عندما نسمع عبارة الطب الاسلامي، اول ما يتبادر للأذهانِ هو ذلك الطب الذي ساد في عصرِ الحضارةِ الاسلامية، ولكن قد تبقى الصورة غير واضحة تماماً، وتظل اسئلة تخامر الذهن عمّا اذا كان الطب الاسلامي هو ذلك الطب التقليدي الذي كان سائداً خلال حقباتِ الحضارةِ الاسلاميةِ الاولى، ومن ثم تأثَّرَ بعلوم ومتغيِّرات ليصبحَ على ما هو عليه الان. بالإضافة إلى المسلمين، استفاد الغرب أيضا من الإنجازات الطبية للمسلمين، ومن الكتب الطبية الإسلامية، ومنذ ما يقرب من مائة سنة مضت، شكلت هذه الكتب البنية الأساسية للعلوم الطبية في البلدان الغربية.
وتتعدد مصادر ومنابع الطب الإسلامي، فالمصدر الأول يعد من أرقى المنابع والمصدر لدى المسلمين وهو القران الكريم وأحاديث رسول الله (ص) وما يعرف بالطب النبوي إضافة الى أحاديث اهل بيته الاطهار وما حمله جبرائيل عن رب العالمين، حيث قال النبي (ص) "إن الله لم يخلق داءً إلا خلق له دواءً"، ومن هذا الحديث انطلق الاطباء بثقة كبيرة بالنفس وهم واثقون بأنهم سيجدون علاجاً لكل مرض من الأمراض التي واجهوها، وحققوا خطوات واسعة في مجال علوم التشريح والحساسية والبكتيريا وعلم الأعشاب وطب الأسنان وعلم الأجنة والتوليد وطب العيون والأمراض الباطنية وطب الأطفال وطب النفس والجراحة وأمراض جهاز البول و في صناعة الأدوية ايضاً. اما المصدر الثاني للطب الاسلامي هو تعلم الأطباء المسلمين لبعض الفنون من الأطباء اليونانيين والسوريين والهنديين والإيرانيين.
واحدة من النقاط المثيرة للاهتمام في الطب الإسلامي هي أن الطبيب من الممكن في كثير من الأحيان ان يكون ماهراً في العلوم الأخرى، مثل الفلسفة، حيث ان معظم الاطباء المسلمين، كانوا معروفين انهم يتقاضون اجرا مقابل تدريس الفلسفة وتبعاتها، الا انهم كانوا يقضون حياتهم على دراسة وتعليم الطب الاسلامي. ومن هذا المنطلق بنوا المستشفيات من اجل تعليم وتدريب الأطباء كمستشفى هارون الرشيد الذي أنشأه في بغداد، بالإضافة الى مستشفى أوديسا الذي بني بناءاً على أوامر الدولة الديلمية في القرن الرابع، يضاف اليها مشفى الطبيب الإيراني الشهير الرازي في مدينة الراي العراقية.
بالإضافة إلى الأطباء، كان هناك اناس اخرين فاعلين في "فن" معالجة امراض الناس، من بينهم الصيادلة والعطارين الذين صنعوا ادوية مهمة لأمراض خطيرة. تضاف اليهم الحمامات الطبية، التي كان لها دور مهم على الساحة الطبية. فبالإضافة إلى تنظيف الجسم غسله من الاوساخ، كانت هناك أنواع مختلفة من المراهم والأعشاب الطبية والزيوت التي كانت توضع في أحواض المياه، وما إلى ذلك، وكلها كانت تتعلق بصحة الناس.
وكان الطب الإسلامي خارجي أكثر ما هو داخلي، حيث كانت تأتي العمليات الجراحية في المرتبة الثانية، إلا أنهم اجروا أنواعا مختلفة من العمليات الجراحية، مثل العملية القيصرية، وجراحة العيون، والقرحة، وانهاء العدوى، وتجبير العظام المكسورة.
كما تناول الأطباء المسلمون، بالإضافة إلى العوامل الداخلية، العوامل الخارجية التي تؤثر على المريض، مثل الهواء، والغذاء، والاسترخاء، وحركة الجسم، والنوم، والعوامل العاطفية، وما إلى ذلك، لذلك كان طبهم شاملا. فبنظرهم تعد الصحة العامة للمريض واحدة من اهم واكثر الأشياء إثارة في الطب الإسلامي. ونجح الأطباء المسلمون فعلا في علاج أكثر من مرض عبر اللعب في العوامل الخارجية للمريض، وكتب كل من محمد بن زكريا الرازي وابن سينا والعديد من الأطباء الآخرين كتباً معروفة تتحدث عن طرق العلاج عبر التغيير في العوامل الخارجية المحيطة بالمريض.
ومن المترجمين الشهيرين للنصوص الطبية خلال الحقبة السابقة يمكن الإشارة الى عائلة مساوي، وعائلة بكتيشيه، وحنين بن إسحاق. ويعد أول الأطباء الإيرانيين الذين كتبوا أول عمل كبير في الطب في القرن الثالث الهجري، علي بن ربن الطبري من سكان تباريستان في شمال إيران. وتتجلى الاسهامات العلمية لعلي بن ربَّن في تصنيفه في عدد من المواضيع الطبية التي تطرق لها بتفصيل في كتابه فردوس الحكمة، ومنها: وضع المبادئ العامة للطب، وقواعد الحفاظ على الصحة الجيدة، وذكر بعض الأمراض التي تصيب العضلات، ووصف الحمية للحفاظ على الصحة الجيدة، والوقاية من الأمراض ؛ إضافةً إلى مناقشة جميع الأمراض من الرأس إلى القدم، وأمراض الرأس والدماغ، وأمراض العين، والأنف، والأذن، والفم، والأسنان، وأمراض العضلات، وأمراض الصدر والرئة، وأمراض البطن والكبد والأمعاء، وأنواع الحمى. كما وصف النكهة والطعم واللون، وتعرض للعقاقير والسموم.
تلميذ الطبري، محمد بن زكريا الرازي هو أيضا أحد شيوخ إيران في المجال الطبي، ويزيد عدد كتب الرازي على المائتي كتاب في الطب والفلسفة والكيمياء وفروع المعرفة الأخرى. ويتراوح حجمها بين الموسوعات الضخمة والمقالات القصيرة. بعد الرازي يمكننا الإشارة الى علي بن عباس ماجوس من أهالي اهواز، كتب كتاباً بعنوان "كامِل الصِّناعة الطبِّية"، صارَ مَرجِعاً لجميع الأطبَّاء في الشَّرق والغرب على السَّواء. واشتُهرَ هذا الكِتابُ باسم "الكتاب الملكي"، حيث صنَّفه للملك عَضُد الدَّولة فناخسرو بن ركن الدَّولة أبي علي حسن بن بويه الدَّيلمي، المعروف باسم عَضُد الدَّولة البُوَيهي، وكان طَبيبَه الخاص؛ وهو كتابٌ جَليلٌ مشتمِل على أجزاء الصناعة الطبِّية، عِلمِها وعَملِها.
وأخيرا، كان ابن سينا يعرف بأنه أعظم طبيب إيراني ومسلم، حيث استطاع أن يُقدم للإنسانية أعظم الخدمات والاكتشافات والابتكارات التي فاقت عصرها بالقياس إلى إمكانات ذلك العصر ومدى ما وصلت العلوم فيه آنذاك، وبالأخصِّ في جانب الطب، فإليه يرجع الفضل في اكتشاف العديد من الأمراض التي ما زالت منتشرة حتى الآن مثل طفيلة (الإنكلستوما).