حين تُذكر كلمة “صوم” في مجتمعاتنا يقفز إلى عقولنا شكل واحد أو شكلان من أنواع الامتناع عن الطعام، كما في صوم رمضان أو الصوم الكبير، لكن الصوم المتقطع يحمل صورة مختلفة تماماً، حتى مع تنوع أشكاله.
وكقاعدة مبدئية نستطيع أن نقول إن الصوم المتقطع هو عبارة عن عملية من مرحلتين:
مرحلة الصوم: ويتم فيها الامتناع عن جميع المأكولات الصلبة، لكن يُسمح فيها بتناول الماء أو القهوة أو الشاي -بدون سكر- أو أي مشروب لا يحتوي على سعرات حرارية.
مرحلة الفطر: وهذه لا يوجد لها أي قيود سوى التي تضعها أنت لنفسك حسب حميتك الغذائية التي تفضلها.
كلامي هنا يختلف عن البرنامج الذي انتشرت شهرته باسم “حمية الصوم”، والذي يتم فيه الصيام لمدة يومين في الأسبوع يتم فيهما تقليص السعرات إلى 500-600 سعرة، لن أتكلم اليوم عن أية سعرات أو حميات مخصصة.
أنماط الصوم المتقطع:
هناك عدة أنماط للصوم المتقطع تختلف حسب اختلاف طول وقصر كل مرحلة من مراحله: “الصوم/الفطر” سأستعرضها سريعاً، وسأخصص المقال للنوع الأخير منها، الذي أرشحه دوماً لقرائي:
• The Alternate-Day Diet حمية التبادل بين الصيام والفطر: 36 ساعة صيام/12 ساعة فطر.
• The Warrior Diet حمية المحارب: 20 ساعة صيام/ 4 ساعات فطر.
• Eat Stop Eat كُل توقّف كُل: 24 ساعة صيام مرة أو مرتين أسبوعياً.
• The fast-5 Diet حمية صيام الخمسة: 19 ساعة صيام/ 5 ساعات فطر
• Leangains حمية الثمان ساعات: 16 ساعة صيام/ 8 ساعات فطر.
حمية الثماني ساعات:
صوم 16 ساعة أو كما سميته عربياً “حمية الثماني ساعات” هو واحد من أنجح طرق الصوم المتقطع وأكثرها قبولاً وسهولة في التطبيق، هذا النمط يمكنك تطبيقه مع نمط حياتك المعتاد دون أي تغيير ملحوظ أو جذري، نفضل دوماً في هذا الصوم أن نمتنع عن الطعام قبل النوم بثلاث ساعات أو أكثر ثم نعود إلى الطعام ثانية بعد 16 ساعة من الصوم، من ضمنها ساعات النوم، ويمكن للسيدات تقليص هذه الساعات إلى 14 ساعة. إن الأمر ببساطة لا يتعدى تقديم موعد العشاء قليلاً وتأخير موعد الإفطار كذلك، هذا التعديل البسيط يتوافق كثيراً مع ميولنا الفعالة قبل أن تفسدها أنماط العيش الحديث.
التوقيت: الحيلة الثورية
بخلاف جميع أنواع الصوم المتقطع أو غيره يمتاز هذا النوع من الصوم بميزة لا تتوافر في غيره، فبجانب سهولته ومرونته وتقبل الكثيرين له، وبجانب تأثيره المؤكد على تخفيض دهون الجسم وتحسين صحته -كسائر أنماط الصوم- إلا أن صوم الست عشرة ساعة يحمل سراً سلوكياً معدوم النظير، فهو يدربنا -دون أن نشعر أحياناً- على التصالح مع الطعام، ويخفف هوسنا اليومي المزعج بالأكل، يهبنا حرية غريبة في أننا لسنا ملزمين بالارتباط بالطعام بشكل لا ينقطع، ويُخرج الفزع الموهوم من عقولنا أننا سنموت جوعاً إذا ابتعدنا عن الطعام قليلاً.
إن هذه الفائدة السلوكية في نظري من أعظم ما نجنيه من هذا الصوم، وهو ما سيجعلنا لاحقاً نجني فوائد أعظم حين نبدأ في ترتيب اختياراتنا الغذائية وأحجام وجباتنا، إن ترتيب التوقيت العجيب هذا هو حيلة ثورية تليها إصلاحات أكبر على مستوى العادات الغذائية.
فوق ذلك؛ في فترة الصوم يعتمد الجسم على مخزونه من الدهون ليحصل على الطاقة، ومن المعروف كذلك أننا نحرق قدراً كبيراً من دهون أجسادنا خلال النوم، ومع هذا النمط التوقيتي الفعال فأنت تعطي جسدك دفعة جبارة ليحرق دهونه بفاعلية أكبر، ترتاح معدتنا كثيراً من هذا الانقطاع المؤقت عن الطعام، نحظى بنوم هادئ، وفي فترة الصباح ستشعر بحرية لم تجربها سابقاً.
الفطور المـتأخر لن يقتلك!
أتوقع أن أحداً لن يعترض على مزايا العشاء المبكر، على العكس بالنسبة للفطور المتأخر، يظن الكثيرون أن تناول الإفطار في وقت مبكر من أهم العادات الصحية، هذه القاعدة تم ضحدها في عدة دراسات أثبتت أن الفطور في وقت مبكر لا يحمل أي ميزة عن الفطور في وقت متأخر، وأن هذا يخضع تماماً لسلوكيات ونمط حياة الأشخاص، وأنه على خلاف ما كان معتقداً لا يؤثر الفطور المبكر على خسارة الوزن بفاعلية أكبر من سواه، ولعل هذا يفسر قطعاً لماذا يخسر الملتزمون بنمط صحي المزيد من الوزن في رمضان.
لاحظ أننا في الصوم المتقطع لم نحذف وجبة الإفطار، ما زالت وجبتك اليومية الأولى هي وجبة كسر الصوم Break fast.
هذا هو إفطارك ببساطة، ولا فارق أن تتناوله في السابعة صباحاً أو الحادية عشرة قبل الظهر، لاحظ المهتمون بهذا النمط من الصوم أن غالبيتنا نفضل أن نتناول طعامنا مساء، هذه حقيقة سلوكية منتشرة، أغلبنا يتناول أفضل وجباته مع عائلته حين اجتماعهم في فترة المساء، وفي المقابل نزهد كثيراً في تناول الطعام صباحاً في وقت باكر، لكننا نفعل ذلك بدافع العادة والبرمجة المتكررة والخوف من انحسار الطاقة،جرب كسر قاعدتك واختبر جسدك.
عامان من الصوم وشهادات مشجعة
أمارس الصوم المتقطع منذ أكثر من عامين، ومع اختلاف خطتي الغذائية في وقت الفطر، ما بين أوقات أسعى فيها لتخفيف نسبة الدهون في جسدي، أو رفع نسبة العضلات، أو حتى في فترات إهمالي، ظللت مصراً على هذا النمط التوقيتي الممتاز، فهو لم يتعارض أبداً مع أي خطة غذائية التزمت بها، ولم أجد مثل الراحة والتركيز والحرية التي يمنحني إياها، الكثير من قرائي تحمسوا لهذا النمط، والكثير جداً شعروا بمثل تلك الراحة وأخبروني أنهم وجدوا سر التوقيت الذي بمجرد أن تعودوا عليه، صرفوا تركيزهم إلى تحسين اختياراتهم الغذائية والاستمتاع بوجباتهم أكثر!
لكي ينجح صومك:
1- تدرج في الصوم: ليس شرطاً أن تبدأ بصيام 16 ساعة كاملة، جرب أن تبدأ باثنتي عشرة ساعة، وزدها تدريجياً. ليس هذا صعباً؛ مطلوب منك فقط في البداية إن كنت تنام لثماني ساعات، أن تصوم ساعتين قبل النوم وساعتين بعد الاستيقاظ، ستدرك وقتها قيمة الشغف بهذا الصوم وستتشجع على الاستمرار.
2- كن مرناً: هذا التوقيت الذي اخترتُه أنا قد يناسب كثيرين، لكن لا تتردد في تغييره إن كان لا يناسبك، إن كنت تفضل تناول وجباتك في فترة الصباح الباكر وما بعد الظهر، فتستطيع وقتها أن ترتب مواعيد صيامك وفطرك بحسب تفضيلك الشخصي، القاعدة واحدة: ست عشرة ساعة من الصوم وثماني ساعات من الفطر، اختر وقتك المفضل.
3- إذا أحببته فلا تغيره: من المهم جداً أن تقوم بتثبيت مواعيدك اليومية في الصوم والفطر، هذا يساعدك سلوكياً على تعلم الانضباط واحترام أوقات الطعام وتهدئة الفوضى الغذائية التي يتعثر فيها أغلبنا، إذا توصلت لنمطك المفضل في الصوم فلا تغيره.
4- كن منظماً وقت الفطر: نظّم وجباتك على ساعات الفطر، تناول ثلاث وجبات أو أكثر، اختَر ما تشاء، قد أنصحك ببعض التغيرات الذكية لاحقاً لكني حالياً لا أطالبك بأكثر من تثبيت التوقيت وترتيب الوجبات.
5- احترم وجبتك: لاحظ أنك صرت تتناول طعامك في وقت محدد وضيق من اليوم؛ لذا أعطِ هذه الوجبات بعض الاحترام والاهتمام! توقف عن تناول الطعام بتعجل وذهنك مشتت، أعطِ وجبتك حقها، كن منتبهاً لها واستمتع بها، توقف عن تناول طعامك واقفاً أو خلال انهماكك في العمل أو مشاهدة التلفاز أو مطالعة الهاتف المحمول، فوقت الطعام للطعام فقط.
6- تأمل في فترة صومك، استمتع بهدئك وحريتك وعدم تقييد الطعام لك، لا تفكر في الجوع أو تخشاه، ما زلت تستطيع تناول المشروبات التي تريدها، وهذا يهدئ جوعك كثيراً، عِش تجربتك باستمتاع وتحدّ حقيقي، قد تعجبك الفكرة، وقد تكون مدخلاً لتغيير حياتك.