الشيخ خليل رزق
تتفاقم حدّة الصراع مع اليهود والصهاينة يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام ومعها يكتشف الناس ولاسيما المسلمون الحقائق الهامة التي أخبر عنها القران الكريم قبل مئات السنين عن اليهود من نقضهم للعهود والمواثيق وكفرهم وطغيانهم وقتلهم للأنبياء، وطبيعتهم العدوانية وعقيدتهم العنصرية التي تعتبر أنهم شعب اللَّه المختار، وأن غيرهم من الناس مسخّر لإرادتهم وخدمتهم. وكذلك الأفكار المنحرفة التي تسيطر على عقولهم لتتحوّل إلى قناعة راسخة ترسم لهم طبيعة علاقتهم بالناس من قبيل إيمانهم باللَّه وتصويره على وفق مصالحهم من أنه يحارب الإنسانية ويأمر بالدمار والخراب وحرق القرى والمدن بمن فيها، حتى الأطفال كما ورد في خطاب هذا الإله مع بني إسرائيل حسب ما ورد في التوراة:
«إحرقوا المدينة مع كل ما بها ...» «قد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق الشعوب على وجه الأرض ...».
ولن يتوقف اليهود عند حد معين في عدوانيتهم وغطرستهم طالما أنهم يملكون القدرة على ذلك، وسيستمرون في غيِّهم وضلالهم هذا حتى يأتي اليوم الذي تتهاوى فيه عروشهم وتتوقف مؤامراتهم على الشعوب وذلك عندما يتحقق الوعد الإلهي بضرورة القضاء على هذا الشعب لكثرة ما يعيثه من فساد وخراب في هذه الأرض، وقد بيّن القران الكريم بوضوح نهاية تاريخ اليهود وكيفية إجتثاثهم من الأرض في قوله تعالى في سورة الإسراء: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتُفسِدُنَ في الأرض مرتين ولتعلُنَ علواً كبيراً ء فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولًا ء ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً. إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسُوؤُوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرةٍ . وليُتبِّروا ما عَلَوْا تتبيراً عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيراًْ.
فالعقوبة الثانية على فساد اليهود ستكون بحسب الوعد الإلهي على أيدي المسلمين عندما يعودون إلى إسلامهم وقرآنهم مجدداً، وبهذا التفسير وردت الأحاديث الشريفة عن الأئمة المعصومين (ع).
فقد أوضحت الروايات الواردة عنهم بأن هؤلاء القوم الذين سيبعثهم اللَّه تعالى على اليهود في المرة الثانية بأنهم الإمام المهدي (ع) وأصحابه، وبأنهم قوم يبعثهم اللَّه تعالى قبل ظهور القائم (ع).
ففي تفسير العياشي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال بعد أن قرأ قوله تعالى:" {بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديد} هو القائم وأصحابه، أُولُو بأسٍ شديد".
وفي روضة الكافي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال في تفسيرها: "قومٌ يبعثُهُمُ اللَّه قبل خروج القائم، فلا يَدَعُون وِتراً لآلِ محمدٍ صلى اللَّه عليه واله إلّا قتلوه".
إن هذه الحقيقة المهمة التي كشف عنها الأئمة المعصومون من آل النبي (ص) لا يمكن اعتبارها قضية عابرة فنمرّ عليها مرور الكرام، لأنها تتعلق بمصير أمة بأكملها وتتحدّث عن قصة صراع مرير مع اليهود بدأت فصوله ولم تنته، وأحداثه تواكب أجيالًا تعمّق في داخلها العداء للصهيونية نتيجة الممارسات العدوانية والوحشية التي قاموا بها تجاه شعوب العالم ولاسيما في منطقة بلاد الشام بالتحديد وما عاثوه فيها من خراب ودمار وقتل وتشريد ...لهذا فإننا وفي غمرة هذا الصراع وما تشهده منطقتنا من أحداث لها علاقة وطيدة بالحديث عن النتائج التي سيؤول إليها مصير اليهود أو الإشارة إلى الهزيمة التي ستلحق بهم على يد الإمام المهدي (ع) وجيشه ودخوله إلى بيت المقدس وتحريره، نرى لزاماً علينا أن نشير إلى أهم ما ورد في النصوص الشريفة من أخبار عن هذه الأمور الغيبية.
فقد أشارت النصوص والأحاديث الشريفة إلى وجود مجموعة من الأحداث التي تسبق عملية الظهور الشريف للإمام المهدي (ع) وجعلت منها علامات حتمية ومنها الصيحة والخسف في البيداء وقتل النفس الزكية ومنها أيضاً بل من أهمها حتمية خروج السفياني الذي يسيطر على منطقة بلاد الشام، وتضيف الروايات فتذكر المعارك التي تدور بين جيش السفياني وجيش الإسلام بقيادة الامام المهدي (ع) وأن السفياني تكون حركته في المنطقة وفق مراحل ثلاث:
الأولى: مرحلة تثبيت سلطته في الستة أشهر الأولى.
الثانية: مرحلة غزوه ومعاركه في العراق والحجاز.
الثالثة: مرحلة تراجعه عن التوسع في العراق والحجاز، ودفاعه أمام زحف جيش المهدي (ع) عمّا يبقى في يده من بلاد الشام وعن «إسرائيل» والقدس.
وقد أشارت النصوص الشريفة إلى هزيمة السفياني في العراق والحجاز حتى ينكفىء إلى الشام وفلسطين حتى تكون له مع الإمام المهدي (ع) أكبر معاركه على الإطلاق وهي «معركة فتح القدس الكبرى».
وقد ذكر صاحب كتاب عصر الظهور نقلًا عن كتاب الفتن لابن حماد حوالي العشرين حديثاً تحت عنوان «خروج المهدي من مكة إلى بيت المقدس».
وعن المعارك التي يخوضها الإمام المهدي (ع) مع السفياني وأعدائه في طريقه إلى بيت المقدس يقول أمير المؤمنين الإمام علي (ع): «يخرج في اثني عشر ألفاً إن قلُّوا وخمسة عشر ألفاً إن كَثُرُوا. يسير الرعب بين يديه. لا يلقاه عدوٌّ إلّا هزمهم بإذن اللَّه. شعارهم أمِتْ أمِتْ. لا يُبالون في اللَّه لومة لائم ... فيخرج إليهم سبع رايات من الشام فيهزمهم ويملك. فترجع إلى المسلمين محبَّتُهُمْ ونعمتُهُمْ وقاصتُهُمْ وبزارتُهُم، فلا يكون بعدهم إلّا الدجّال. قلنا: وما القاصَةَ والبزَارة؟ قال: يقبضُ الأمر حتى يتكلم الرجل بأشياء لا يخشى شيئاً ... ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس، وتُنْقَلُ إليه الخزائن، وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته».
ومن مجموع ما ورد من روايات في هذا الشأن نكتشف أن السفياني هو الطرف الأبرز في المعركة مع الإمام المهدي (ع) في عملية تحريره للمسجد الأقصى وهذا يدل على أن السفياني والرايات السبع التي تحدثّت عنها الرواية المتقدمة هم الواجهة الأساسية لليهود في المعركة ضد الإمام المهدي (ع).
ومن الإخبارات الغيبية حول قتال الإمام المهدي (ع) لليهود ما تحدثّت به الروايات وذكرته في فئةٍ من الناس يسمّون ب «أبدال أهل الشام». وهم طليعة الحركة الجهادية الإسلامية التي تسير في درب الهدى، ومن عباد اللَّه المقربين، أخفى اللَّه تعالى أمرهم كما أخفى أمر وليهم الأعظم، وجعلهم أوتاد الأرض في بلاد الشام، وهم موجودون في بلاد الشام منذ عصر الغيبة، وكلما مات رجل منهم أبدله اللَّه برجلٍ آخر مكانه، يسقي بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب (هكذا جاءت أوصافهم في الروايات).
وعن مقاومتهم وجهادهم وقتالهم من أجل تحرير القدس والمسجد الأقصى روي عن رسول اللَّه (ص) أنه قال في حديثه عنهم: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة».
وقال (ص): «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم لا يضرهم من جابههم ... حتى يأتي أمر اللَّه وهم كذلك».
قالوا يا رسول اللَّه وأين هم. قال: «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس».
وإلى جانب أبدال أهل الشام تحدّثت الروايات أيضاً عن عصائب أهل العراق، والنجباء من مصر، وهم جميعاً من أصحاب الإمام المهدي (ع).ومن أجل دعم المسيرة الجهادية التي يطلقها الإمام المهدي (ع)
لتحرير بيت المقدس تواكبه مجموعة من الأمور المساعدة والمناصرة لتسهيل عملية التحرير ويكون على رأس هذه المؤيدات نزول السيد المسيح عيسى بن مريم (ع) للصلاة خلفه في بيت المقدس ليكون ذلك أبلغ وأعظم تأييد إلهي لهذا الإمام الذي شاء اللَّه تعالى أن يكون التغيير على يديه.
وعن قتال المسلمين لليهود في آخر الزمان وتأييد اللَّه لهم روى العديد من أصحاب الصحاح عن النبي (ص) أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبىءَ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعَالَ فاقتله ...».
ويتوّج الإمام المهدي (ع) نصره المؤزّر على اليهود الصهاينة بإعادة بناء بيت المقدس بشكل لم يسبق له مثيل كما ورد في الحديث: «ينزل خليفة من بني هاشم يملأ الأرض قِسطاً وعدلًا، يبني بيت المقدس بناءً لم يُبْنَ مِثْلُهُ».
ومن هنا لا يمكن للباحث في ما ورد عن النبي وأهل بيته من إخبارات بأمور ستحدث في المستقبل ولاسيما منها ما يتعلق بمصير اليهود إلّا أن يُذعِن نتيجة لكثرة هذه الروايات مع الإيمان بصحتها بضرورة سقوط هذه الأسطورة التي تُمثِّل اليوم في عالمنا الإسلامي رمز العداء الأول للإسلام والإنسانية.
ويؤكِّد هذه الحقائق القرآنية والنبوية ما نعيشه اليوم من أحداث تشير بمجملها الى أن الصراع مع العدو ينبغي أن يرتكز على الإيمان بالله والتوكل عليه وطلب النصر من عنده، وأن القدرة العسكرية والأمنية لهذا العدو الذي طالما أرهب الأنظمة العربية ومن حولها بقدراته هذه لن تستطيع هذه القدرة أن تقف في وجه العقيدة الراسخة التي تعلمناها من القران الكريم على ضوء معطيات قوله تعالى: «إن تنصروا الله ينصركم ويثبِّت أقدامكم».
هذه بعض البشائر من اللَّه ورسوله والأئمة المعصومين إلى المؤمنين المجاهدين الذين يقاتلون الصهاينة ويسطّرون أروع ملاحم العزة والانتصار عليهم بأن اللَّه معهم ومؤيدهم وناصرهم وأن خاتمة هذه المعركة مع هؤلاء الأشرار وأهل القتل والفساد ستكون النصر الأكيد بقيادة الإمام المهدي (ع).
المصدر: مجلة بقية الله