ولد هاكان فيدان عام 1968م بمدينة أنقرة التركية، وتخرج من الاكاديمية الحربية عام 1986 ثم عين رقيباً في القوات المسلحة التركية، وبعد تلقي فيدان التعليم في مدرسة اللغات التابعة للقوات البرية تولى فيدان مهمة فني حواسيب بقسم معالجة البيانات التلقائية التابع للقوات البرية التركية، الى ان جاء تعيين هاكان فيدان في إدارة فيلق عمليات واستخبارات الرد السريع التابع لحلف شمال الأطلسي الناتو بألمانيا، وهي الخطوة التي مثلت أهم نقطة تحول في حياة هاكان فيدان والتي رسمت مسار حياته الوظيفية فيما بعد، وأثناء تأديته لمهمته خارج الاراضى التركية حصل فيدان على إجازة بالعلوم السياسية من جامعة ميريلاند بالولايات المتحدة الأميركية في العلوم السياسية والإدارة، وعقب عودته إلى تركيا حصل على درجة الماجستير من قسم العلاقات الدولية بجامعة بيلكنت التركية، وفي عام 1999 قام فيدان بتحضير بحث الماجستير بعنوان «مقارنة بين نظام الاستخبارات التركي والأميركي والبريطاني» وهو البحث الذى أشار فيه هاكان فيدان بوضوح شديد إلى حاجة تركيا الضرورية لشبكة استخبارات خارجية قوية جداً تنتشر في كافة ارجاء المسكونة ولا تقتصر على الدول التى يجمعها مع تركيا مصالح او دول الجوار فقط، وبعام 2001 قدم هاكان فيدان استقالته من الجيش ليبدأ رحلة التدرج في المناصب الحكومية.
بزغ نجم هاكان فيدان في العام الذي كان نقطة تحولات جذرية بالاقليم، العام الذي تم فيه أسقاط بغداد، والتي مهدت فيه المنطقة بعد ذلك لعواصف "الربيع العبري"، العام الذي حمل منذ بدايته حزب العدالة والتنمية التركي التابع للتنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين على رأس السلطة في تركيا، الا وهو عام 2003 بعد ان تولى فيدان منصب مدير وكالة التنمية والتنسيق التركية والتي كان محور عملها يدور خارج الحدود التركية عن طريق دعم وانشاء البنية التحتية والمصانع والمدارس والمستشفيات وترميم المتاحف وغيرها بالدول الاسلامية والافريقية ودول البلقان والقوقاز وهي الدول التي عرف طبيعتها جيدا هاكان فيدان وهي الدول التي نفذت عليها حكومة حزب العدالة والتنمية سياسة التبشير بالعثمانية فيما بعد، واستمر فيدان مدير الوكالة حتى عام 2007 بجانب عمله كمستشار لـ أحمد داوود اوغلو وزير الخارجية وقتها.
وفي عام 2006 تابع هاكان فيدان مشروع الدكتوراه بجامعةbilim kenti (معناها مدينة العلم والتعلم)، اسسها البروفسور احسان دوغراماجي عام 1984، وهي اول جامعة خاصة لا تهدف للربح تقع على مساحة 1200 فدان وتشمل كل العلوم بشتى مجالاتها، تخرج منها وزير الخارجية الحالي مولود تشاويش اوغلو واسماء تركية بارزة في مختلف المجالات لا حصر لها، حيث قام فيدان بتحضير بحث بعنوان «الدبلوماسية في عصر المعلومات - استخدام تكنولوجيا المعلومات في التحقق» وهنا مزج فيدان بين دراسته فى علوم الحاسب وتكنولوجيا المعلومات وما اكتسبه من مهام العمل الاستخباراتي وذكائه الخاص.
وبعام 2007 عُين فيدان نائباً لمستشار رئيس الوزراء وقتها رجب طيب اردوغان لشؤون الأمن الدولي والسياسة الخارجية، وفي تشرين الثاني من نفس العام أصبح عضواً في المجلس الإداري للوكالة الدولية للطاقة الذرّية، وكان فيدان هو ممثل تركيا الرسمي في مؤتمر قمة الامن النووى الذي اقيم 12 و13 نيسان 2010 بواشنطن.
كما كان طريق الحرير ممهدا لعودة الدور التركي في الشرق الاوسط بعد أن انسدت أبواب الاتحاد الاوربي امام احلام انضمام رجلها المريض، حتى شكلت حادثة سفينة مرمرة مسارا هام لظهور النفوذ التركي في الملف الفلسطيني، ولدى عقول الكثير من العرب التي كانت فتحت قلوبهم لاسطنبول بعد الغزو الدرامي للمسلسلات التلفزيونية التركية، وكان لفيدان دور هام في حادثة سفينة مرمرة التي كانت أكثر المسلسلات التركية تأثيرا في المشاهدين السياسيين والتلفزيونيين أيضا.
وعند ذكر دور هاكان فيدان في العلاقات التركية الايرانية بتأكيد نتذكر التقارير الصحفية الهامة التي نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال عن رئيس الاستخبارات التركي، والتي اشارت فيها بوضوح الى رغبة هاكان وعمله على التقرب من طهران، كما اتهمته صحيفة واشنطن بوست الاميركية صراحة بتسليم طهران عشرة جواسيس إيرانيين يعملون لمصلحة الموساد الإسرائيلي، وتهمة أخرى مشابهة وجهتها وكالة المخابرات المركزية الاميركية CIA عام 2010، بعد أن اشتبهت في أن جهاز الاستخبارات التركي يعكف على نقل معلومات سرية جمعتها كلا من الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية إلى حكومة طهران تتضمن تقارير سرية حول تقديرات الولايات المتحدة نحو إيران ودورها ونفوذها بالاقليم، وما يخص دوائر السياسة الداخلية في ايران.
جدير بالذكر أن اسرئيل تحفظت على قرار تعيين فيدان كرئيس لجهاز الاستخبارات على اعتبار أنه كان قد شارك في المفاوضات السرية للملف النووي الايراني، ومفاوضات السلام غير المباشرة والسرية بين سوريا و"اسرائيل"، واتهمه مسؤولون إسرائيليون وقتها بمحاباة طهران.
وقبل ظهور هاكان فيدان على الساحة كرئيس لجهاز المخابرات التركية كان الشارع التركي يتداول اسمه كثيرا خلال فترة الاضطرابات التي شهدها جهاز المخابرات التركيةMIT والتى تم على إثرها أعلان إعفاء مدير مخابرات إسطنبول من منصبه، وهو واحد من أهم المناصب داخل الجهاز، فهو المسؤول الاول عن الأمن ومتابعة عناصر المخابرات الأجنبية في هذه المدينة، خاصة وان مدينة اسطنبول يزيد تعداد سكانها عن 15 مليون نسمة وتستقبل ملايين السياح الأجانب يوميا على مدار السنة، وتعتبر من أهم المسارح التي ينشط فيها عناصر أجهزة الاستخبارات العالمية، كما تعد كنقطة لتلاقي أجهزة الاستخبارات العالمية ومسرحا هاما لممارسة انشطتهم السرية.
وببداية عام 2010 حدثت أزمة قوية داخل اروقة الجهاز بعد أن اتضحت ملامح خيانة داخل الجهاز نفسه لصالح حزب العمال الكردستاني وهو الامر الذى تقدم فيه هاكان فيدان باستدعاء قاضي التحقيق في قضية التنظيم السري لحزب العمال الكردستاني المحظورBKK والتحقيق مع القاضى كمشتبه به في القضية مع أربعة من القيادات البارزة بجهاز المخابرات بعد الاشتباه في تقديمهم الدعم للحزب الكردستاني المحظور أو غض بصره عن معلومات هامة مسبقة تفيد بتنفيذ عمليات مسلحة وهجمات نفذها الحزب ضد رجال الأمن في تركيا، وهنا كان فيدان امام تحدى وحرب داخلية، ولكن اردوغان لم يتخلَّ عنه ومنحه كل الحصانات والضمانات بل لم يتردد أردوغان أو يتأخر لحظة في اصدار قانون يمنح الحصانة لرجال المخابرات من الإدلاء بأقوالهم أمام المحاكم الجنائية، وقد تعرض ذلك القانون الى انتقادات واعتراضات شديدة من كافة القوى والاحزاب المعارضة والرأي العام ولكن اردوغان لم يلتفت لكل هولاء، وهي الواقعة التي اظهرات حجم نفوذ هاكان فيدان قبل ان يعتلي المنصب الاول فى جهاز الاستخبارات، وبيوم 17 نيسان 2009 عين فيدان كنائب الرئيس الاستخبارات ايمري تانير.
الى أن جاء تعيين هاكان فيدان المستشار السابق للسياسة الخارجية كرئيس لجهاز الاستخبارات فى 27 أيار 2010 ليغير معادلات كثيرة لدى جهاز المخابرات التركية، فالرئيس الجديد رغم أنه كان صف ضابط سابق إلا أنه عين بصفته مسؤولاً مدنياً وليس مسؤولا من الجيش في خطوة زادت من الفجوة بين قيادات الجيش ذو الميول الأتاتوركية الذين كانو يحكمون قبضتهم على أهم معاقل الدولة التركية ورجال الخليفة العثمانى اردوغان الاول.
ومع تولى فيدان لرئاسة الاستخبارات التركية وضع يده على أكثر البؤر التى كانت تقلق نظام «العثمانيون الجدد» والتى كان يخرج منها على مدار تاريخ الدولة التركية كل حمم الانقلاب الا وهي الاستخبارات العسكرية، وببداية عام 2012 كان فيدان قد وضع العديد من الجنرالات والقيادات البارزة بالاستخبارات والجيش فى السجون بتهمة التخطيط للإطاحة بحكومة رجب طيب إردوغان، وعلى غرار وهيكل وكالة المخابرات المركزية الاميركية أعاد فيدان هيكلة جهاز الاستخبارات التركي وأستحدث ستة أقسام جديدة بالجهاز، وهي:
1- قسم مكافة التجسس، 2- قسم التحليل الاستراتيجي، 3- قسم الاستخبارات الدفاعية، 4- قسم استخبارات العمليات الخارجية، 5- قسم استخبارات الاشارة، 6- قسم استخبارات التقنية والالكترونية.
وذلك بعد ان سحب العديد من ملفات الجيش وضمها لجهاز المخابرات، وبعد أن وضع كل اجهزة المخابرات فى الجيش والخارجية والامن الداخلى تحت مظلة الاستخبارات التركية MIT، وهوالأمرالذي أزعج الأوساط في الأمن والجيش.
بهذا الدور وهذه التوجهات تمكن فيدان من أن يكون الرجل القوي الذي يحسب له ألف حساب داخل اروقة الدولة التركية وخارجها، ففى حديث علني من أردوغان للصحفيين قال نصا عن هاكان فيدان «أنه حافظ اسراري وحافظ اسرار الدولة التركية».
وبعد قدوم أول عواصف الربيع العربي على المنطقة ببداية عام 2011 كان هاكان فيدان فى مقدمة رؤساء أجهزة المخابرات الذين تقدموا فى معارك شتى مع خصومهم فى الاقليم لملء الفراغ في الدول التي تتساقط فى المنطقة واحدة تلو الاخرى بفضل نشوب الثورات الملونة، بجانب نظرائه بطهران قاسم سليماني والرياض الامير بندر بن سلطان، حتى بات أسم مهندس الاستراتيجية الامنية التركية في الاقليم هو الاشهر فى دوائر السياسة الدولية.
وعن دور هاكان فيدان في سوريا فحدث ولا حرج عن تبني ورعاية الارهابيين من كل بقاع الارض وتسليحهم وارسالهم لساحة المعركة الكبرى في الاراضى السورية، حتى جعل فيدان من كارمان وشانلي اوروفا وعثمانية وعنتاب وديار بكر معسكرات لتدريب جميع المتطرفين من مختلف انحاء الارض، كما لعبت مؤسسة «فاكفي يارديم» دورا حيويا فى دعم المليشيات المسلحة بريف اللاذقية، ونفس الامر مع جهاز المساعدات الانسانية التركي IHH الذى مثل الاوكسجين لتنظيم الدولة الاسلامية بالعراق والشام المعروف بأسم داعش بعد مدها بالسلاح والمال ولذلك كانت داعش تهدم وتعبث بكل القبور والاضرحة التي تأتي فى طريقها بما فيها أضرحة بعض الصحابة، ولم تترك قبرا او ضريحاً سليما ما عدا ضريح واحد فقط الا وهو ضريح جد مؤسس الدولة العثمانية سليمان شاه، كذلك لم تترك داعش اي اسير حي فالمصريون ذبحتهم، والاكراد احرقتهم، والعراقيون نحرت رقابهم، والسوريون اكلت كبودهم، ولم تترك داعش سوى الدبلوماسيين الترك فقط.
واذا كان هذا ما تسقيه سوريا على يد فيدان فكذلك كان الوضع مع ليبيا التي تعاني الامرين من كم السموم العثمانية التي تبث على الاراضى الليبية حتى باتت الاستخبارات التركية احد ابرز الرعاة الرسميين مع لندن وواشنطن للتنظيمات الجهادية بليبيا ولضمان أستمرار حالة الفوضى بها، وباتت أسطنبول هي الداعم الاول لعصابات فجر ليبيا بطرابلس.
كما كان لفيدان تأثير واضح على تحركات عناصر جماعة اخوان الشيطان بمصر بعد ثورة الثلاثين من حزيران حتى طل علينا فيدان برأسه فى مؤتمر «العالم في ظل الانقلاب على إرادة الشعوب» الذى أقيم في اسطنبول تحت اشراف المنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين بالمشاركة مع منتدى المفكرين المسلمين (كلاهما محسوب على جماعة الاخوان) بحضور مدير المخابرات القطرية الاسبق غانم الكبيسي وقيادات حزب العدالة والتنمية ومندوبين من 200منظمة من مختلف الدول العربية والاسلامية تابعة للتنظيم الدولي لجماعة الاخوان، وهو المؤتمر الذي تولى الامير تميم دعمه المادي بالكامل، وهو المؤتمر الذي وضع مصر في اولى قوائم التصفية لدى التنظيم الدولي لجماعة الاخوان وحلفائها.
وعلى غرار نظرات القيادي الاخوانى خيرت الشاطر لمحمد مرسى بعد تولي الاخير رئاسة مصر كان هكذا ينظر هاكان فيدان لرجب طيب اردوغان، الذي كثيرا كان يرى انه الاكثر ذكاء وجراءة وهذه حقيقة، حتى جاءت اللحظة التي قرر فيها فيدان ترك الكرسي الاول بالاستخبارات والتوجه نحو البرلمان لكي يحل مستقبلا بديلا لجميل جيجك رئيس البرلمان التركي بعد ان تلقى فيدان الضوء الاخضر من واشنطن التي امتدحته قائلة: «انها ترى فيه رجل الشرق الاوسط الجديد»، وبدأ مشوار جديد ولكن اردوغان واغلب رجال البيت العثماني حالو دون ذلك، حتى اقتنع فيدان بالعودة مرة اخرى لمنصبه كمدير للمخابرات التركية.
نعم أن الفضل الاول والاخير لبقاء حكومة «العثمانيون الجدد» حكومة حزب العدالة والتنمية حتى الان في سدة الحكم يعود له، والتحول الجذري لعمل الاستخبارات التركية الخارجي ومد أحلام الخليفة العثماني أردوغان الاول الى كل ربوع أقليم الشرق الاوسط بل والبلقان والقوقاز يعود له.
نعم يعود الفضل الاول له في خراب سوريا، وتدمير ليبيا، وزعزعة استقرار مصر وتونس الى صف ظابط برتبة باش شاويش (رقيب أول) في دولة ونظام لا تعول على تلك الفئة أي اعمال هامة، فالرجل الاقوى في الشرق الاوسط كما تلقبه هيلاري كلينتون هو المستشار الثاني الذي يعتلي منصب مدير الاستخبارات التركية من خارج المؤسسة الاستخباراتية، حيث كان تبتان جوسال هو المستشار الأول الذي عُيّن من خارج المؤسسة عام 1992م، نعم انه رجل تركيا الاقوى.
وأن كنا تحدثنا بأستفاضة عن ذئب الاناضول، فالتاريخ سيكتب صفحات لا حدود لها عن دور هاكان فيدان في احباط محاولة انقلاب منتصف تموز2016م، وكيف أنقض الذئب على فرائسه بأضنة وأنقرة وأسطنبول، كما سيتحدث عن دوره في عملية غصن الزيتون، وهنا سأتوقف معكم عند ما قاله وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي خلال اللقاء الذي عقده مع مجموعة من نوّاب البرلمان عن حزب العدالة والتنمية منذ أيام قليلة، عندما قال: «نشكر جهاز الاستخبارات، فالمناطق التي يتمركز بها عناصر بي كا كا/ي ب ك ومخازن ذخيرتها والمخابئ يجري تحديدها بواسطة الاستخبارات البشرية والإلكترونية، ثمّ يشار إليها بالليزر لتستهدفها العناصر الجوية والبرية».
* فادي وهيب/ الديار