في الغوطة الشرقية تحتدم المعارك اليوم دون أن يكون للهدنة التي أقرّها مجلس الأمن الأسبوع الماضي أي تأثير عملي على الأرض، وبما أن أنصار الحلف الأمريكي – الأوروبي يعانون من ضربات الجيش السوري الذي دكّ معاقل الجماعات المسلّحة، والغرب يعلم جيداً أن قدرة من تدعمهم في الغوطة على الصمود لن تستمر طويلاً لذلك لا بدّ من التحريض السياسي في مجلس الأمن وتلفيق تهم للجيش السوري باستخدام “الأسلحة الكيميائية” والتصعيد في هذا الاتجاه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تدهور أوضاع المسلحين الذين يعانون الأمرّين أمام ضربات الجيش السوري.
الضغط الأوروبي والحملة الإعلامية لموضوع “الأسلحة الكيميائية” ليس بالأمر الجديد وقد سبق أن شاهدنا مثيلاً لهذه الحملة عندما ضيّق الجيش السوري الخناق على مسلحي إدلب، وتوعّدت حينها فرنسا على لسان رئيسها الشاب بأنها ستشنّ حملة عسكرية على سوريا وتضرب معاقل “النظام السوري” في حال أُثبت استخدام الجيش لهذه الأسلحة، وما يزعج أمريكا والغرب حتى اللحظة أنهم عاجزون عن إيجاد أي طرف خيط للأسلحة الكيميائية بحوزة الحكومة السورية لأن هذا الأمر غير موجود أساساً.
الاتهامات الجديدة باستخدام السلاح الكيميائي لا تطول الحكومة السورية فحسب بل وجّهت أيضاً ضد روسيا على اعتبار أنها الداعم الرئيس للحكومة السورية، وحول استخدام السلاح الكيميائي من جانب الحكومة قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في كلمة ألقاها في مؤتمر نزع السلاح في جنيف، إن الولايات المتحدة وحلفاءها يستخدمون بسخرية التصريحات الفارغة حول استخدام دمشق للمواد السامة كآلية للهندسة الجيوسياسية المعادية لسوريا، مؤكداً أن روسيا قامت بتدمير احتياطات المواد السامة لدى سوريا بشكل كامل، ووضعت ترسانتها تحت الرقابة الدولية.
منذ بداية الحملة العسكرية السورية على الغوطة الشرقية، حدّدت الحكومة السورية ممرات آمنة لخروج المدنيين وألقت منشورات ورقية بهذا الخصوص على سكان الغوطة الشرقية، لكن لم يخرج أحد من المدنيين ومن المرجّح أن يكون المسلحون هم من منع المواطنين من الخروج للاحتماء بهم من جهة واستخدامهم كورقة ضغط ضدّ الحكومة السورية من جهة أخرى، وبعد عدة أيام من الهجوم أعلنت موسكو عن هدنة إنسانية مؤقتة ومع ذلك لم تنجح هي الأخرى لأن المدنيين لم يغادروا عبر الممرات “الآمنة” خلال ساعات التهدئة، على مدى أربعة أيام متتالية، واعتبرت موسكو أن الجماعات المسلّحة هي من منعت المدنيين من مغادرة مناطق سيطرتها نحو مناطق سيطرة القوات الحكومية.
الغرب والكيميائي
لا يمكن فصل نجاح الجيش السوري وحلفائه ببسط السيطرة على مناطق واسعة من الأراضي السورية على امتداد جغرافيتها المعقّدة عن التصعيد الكبير الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بمساندة فرنسية – ألمانية – بريطانية لكبح تقدّم الجيش السوري ومنعه من إعادة نفوذه على البلاد “علماً أن الوقائع على الأرض تقول بأن الجيش يقترب من ذلك بالرغم من الظروف المعقّدة التي تمرّ بها البلاد”.
حالياً يتم التنسيق على أعلى مستوى بين الدول المذكورة آنفاً لتوريط الجيش السوري بموضوع “الأسلحة الكيميائية” علماً أنهم لم يستطيعوا أن يثبتوا حتى اللحظة حقيقة ذلك، وفي هذا الإطار أكّدت وزارة الدفاع الروسية، على لسان المتحدث الرسمي إيجور كوناشينكوف، أن ممثلي الأمم المتحدة الذين لهم إمكانية الوصول إلى الغوطة الشرقية لم يعثروا على دليل واحد يؤكد صحة الادعاءات، وأضاف إن تكرار لندن وواشنطن اتهاماتهما لدمشق باستخدام الأسلحة الكيميائية أصبح مهزلة مبتذلة.
ومؤخراً بحث كل من الرئيس ايمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في اتصالين هاتفيين منفصلين، ملابسات المعارك في الغوطة الشرقية وكواليس النقاش حول القرار الدولي، مع نظيرهما الأمريكي دونالد ترامب. وأكّدت المستشارة الألمانية والرئيس الأمريكي أن “النظام السوري يجب أن يحاسب على التدهور المتواصل للوضع الإنساني في الغوطة الشرقية، وهذا ينطبق على استخدام نظام (الرئيس بشار الأسد) أسلحة كيميائية كما على الهجمات على المدنيين وتجميد المساعدات الإنسانية”. ودعا الطرفان روسيا وإيران وسوريا إلى التطبيق “الفوري” لقرار مجلس الأمن. بدورها، أعلنت الرئاسة الفرنسية أن ماكرون ذكر خلال الاتصال بأنه “سيكون هناك ردّ حازم في حال أثبت استخدام الوسائل كيميائية بشكل موثّق وأدّى إلى مقتل مدنيين، وذلك بالتنسيق مع حلفائنا الأمريكيين”.
ولكي يتم تصعيد الأمور أكثر طلبت الولايات المتحدة من مجلس الأمن الدولي تشكيل لجنة جديدة للتحقيق في استخدام أسلحة كيميائية في سوريا. واجتمع ديبلوماسيون في الأمم المتحدة، يوم الخميس الماضي، للتباحث في مشروع قرار أمريكي قدمته البعثة الأمريكية، ويدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية تحت اسم “آلية التحقيق الأممية المستقلة”، تكون مدّة تفويضها عاماً واحداً. ونقلت وكالة “فرانس برس” عن ديبلوماسي في المنظمة الدولية قوله إن من المستبعد موافقة روسيا على مشروع القرار، أو سماحها بتمريره.
القلق الغربي والأمريكي على سكان الغوطة الشرقية لم يقابله نفس القلق على سكان العاصمة دمشق عندما سقطت عليهم عشرات القذائف يومياً وحصدت أرواح أعداد كبيرة منهم وجميعهم مدنيون، ومع ذلك وقبل أن تطالب بريطانيا بعقد جلسة لمجلس حقوق الإنسان حول الغوطة وافقت الحكومة السورية على تسيير قافلة مساعدات إنسانية إلى الغوطة والتحضيرات جارية لإدخال هذه القافلة
*الوقت.