وحتى تجد القوات الأميركية موطئ قدم دائمة لها في الغوطة لا تزال الفصائل التكفيرية المتواجدة هناك وعلى اختلاف مسمياتها تنهض بالمهمة عنها، الأمر الذي يفسر استماتة الأميركيين لوقف العملية العسكرية للجيش السوري في الغوطة.
المدنيون ورقة ابتزاز
بقي الممر الآمن الذي أوجده الروس بعد طرحهم الهدنة الإنسانية لخروج المدنيين من غوطة دمشق خاليا من سالكيه، ورغم الضجيج الغربي والأميركي حول المدنيين من سكان الغوطة بدا واضحا بالأمس أن هؤلاء أوعزوا للمجموعات المسلحة المرتبطة بهم بعدم السماح للمدنيين بالخروج، ووصل الأمر حدّ قيامهم باستهداف محيط هذا الممر الآمن كرسالة ردع للمدنيين بعدم المخاطرة بالخروج تحت طائلة التهديد بالقتل.. ومخاطرة دمشق أيضا برغبة الغرب في فرض أمر واقع في الغوطة الشرقية يحول دون استعادة دمشق لرئتها الطبيعية والميدانية، ويخلق حالة دائمة من التشويش على أي قرار استراتيجي يمكن أن يتخذه السوريون أو محور المقاومة عموما.
مصدر عسكري سوري أوضح لموقع “العهد” بأن دمشق فهمت الرسالة جيدا وهي “تعي المغزى من ورائها عبر قراءة ما وراء سطورها”، بعدما كانت مقدماته المنطقية قد لاحت من خلال الاعتداءات الصهيونية المتكررة على الأراضي السورية وخصوصا في دمشق ومحيطها..
وبيّن المصدر أن دمشق باتت تفهم السعي الأميركي المحموم من أجل وقف هجوم الجيش السوري على الغوطة على اعتبار أن تحرير الغوطة “سيقضي على حلم أميركا ببناء قاعدة عسكرية لها في محيط دمشق”، لافتًا إلى أن هدف الأميركي ببناء قاعدة بالغوطة “تسارع مع سيطرة الجيش السوري على دير الزور ومعظم الحدود السورية العراقية”، وهذه القاعدة الأميركية “ليست فقط لتهديد دمشق ولكنها يمكن أن تكون مواقع رصد متقدمة لتحركات المقاومة وطرق إمدادها عبر الحدود مع سوريا وداخلها وتحديدا طرق القلمون الشرقي، وهي جاءت كبديل عن فشل الولايات المتحدة في قطع التواصل بين طهران ودمشق والضاحية الجنوبية عبر الحدود العراقية”.
تفاصيل الخطة
المصدر العسكري السوري أوضح بأن الجيش السوري رصد تجمعات لميليشيا “جيش الإسلام” في النشابية والشيفونية وأوتايا بالتزامن مع اعتداء صهيوني على قواعد للجيش السوري في القلمون الشرقي ودمشق.. وأوضح المصدر أن الهدف من ذلك كان “إيجاد غطاء جوي لجيش الإسلام من أجل فتح ممر من النشابية والبلدات المذكورة إلى القلمون الشرقي”، ومقابل ذلك تقوم القوات الأميركية “بفتح ممر من التنف للقلمون الشرقي من خلال قصف عنيف ومتواصل يسمح بعبور القوات الأميركية إلى هناك عبر الممر الذي فتحه جيش الإسلام”.
وتابع المصدر أن “القاعدة الأميركية كان مخططا لها أن تقوم في فوج النقل بالشيفونية”، لكن الأميركيين والصهاينة والتكفيريين “لم يتوقعوا أن يكون رد الجيش السوري بإسقاط طائرة العدوان الصهيوني وقيام الدفاعات الجوية السورية بملاحقة الطائرات الصهيونية فوق لبنان والأردن وضرب عديد الصواريخ السورية على عمق الكيان الصهيوني باعتراف الإعلام الصهيوني نفسه، “فيما عجّل نجاح الجيش السوري في إفشال هذه الخطة من العملية العسكرية التي شنها في الغوطة والتي حاول “الصراخ الأميركي الغربي في مجلس الأمن تعطيلها”.
العملية مستمرة
مصدر حكومي سوري أوضح لموقع العهد “أن السوريين ومن خلفهم الروس نجحوا في شرعنة عمل عسكري سوري في الغوطة عبر قرار مجلس الأمن الأخير، الذي “قسط المجهود العسكري السوري” على المحاور الأكثر أهمية بالنسبة للجيش السوري فيما كانت موافقة ميليشيا “جيش الإسلام” على القرار بمثابة “اعتراف مسبق منه بالهزيمة وتكريسا لحالة الإنقسام بين فصائل الغوطة الموزعة الولاء بين السعودية وقطر وتركيا”.
الكاتب والباحث في القضايا الإسلامية حسام طالب أوضح لموقع “العهد” أن التحالفات بين الفصائل التكفيرية تعززت مع قيام “جبهة النصرة” و”فيلق الرحمن” بالهجوم على إدارة المركبات ومواقع الجيش السوري في حرستا مطلع هذا العام، وأن “الدعم الأكبر للنصرة بالسلاح الثقيل جاء من جيش الإسلام”، لكن قرار مجلس الأمن استثنى النصرة وحلفاءها من الهدنة وهذا ما دعا فصائل الغوطة لإصدار بيان يفيد بموافقتهم على خروج النصرة “ولكن مع التلاعب بالعدد، “فالجيش السوري يقدر عدد إرهابيي النصرة بألفي عنصر وهذا الرقم جاء من خلال “متابعة دقيقة من قبل الجهات الأمنية داخل الغوطة ورصد لاتصالات الجبهة التكفيرية وأيضا من خلال المعارك التي خاضها الجيش السوري على محاور النصرة”، بينما يريد فصيلا جيش الإسلام وفيلق الرحمن “اللعب على الإتفاق وإخراج 300 عنصر فقط من النصرة، وهو ما يفسر عدم خروج الإتفاق للنور”.
وأشار طالب إلى أنه قبل الحشد والتعزيزات العسكرية للجيش السوري في محيط الغوطة كان كل فصيل يتهم الآخر بالتخلي عن “الثورة”، وهناك تصريحات للناطق باسم فيلق الرحمن يهاجم بها “جيش الإسلام” بسبب قيام الأخير بتوقيع اتفاق خفض التصعيد ويتهمه “بقبض ثمن دماء مقاتليه من الروس”، فيما رد المتحدث باسم جيش الإسلام حمزة بيرقدار على هذه التصريحات باتهامه النصرة وفيلق الرحمن بـ “البغي على جيش الإسلام”، فيما يأتي “اختلاف الرؤى بين هذه الفصائل بخصوص التهدئة الأخيرة والخوف على المصير”، ليستقرئ جولات جديدة تلوح في أفق الصراع بين هذه الفصائل بعد تحالف مرحلي هش أملاه تقدم الجيش السوري على مختلف المحاور.
بقلم:محمد عيد
المصدر: العهد