديد المقاومة اللبنانية كان كافياً لردع اسرائيل، فتحذير حزب الله بتوجيه صواريخه نحو أية منشات إسرائيلية تقام على مساحات مائية لبنانية أخاف الشركات الأجنبية والإسرائيلية، ودفع حكومة “إسرائيل” الى صرف النظر عن بناء مصنع تسييل الغاز على شاطئ فلسطين المحتلة والتوجه بدل ذلك نحو بناء مصنع في قبرص تستعمله "إسرائيل" لتصدير الغاز من حقلي “تامار” و”ليفيثان” الى تركيا وأوروبا.
المصدر : الميادين نت
31101