القبر فإنه في كل يوم يقول : أنا بيت الغربة ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود.
ولهذا المنزل عقبات صعبة جدا ، ومنازل ضيقة ومهولة ، ونحن نشير هنا إلى عدة عقبات منها :
العقبة الأولى
وحشة القبر
* في كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) :
( وإذا حمل الميت إلى قبره فلا يفاجأ به القبر لأن للقبر أهوالا عظيمة . ويتعوذ حامله بالله من هول المطلع . ويضعه قرب شفير القبر . ويصبر عليه هنيئة ثم يقدمه قليلا ويصبر عليه هنيئة ليأخذ أهبته ، ثم يقدمه إلى شفير القبر ) .
وقال المجلسي الأول في شرح هذا الحديث :
( ولو أن الروح قد فارقت البدن ، وان الروح الحيوانية قد ماتت ، أما النفس الناطقة فحية . وان تعلقها بالبدن يزول على نحو الكلية . وان الخوف من ضغطة القبر وسؤال منكر ونكير ورومان " فتان القبور " ، والخوف من عذاب البرزخ موجود ليكن عبرة للآخرين ليفكروا ان ذلك واقع بهم في المستقبل .
وفي حديث حسن عن يونس قال :
حديث سمعته عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ما ذكرته وأنا في بيت إلا ضاق علي .
يقول :
إذا أتيت بالميت إلى شفير قبره فأمهله ساعة ، فإنه يأخذ أهبته للسؤال.
وروي عن البراء بن عازب - أحد الصحابة المعروفين قال : بينما نحن مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا بصر بجماعة فقال : علام اجتمع عليه هؤلاء ؟
قيل : على قبر يحفرونه .
قال : ففزع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فبدر بين يدي أصحابه مسرعا حتى انتهى إلى القبر فجثا عليه .
قال : فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع . فبكى حتى بل الثرى من دموعه ، ثم اقبل علينا ، قال : أي إخواني لمثل اليوم أعدوا.
* ونقل الشيخ البهائي عن بعض الحكماء انه رئي في ساعة موته يتحسر ويتأسف .
فقيل له : ما هذا الذي يرى منك ؟
فقال : ما يظن بمن يسافر سفرا بعيدا بدون زاد ولا مؤونة ، ويسكن في قبر موحش بلا مؤنس ، ويرد على حاكم عادل بدون حجة ؟ !
* وروى القطب الراوندي أن عيسى نادى أمه مريم ( عليهم السلام ) بعد ما دفنت فقال : يا أماه هل تريدين أن ترجعي إلى الدنيا ؟
قالت : نعم لأصلي لله في ليلة شديدة البرد وأصوم يوما شديد الحر ، يا بني فان الطريق مخوف.
* وروي :
ان فاطمة ( عليها السلام ) لما احتضرت أوصت عليا ( عليه السلام ) فقالت :
" إذا أنا مت فتول أنت غسلي وجهزني ، وصل علي وأنزلني قبري وألحدني ، وسو التراب علي ، واجلس عند رأسي قبالة وجهي ، فأكثر من تلاوة القرآن والدعاء فإنها ساعة يحتاج الميت فيها إلى أنس الأحياء ".
* وروى السيد ابن طاووس ( رحمه الله ) عن الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) انه قال :
" لا يأتي على الميت ساعة أشد من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة ، فان لم تجدوا فليصل أحدكم ركعتين يقرأ فيهما فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة ، وقل هو الله أحد مرتين ، وفي الثانية فاتحة الكتاب مرة وألهاكم التكاثر عشر مرات ويسلم ويقول :
اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر ذلك الميت فلان بن فلان ، فيبعث الله من ساعته الف ملك إلى قبره مع كل ملك ثوب وحلة ويوسع في قبره من الضيق إلى يوم ينفخ في الصور ويعطى المصلي بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات ويرفع له أربعون درجة ".
صلاة أخرى :
يصلى لرفع وحشة الليلة الأولى في القبر ركعتين ، يقرأ في الركعة الأولى الحمد وآية الكرسي ، ويقرأ في الركعة الثانية الحمد وانا أنزلناه عشر مرات ، فإذا سلم يقول :
" اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر فلان ".
ويذكر اسم الميت عوضا عن "ف لان".
اقرأ ايضا: ماذا يحدث بعد الموت في القبر؟
حكاية
نقل شيخنا ثقة الاسلام النوري ( نور الله مرقده ) في ( دار السلام ) عن شيخه معدن الفضائل والمعالي مولانا الحاج ملا فتح علي السلطان آبادي ( عطر الله مضجعه ) قال :
كان من عادتي وطريقتي أن أصلي ركعتين لكل من سمعته مات في ولاء أهل البيت ( عليهم السلام ) في ليلة دفنه سواءا عرفته أو جهلته . ولم يكن أحدا مطلعا على ذلك ، إلى أن لقاني يوما في الطريق بعض الأصدقاء فقال :
اني رأيت البارحة فلانا في المنام - وقد توفي في هذه الأيام - فسألته عن حاله ، وما جرى عليه بعد الموت .
فقال :
كنت في شدة وبلاء وآل أمري إلى العقاب عند الجزاء إلا أن الركعتين اللتين صلاهما فلان - وسماك - انقذتني من العذاب ، ودفعت عني مضاضة العقاب ، فرحم الله أباه لهذا الاحسان الذي وصل منه إلي.
ثم سألني عن تلك الصلاة فأخبرته بطريقتي المستمرة ، وعادتي الجارية.
* ومن الأشياء النافعة أيضا لوحشة القبر اتمام الركوع كما روي عن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) انه قال :
" من أتم ركوعه لم تدخله وحشة القبر ".
* وورد في الخبر أيضا :
" من قال مائة مرة ( لا إله إلا الله الملك الحق المبين ) أعاذه الله العزيز الجبار من الفقر وأنس وحشة قبره واستجلب الغنى واستقرع باب الجنة ".
* وكذلك قراءة سورة يس قبل النوم.
وكذلك صلاة ليلة الرغائب ، وقد ذكرت هذه الصلاة مع بعض فضائلها في مفاتيح الجنان في أعمال شهر رجب.
* وروي :
" ومن صام اثني عشر يوما من شعبان زاره في قبره كل يوم سبعون ألف ملك إلى النفخ في الصور ".
* ومن عاد مريضا أوكل الله تعالى به ملكا يعوده في قبره إلى محشره.
* وروي عن أبي سعيد الخدري انه قال :
سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : يا علي !
ابشر وبشر فليس على شيعتك حسرة عند الموت ، ولا وحشة في القبور ، ولا حزن يوم النشور.
العقبة الثانية
ضغطة القبر
وهذه العقبة صعبة جدا وبتصورها تضيق على الانسان الدنيا .
* قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " يا عباد الله ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته ، إن القبر يقول كل يوم أنا بيت الغربة انا بيت الوحشة أنا بيت الدود ، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفره من حفر النار إلى أن قال :
وإن معيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر ، إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا فينهشن لحمه ويكسرن عظمه يترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث ، لو أن تنينا منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعا .
يا عباد الله إن أنفسكم الضعيفة وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا ".
* وروي بأنه كان أبو عبد الله ( عليه السلام ) إذا قام الليل يرفع صوته حتى يسمع أهل الدار ويقول :
" اللهم أعني على هول المطلع ووسع علي ضيق المضجع وارزقني خير ما قبل الموت وارزقني خير ما بعد الموت " .
* ومن أدعيته ( عليه السلام ) : " اللهم بارك لي في الموت ، اللهم أعني على سكرات الموت اللهم أعني على غم القبر ، اللهم أعني على ضيق القبر اللهم أعني على وحشة القبر اللهم زوجني من الحور العين ".
* واعلم أن العمدة في عذاب القبر تأتي من عدم الاحتراز من البول ، والاستخفاف به ، يعني استسهاله ، ومن النميمة ونقل الأقوال والأخبار والاستغابة وابتعاد الرجل عن أهله.
* ويستفاد من رواية سعد بن معاذ ان من أسباب ضغطة القبر سوء خلق الرجل مع أهله ، وغلظته مع عياله أيضا.
* وورد في رواية عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " ليس من مؤمن إلا وله ضمة ".
* وفي رواية أخرى : " ضغطة القبر للمؤمن كفارة لما كان منه من تضييع النعم ".
* وروى الشيخ الصدوق ( رحمه الله ) عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال " اقعد رجل من الأخيار في قبره ، قيل له : إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله . فقال : لا أطيقها . فلم يزالوا به حتى انتهوا إلى جلدة واحده .
فقالوا : ليس منها بد . قال : فبما تجلدونيها ؟
قالوا : نجلدك لأنك صليت يوما بغير وضوء ، ومررت على ضعيف فلم تنصره .
قال : فجلدوه جلدة من عذاب الله عز وجل فامتلأ قبره نارا ".
* وروي عنه ( عليه السلام ) : " أيما مؤمن سأله أخوه المؤمن حاجة وهو يقدر على قضائها ولم يقضها له سلط الله عليه شجاعا في قبره ينهش أصابعه " .
* وفي رواية أخرى : " ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة مغفورا له أو معذبا ".
المنجيات من ضغطة القبر
وأما الأمور التي تنجي من ضغطة القبر وعذابه فكثيرة نكتفي هنا بذكر عدة منها :
* الأول :
روي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : " من قرأ سورة النساء في كل جمعة أو من من ضغطة القبر ".
* الثاني :
روي : " من أدمن قراءة حم الزخرف آمنه الله في قبره من هوام الأرض وضغطة القبر ".
* الثالث :
روي : " من قرأ سورة ن والقلم في فريضة أو نافلة . . . وأعاذه الله إذا مات من ضمة القبر ".
* الرابع :
روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " من مات ما بين زوال الشمس من يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة أعاذه الله من ضغطة القبر ".
* الخامس :
روي عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) انه قال : " عليكم بصلاة الليل ، فما من عبد يقوم آخر الليل فيصلي ثمان ركعات ، وركعتي الشفع ، وركعة الوتر ، واستغفر الله في قنوته سبعين مرة إلا أجير من عذاب القبر ومن عذاب النار ، ومد له في عمره ، ووسع عليه في معيشته ".
* السادس :
روي عن الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) : " من قرأ إلهكم التكاثر عند النوم وقي من فتنة القبر ".
* السابع :
قراءة دعاء : " أعددت لكل هول لا إله إلا الله . . . إلى اخره " عشر مرات .
وقد تقدم هذا الدعاء في عقبة سكرات الموت.
* الثامن :
الدفن في النجف الأشرف ، فمن خواص هذه التربة الشريفة انها تسقط عذاب القبر وحساب منكر ونكير عن من يدفن فيها.
* التاسع :
من الأمور النافعة لرفع عذاب القبر وضع جريدتين رطبتين مع الميت :
وروي : " انه يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة ".
وروي أيضا : " مر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على قبر يعذب صاحبه ، فدعا بجريدة فشقها نصفين ، فجعل واحدة عن رأسه ، والأخرى عند رجليه ، وانه قيل له : لم وضعتها ؟
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : انه يخفف عنه العذاب ما كانتا خضراوين ".
ومن النافع أيضا صب الماء على القبر لما ورد أن العذاب يرفع عن الميت ما دام القبر رطبا.
* العاشر :
في أول يوم من رجب . " تصلي عشر ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وقل هو الله أحد ثلاث مرات . . . وقاك الله فتنة القبر وعذاب يوم القيامة ".
" ويصلي في الليلة الأولى من رجب بعد صلاة المغرب عشرين ركعة بالحمد والتوحيد ، فإنها نافعة في رفع عذاب القبر " .
* الحادي عشر :
أن تصوم أربعة أيام من شهر رجب.
* وكذلك صوم اثني عشر يوم من شعبان.
* الثاني عشر :
ومن الأمور الموجبة للنجاة من عذاب القبر قراءة سورة الملك فوق قبر الميت كما روى ذلك القطب الراوندي عن ابن عباس قال : " ان رجلا ضرب خباءه على قبر ولم يعلم أنه قبر ، فقرأ تبارك الذي بيده الملك ، فسمع صائحا يقول : هي المنجية . فذكر ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : هي المنجية من عذاب القبر ".
* وروى الشيخ الكليني عن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) انه قال : " سورة الملك هي المانعة تمنع من عذاب القبر ".
* الثالث عشر :
في دعوات الراوندي نقل عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) انه قال : " ما من أحد يقول عند قبر ميت إذا دفن ثلاث مرات : ( اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد أن لا تعذب هذا الميت ) الا دفع الله عنه العذاب إلى يوم ينفخ في الصور ".
* الرابع عشر :
روى الشيخ الطوسي في ( مصباح المتهجد ) عن الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) انه قال :
" من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب وإذا زلزلت الأرض زلزالها خمس عشرة مرة آمنه الله من عذاب القبر ومن أهوال يوم القيامة ".
* الخامس عشر :
ومن النافع فعله لرفع عذاب القبر صلاة ثلاثين ركعة في ليلة النصف من رجب يقرأ في كل ركعة الحمد مرة والتوحيد عشرة مرات.
* وكذلك في الليلة السادسة عشرة والليلة السابعة عشرة من رجب .
* وكذلك أن يصلي في الليلة الأولى من شعبان مائة ركعة بالحمد والتوحيد ، وبعد أن يفرغ من الصلاة يقرأ التوحيد خمسين مرة.
* وكذلك يصلي في الليلة الرابعة والعشرين من شعبان ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة ، وإذا جاء نصر الله عشرة مرات.
* وورد ليوم النصف من رجب صلاة خمسين ركعة بالحمد والتوحيد والفلق والناس ، فإنها نافعة لرفع عذاب القبر.
ومثلها صلاة مائة ركعة ليلة عاشوراء.