إنها لمعجزة الإسلام...إنها فاطمة الزهراء(ع)

الجمعة 9 مارس 2018 - 10:06 بتوقيت مكة
إنها لمعجزة الإسلام...إنها فاطمة الزهراء(ع)

ولو توضّحت شخصية فاطمة الزهراء(عليها السلام) لأذهاننا البسيطة وأنظارنا التي لا تبصر إلاّ القريب، لآمنّا نحن أيضاً أنها (عليها السلام) سيّدة نساء العالم أجمعين.

السيد القائد الإمام الخامنئي(حفظه الله)

"فاطمة الزهراء(عليها السلام) شخصية عظيمة من المرتبة الأولى في الإسلام، بل من المرتبة الأسمى على مدى التاريخ، كما نقل عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أنه قال لها: «أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين؟»([1]) فسألته سلام اللّه عليها: «فكيف مريم؟» وقد قال القرآن أنها سيّدة النساء، فقال لها: "إنّ مريم كانت سيّدة نساء زمانها، وأنتِ سيّدة نساء الأولين والآخرين"([2]).

ولو توضّحت شخصية فاطمة الزهراء(عليها السلام) لأذهاننا البسيطة وأنظارنا التي لا تبصر إلاّ القريب، لآمنّا نحن أيضاً أنها (عليها السلام) سيّدة نساء العالم أجمعين. إنّها المرأة التي بلغت في عمرها القصير مراتب معنوية وعلمية توازي مراتب الأنبياء والأولياء. والواقع أنّ فاطمة فجر ساطع انبلجت من جنبة شمس الإمامة والولاية والنبوّة، وهي سماء عُليا ضمّت بين جوانحها كواكب الولاية الوضّاءة. وكان الأئمة (عليهم السلام) بأجمعهم يولونها تكريماً واحتراماً قلّما كانوا يولونه لشخص آخر([3]).

التعمق في معرفة أهل البيت(عليهم السلام): "فاطمة الزهراء (عليها السلام) كلمة الله الزاخرة بالمضامين وهي كالبحر اللجّي العميق. كلما غار فكر الإنسان وذوقه والمواهب الدقيقة لأصحابها (المواهب في هذا المجال أكثر) وكلما تدبّر وتأمل أكثر، كلما حصل على جواهر أكثر. طبعاً، توصيتنا الدائمة هي أن يكون التعمق في بحار النور والمعنوية هذه بمساعدة أحاديث أهل البيت.. فلنأخذ معرفتهم منهم. لنجعَلَهم هم يُعَرِّفون أنفسهم.

لنتأمل وندقق كي نفهم هذه الكلمات والمعاني بنحو عميق"([4]).

أهل البيت (عليهم السلام) لجميع المسلمين: ينبغي أن لا يتصور أحد أن أهل بيت النبي هم للشيعة فقط، كلا، إنهم لكل العالم الإسلامي. من ذا الذي يرفض فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟ ومن ذا الذي يرفض الحسنين ‘ سيدي شباب أهل الجنة؟ من ذا الذي يرفض أئمة الشيعة الأجلاء؟ البعض يعتبرونهم أئمة واجبي ومفروضي الطاعة والبعض لا يعتبرونهم كذلك، لكنهم لا يرفضونهم. هذه حقائق يجب فهمها وتكريسها. البعض طبعاً لا يفهم هذا وتستفزّه تحريضات الأعداء وهو يحسب أنه يحسن صنعاً... {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}([5]). يتوهمون أنهم يفعلون خيراً وهم في غفلة عن أنهم إنما يعملون للأعداء. هذه خصوصية زماننا([6]).

الولادة والمقام المعنوي: «ولدت بنت النبي(صلى الله عليه وآله) الكريمة في السنة الخامسة للبعثة طبقاً للقول المشهور، وعلى هذا فإن عمر فاطمة الزهراء(عليها السلام) حين الاستشهاد كان 18 عاماً. وقيل إنّ ولادة هذه السيّدة الكريمة كانت في السنة الثانية أو السنة الأولى للبعثة، فيكون الحدّ الأكثر لعمرها 22 أو 23 عاماً. ولو أخذتم جميع القيود التي يمكن أن تحيط بالمرأة ـ خاصّة في تلك الفترة حيث كانت القيود أكثر - فعند ذلك ترون العظمة التي أثبتتها هذه السيدة المكرّمة في تلك الظروف وخلال هذا العمر القصير، وبالطبع إنّني لا أتمكّن أن أتكلّم عن الجوانب المعنوية والروحية والإلهية لتلك السيدّة الكريمة، فأنا أصغر من أن أُدرك تلك الأُمور، وحتّى لو استطاع شخص إدراك ذلك فإنّه لا يستطيع وصفها وبيانها كما هو حقّها، فتلك الجوانب المعنوية هي عالم آخر»([7]).

معجزة الإسلام: «إنّ الإنسان كلّما فكّر وتدبّر أكثر في أحوال الزهراء الطاهرة(عليها السلام) يحتار أكثر، وحيرة الإنسان ليست ناجمة عن كيفية تمكّن هذا الكائن الإنساني من نيل هذه الرتبة من الكمالات المعنوية والمادّية في سني الشباب ـ وهي بالطبع حقيقة تثير الحيرة أيضاً ـ بل من القدرة العجيبة التي استطاع الإسلام بها أن يبلغ بتربيته الرفيعة إلى درجة تُمكّن امرأة شابّة كسب هذه المنزلة العالية في تلك الظروف الصعبة. فعظمة هذا الكائن وهذا الإنسان الرفيع تثير العجب والحيرة، وكذلك عظمة الرسالة التي أظهرت هذا الكائن عظيم القدر وجليل المنزلة»([8]). «إنها لمعجزة الإسلام، وإنها فاطمة الزهراء(عليها السلام) التي نالت مقاماً رفيعاً وباتت سيدة نساء العالمين رغم سنوات عمرها القصيرة، وفاقت جميع النساء عظمة وقدسية في تاريخ الإنسانية. فما هي تلك الطاقة، وما هي تلك القوة الباطنية العميقة التي استطاعت خلال مدة قصيرة أن تجعل من هذا الإنسان محيطاً لا حدود له من المعرفة والعبودية والقداسة والكمال المعنوي؟. إنّ هذه بحد ذاتها هي معجزة الإسلام»([9]).

المقام المعنوي للزهراء(عليها السلام): قد روي عن الإمام الصـادق(عليه السلام) أنّه قال: «إنّ فاطـمة كـانت مُحَـدّثة»([10])، أي أنّ الملائكة كانت تنزل عليها وتأنس معها وتحدّثها، وهناك روايات عديدة في هذا المجال([11]). وإنّ كونها محدّثة لا يختصّ بالشيعة فقط، فالشيعة والسنّة يعتقدون أنّه كان هناك أشخاص في صدر الإسلام- أو من الممكن وجودهم- كانت تحدّثهم الملائكة، ومصداق هؤلاء في رواياتنا هي فاطمة الزهراء(عليها السلام)([12]). وقد ورد في هذه الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) بأنّ الملائكة كانت تأتي فاطمة الزهراء(عليها السلام) وتتحدّث معها وتقرأ عليها آيات الله. وكما أنّ هنـاك تعبيراً في القرآن حول مريم(عليها السلام) في الآية: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾([13])، فإن الملائكة كانت تخاطب فاطمة الزهراء(عليها السلام) وتقول: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ». ثمّ يقول الإمام الصادق(عليه السلام) في هذه الرواية بأنّ الملائكة في إحدى الليالي كانت تتحدّث مع فاطمة(عليها السلام) وكانت تذكر هذه العبارات، فقالت فاطمة الزهراء(عليها السلام) لها: «أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم»؟ فقالت الملائكة لفاطمة الزهراء(عليها السلام): "إنّ مريم كانت المفضّلة على النساء في زمانها وفاطمة مفضّلة على النساء في كلّ الأزمنة من الأوّلين والآخرين". فأيّ مقام معنوي رفيع هذا؟. إنّ الإنسان العادي مثلنا لا يمكنه أن يتصوّر في ذهنه هذه العظمة والدرجة. وقد روي عن أمير المؤمنين(عليها السلام) أنّ فاطمة الزهراء(عليها السلام) قالت له بأنّ الملائكة تأتي وتتحدّث معها وتقول لها بعض المسائل، فقال لها أمير المؤمنين(عليه السلام) بأن تخبره عندما تسمع صوت الملك حتّى يكتب ما تسمع، فكتب أمير المؤمنين ما أملته الملائكة على فاطمة الزهراء(عليها السلام) وأصبح هذا كتاباً موجوداً لدى الأئمة(عليها السلام) اسمه (مصحف فاطمة)([14]) أو (صحيفة فاطمة). وقد جاء في روايات عديدة أنّ الأئمة (عليهم السلام) كانوا يراجعون (مصحف فاطمة) في مسائلهم المتنوّعة، ثمّ قال الإمام(عليه السلام): «إنّه ليس فيها حلال وحرام، فيها علم ما يكون»([15]). فأيّ علم رفيع هذا؟ وأيّة معرفة وحكمة ليس لها نظير هذه التي أعطاها اللّه تعالى لإمرأة في سنيّ الشباب؟. هذا هو المقام المعنوي للزهراء(عليها السلام). إنّ هذه المسائل المعنوية لها ارتباط كبير بالفضائل العملية، ارتباط بما ينجم عن جهد فاطمة الزهراء(عليها السلام) وهذا المقام لا يُعطى مجّاناً وبلا سبب، فعمل الإنسان له تأثير كبير في إحراز الفضائل والمناقب المعنوية"([16]).

مقام الصديقة الطاهرة (عليها السلام): وأما بالنسبة إلى مقام الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) فإن لساننا قاصر عن بيانه، وليس بالإمكان وصف شأنها، لخروجه عن حدود قوالبنا البيانية، ولكن بالإمكان تقريب المعاني إلى الأذهان بلغة الفن، وهذا هو الذي يجعلني أُصرّ على المدائح والقصائد الإسلامية، فلا يمكن بلوغ حقيقتهم في مقام التوصيف، ولكن يمكن الاقتراب من هذه الحقيقة بواسطة التحليق بأجنحة الفن. وطبعاً يمكن للذين يطهّرون أفئدتهم وينزّهون أعمالهم، ويسلكون طريق التقوى، ويبتعدون عن الأدران المحيطة بأمثالي أن يشاهدوا تلك الحقيقة، إلاّ أنّ هؤلاء أيضاً لا يمكنهم وصف ما يشاهدون من الحقائق والأنوار المقدسة لأهل البيت (عليهم السلام) ومنهم الصديقة الكبرى (عليها السلام). ولدينا شواهد على ذلك، فإن ما نقل عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) قوله: "فداها أبوها"([17])، أو قيامه لها حينما تدخل عليه([18])، من الشواهد على عظمتها. كما أنّ نظرة العالم الإسلامي- من الشيعة والسنة على السواء- إلى هذه السيدة العظيمة بالجلال والتكريم من الشواهد على ذلك أيضاً؛ إذ لا يمكن لجميع العقلاء والعلماء والمفكرين مع اختلاف عقائدهم أن يجتمعوا طوال التاريخ على مدح شخص إلاّ لعظيم وصف ذلك الشخص. وجميع هذه العظمة تتمحور في سيدة شابّة لا يتجاوز عمرها ثمانية عشر ربيعاً، وإنّ أطول عمر ذكرته التواريخ لنا كعمر لفاطمة الزهراء(عليها السلام) يتراوح بين ثمانية عشر إلى اثنين وعشرين سنة. ومن خلال تكريم أمير المؤمنين (عليه السلام) لها، وما ورد في شأنها من الروايات والأحاديث ندرك العظمة التي تموج في كلمات الأئمة الأطهار بحق الزهراء (عليها السلام)، فإن كل واحد من الأئمة يعد بحراً متلاطماً من المعرفة التي تروي عطش البشرية وتنعشها، وإنّ جميع هذه المنابع تصدر من عين فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وإنّ روايات الصادقين، وعظمة الإمام موسى بن جعفر والرضا والأئمة من بعدهم إلى الحجة المنتظر(عليهم السلام) ما هي إلاّ ينابيع لذلك الكوثر الذي لا ينضب. هذه هي عظمة الزهراء التي أردنا جعلها أسوة لنا، فهي امرأة شابّة تعيش حياة بسيطة وتلبس ثياب الفقراء وتقوم بإدارة بيتها ورعاية أولادها، ومع ذلك فهي جبل عظيم من المعرفة وبحر زاخر من العلم"([19]).

المنزلة السماوية: "قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة يربّي الرسول الأكرم بنتاً تحرز جدارة أن يقبِّل الرسول يدها!. تقبيل الرسول ليد فاطمة الزهراء يجب أن لا يحمل إطلاقاً على محمل عاطفي. إنه لمن الخطأ والتفاهة جداً أن يُتصور أنه كان يقبل يدها([20]) لأنها بنته ولأنه يحبها. شخصية بتلك المكانة السامية وبما له من العمل والحكمة وباعتماده على الوحي والإلهام الإلهيين ينحني ويقبل يد ابنته؟ لا، إن هذا شيئا آخر وله معنى آخر. هذا دليل على أن هذه الفتاة الشابة وهذه المرأة التي كان عمرها حينما فارقت الحياة ما بين الثامنة عشرة والثانية والعشرين، كانت في ذروة الملكوت الإنساني وشخصاً خارقاً للعادة. هذه هي نظرة الإسلام للمرأة ([21]).

عظمة فاطمة الزهراء: إنّ كل ما نقوله حول الزهراء(عليها السلام) قليل، وفي الحقيقة إنّنا لا نعلم ما يجب قوله في الزهراء(عليها السلام) وما يجب التفكير فيه، فالأبعاد الوجودية لهذه الحوراء الإنسية والروح الخالصة وخلاصة النبوة والولاية، واسعة ولا متناهية وغير قابلة للإدراك وهي بصورة بحيث يتحيّر الإنسان فيها. فكما تعلمون فإن المعاصرة تعتبر من الأمور التي تمنع الإنسان من معرفة الشخصيات بصورة جيدة، فغالباً لم تعرف النجوم الساطعة في عالم البشرية في حياتهم من قبل معاصريهم، إلاّ مَنْ ندر من العظام كالأنبياء والأولياء، وهؤلاء أيضاً عرفوا من قبل أفراد معدودين فقط. إلاّ أن فاطمة الزهراء(عليها السلام) كانت في عصرها بصورة بحيث لم يمتدحها أبوها وبعلها وبنوها وخواص شيعتهم فحسب، بل إنها كانت تُمتدح حتى من قِبَل أولئك الذين لم تكن لهم علاقات سليمة معها. انظروا إلى الكتب التي اُلفت حول الزهراء(عليها السلام) أو حول كيفية تعامل النبي مع هذه العظيمة، فقد رويت من قبل الذين أشرنا إليهم كزوجات النبي والآخرين، فهذه الرواية المعروفة عن عائشة أنها قالت: "والله ما رأيت في سَمْتهِ وهَدْيِهِ أشبه برسول الله(صلى الله عليه وآله) من فاطمة، وكان إذا دخلت على رسول الله قام إليها"([22]) أي أنه(صلى الله عليه وآله) كان يقوم من مكانه ويتحرك نحوها بكل شوق، هذا معنى (قام إليها)، وليس معناه أنه إذا دخلت الزهراء(عليها السلام) قام أمامها النبي(صلى الله عليه وآله)، كلا، قام وذهب إليها، وفي بعض الروايات المروية عن عائشة أيضاً جاء هكذا "وكان يقبّلها ويجلسها مجلسه"([23]). هذه هي منزلة الزهراء(عليها السلام)، فماذا يقول الإنسان حول ابنة رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ وماذا يقول حول هذا الموجود العظيم؟. إن عظمة الزهراء(عليها السلام) مشهودة في سيرتها..

الهوامش:

([1]) أمالي الشيخ الصدوق، ص: 248.

 ([2]) ورد في رواية عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: >إنّما سمّيت فاطمة محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها، كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين ـ إشارة إلى الآية 42 من آل عمران ـ فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأولين والآخرين<. (البحار 43/ 78).

([3]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 19جمادى الثانية 1418ﻫ ق، 22/10/1997م.

([4]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 19جمادى الثانية 1429ﻫ.ق، 24/06/2008م.

([5]) سورة الكهف، الآية: 103.

([6]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 18 جمادى الأولى 1430ﻫ.ق، 13/05/2009م.

([7]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 21 جمادى الثانية 1413ﻫ ق، 17/12/1992م.

  ([8]) نفس المصدر.

([9]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 19 جمادى الثانية 1428ﻫ ق، 04/07/2007م.

([10]) عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: >إنّما سمّيت فاطمة محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها، كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأولين والآخرين<. (البحار 43 / 78).

([11]) ومن هذه الروايات: 1- عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله(عليه السلام >.. أن فاطمة مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوما، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (عليها السلام). 2- عن أبي حمزة أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال: مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله وإنما هو شيء ألقي إليها بعد موت أبيها ‘. 3- عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله تعالى لما قبض نبيه (صلى الله عليه وآله)، دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل الله إليها ملكا يسلي غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)، فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين(عليه السلام) يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا. 4- عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي ^ عن مصحف فاطمة، فقال: أنزل عليها بعد موت أبيها، قلت: ففيه شيء من القرآن؟ فقال: ما فيه شيء من القرآن...

([12]) نقل لنا القرآن الكريم نماذج من النساء تحدّثن وتكلّمن مع الملائكة، وهن لسن بنبيّات ولا وصيّات، وإنما كنّ وليات من أولياء الله منهن: 1- مريم (عليها السلام) قال تعالى: {وَإذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ} (آل عمران:42). 2- سارة (عليها السلام) قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى... وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإسْحَقَ وَمِن وَرَاء إسْحَقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ} (هود:69 ـ 72). 3- أم موسى (عليها السلام) قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} (القصص:7). وإن الإيحاء لم يقتصر على الأنبياء والمرسلين وعلى من ذكرناهم من النساء! فقد أوحى الله تعالى إلى كل من: 1- النحل، قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا..} (النحل:68). 2- الحواريون ـ أصحاب عيسى ـ قال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي..} (المائدة:111). 3- السماوات، قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا..} (فصلت:12). 4- الأرض، قال تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} (الزلزلة:5) . ويظهر من خلال هذه الآيات القرآنية وآيات أخرى، أن الوحي ليس مختص بالأنبياء والرسل فقط! بل هو يتعدى إلى أولياء الله تعالى. نعم، الوحي هنا في هذه الآيات المفهوم منه غير الوحي في إبلاغ الرسالات إلى الأنبياء، بل هو شأن آخر من الوحي. فالوحي لغة: الإعلام الخفي السريع، واصطلاحاً: الطريقة الخاصة التي يتصل بها الله تعالى برسله وأنبيائه لإعلامهم ألوان الهداية والعلم. وإنما جاء تعبير الوحي عن هذه الطريقة باعتبارها خفية عن الآخرين، ولذا عبّر الله تعالى عن اتصاله برسوله الكريم بالوحي، قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ..} (النساء:163)، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}. (الشورى:51). وهذه الآية الأخيرة حدّدت معنى الوحي الذي يختص بالأنبياء والمرسلين، أما الآيات الأخرى المتقدمة الذكر فلها معاني آخر للوحي، والذي نقول به أن فاطمة الزهراء(عليها السلام) إنما كانت محدّثة من قبل الملائكة بنحو من أنحاء الوحي الذي بينته الآيات الآنفة الذكر، فلا محالة أن تكون قد حدثت من قبل الملائكة كما دلّ القرآن على إمكان وقوع ذلك. فإن من أوحى لأحجار وحشرات، لقادر على أن يوحي لأفضل بريّته بعد رسوله (صلى الله عليه وآله). فاتضح أن تحديث الملائكة للزهراء (عليها السلام) لم يكن من الوحي النبوي ولا من الوحي القرآني. وممّا يدل على عدم الملازمة بين تحديث الملائكة والنبوة، ما رواه صاحب (بصائر الدرجات 323 ، ط مكتبة المرعشي) عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): ألست حدثتني أن عليا كان محدثا؟ قال: بلى، قلت: من يحدثه؟ قال: ملك، قلت: فأقول: إنه نبي أو رسول؟ قال: لا، بل مثله مثل صاحب سليمان، ومثل صاحب موسى، ومثل ذي القرنين. (أما بلغك أن عليا سئل عن ذي القرنين، فقالوا: كان نبيا؟ قال: لا، بل كان عبدا أحب الله فأحبه، وناصح الله فناصحه) (الغدير 5 / 48 ، عن بصائر الدرجات).

 ([13]) سورة آل عمران/الآية:42.

([14]) عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي‘ عن مصحف فاطمة، فقال: أنزل عليها بعد موت أبيها، قلت: ففيه شيء من القرآن؟ فقال: >ما فيه شيء من القرآن..<. وورد في رواية أخرى: >مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد<. (بصائر الدرجات: 3/151، والكافي: 1/238).

([15]) عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله (الإمام الصادق) (عليه السلام) يقول: (تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك إني نظرت في مصحف فاطمة (عليها السلام) قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيه (صلى الله عليه وآله) دخل على فاطمة(عليها السلام) من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عز وجل فأرسل الله إليها ملكا يسلي غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك فجعل أمير المؤمنين(عليه السلام) يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً، قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون) (أصول الكافي ج: 1/240).

([16]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 21 جمادى الثانية 1413ﻫ ق، 17/12/1992م.

([17]) راجع الأمالي للشيخ الصدوق: ص: 234، ح: 7 المجلس الحادي والأربعون، والمناقب، ج: 2، ص: 343، وروضة الواعظين: ص: 443.

([18]) ينقل الإمام الخامنئي هذه الرواية: عن صحيح الترمذي، روى بسنده عن عائشة أم المؤمنين قالت: «ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله(صلى الله عليه وآله) في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله). وكانت إذا دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه. وكان النبي(صلى الله عليه وآله) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته وأجلسته مجلسها». المصدر: فضائل الخمسة عن الصحاح الستة. ويقول سماحته: >تقول عائشة: لم أرَ أحداً يشبه رسول الله(صلى الله عليه وآله) في وجهه وقيافته وأفعاله وحركاته وسيرته وسلوكه أكثر من فاطمة(عليها السلام). ولقد كانت علاقتهما وارتباطهما واحترامهما المتبادل بحيث أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا دخلت عليه قام وسار نحوها وقبّلها وأجلسها في مكانه الذي كان يجلس فيه، وهي أيضاً تفعل ذلك مع أبيها حينما يدخل عليها. وهذه الرواية الواردة في مناقب وصفات فاطمة(عليها السلام) قد ذكرها مضافاً إلى الترمذي كلٌّ من أبي داوود في صحيحه والحاكم في المستدرك على الصحيحين والبخاري في كتاب الأدب المفرد. نسأل الله تعالى بحقّ عظمة فاطمة(عليها السلام) أن يجعلنا من محبّيها ومواليها وأنصارها وأن لا يحرمنا شفاعتها يوم القيامة. المصدر: كلمات مضيئة ـ الإمام السيد علي الخامنئي.

 ([19]) كلمة الإمام الخامنئي، بتاريخ: 20 جمادى الثانية 1425ﻫ ق، 07/08/2004م.

  ([20]) عن عائشة قالت: «ما رأيت من الناس أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (صلى الله عليه وآله) من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقبّل يديها وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحّبت به فقبّلت يديه». المصدر: أعيان النساء: 304، وكذلك بحار الأنوار، ج:43، ص: 25 و51.

 ([21]) المصدر: مكانة المرأة في الثقافتين الإسلامية والغربية 08/02/2010م - مؤسسة حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي.

 ([22]) عن عائشة: >ما رأيت أحداً أشبه سمتا ودلا وهديا وحديثا برسول الله في قيامه وقعوده من فاطمة، وكانت إذا دخلت على رسول الله قام إليها فقبلها ورحب بها، وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه<. أخرجه الحافظ ابن حبان كما في ذخائر العقبى 40 م والحافظ الترمذي وحسنه، والحافظ العراقي في التقريب كما في شرحه له ولابنه 1 ص: 150، وابن عبد ربه في العقد الفريد 2 ص: 3، وابن طلحة في مطالب السئول ص: 7)، إسعاف الراغبين 171.

 ([23]) مر ذكر نص الرواية في إحدى الهوامش.

المصدر: دار الولاية للثقافة و الإعلام

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 9 مارس 2018 - 10:01 بتوقيت مكة