سلمان رشدي وكتابه المشؤوم:
في تاريخ 26 أيلول عام 1988 صدر في العاصمة البريطانية كتاب للكاتب البريطاني ذي الأصول الهندية سلمان رشدي، هذا الكتاب الذي حمل اسم "آيات شيطانية" حوى في داخله الكثير من الإساءات إلى دين الإسلام ونبي الرحمة محمد (ص) وزوجاته وأصحابه رضوان الله عليهم. إساءاتٌ كان من شأنها أن تصيب قلب كل مسلم في مقتل، بعد أن سمح هذا المخلوق لنفسه بالتجرئ على أشرف خلق الله وأكثرهم سمواً ورفعة. غضب المسلمون في جميع أنحاء العالم، خرجت المظاهرات وبيانات التنديد بإهانة رسول القيم الإنسانية وخدش مشاعر ما يفوق المليار مسلم.
الامام الخميني و فتواه التاريخية:
أكثر ما يلفت الانتباه في هذه القضية سرعة انتشار الكتاب وسرعة ترجمته إلى مختلف لغات العالم والحملة الإعلامية الضخمة التي رافقت انتشاره والتي كانت تهدف للترويج لهذا الكتاب وشد الأنظار إليه. في الجمهورية الإسلامية الإيرانية كان الأمر واضحاً أن ثمة غرضٌ خبيثٌ وراء ما يجري خصوصاً بعد أن انبرت معظم الدول الغربية للدفاع عن "رشدي" وكتابه الخبيث. فما كان من مفجر الثورة الإسلامية في إيران إلا أن أطلق في تاريخ الرابع عشر من شهر شباط عام 1989م فتواه الشهيرة والتي تنص على الحكم بالإعدام على كاتب هذا الكتاب وناشريه المطلعين على فحواه، جاء نص فتوى الإمام على الشكل التالي(1):
باسمه تعالى
إنا لله وإنا إليه راجعون
أعلن للمسلمين الغيارى في أنحاء العالم، بأن مؤلف كتاب (آيات شيطانية) الذي دُوّن وطُبع ووُزع بهدف معاداة الإسلام والرسول والقرآن، وكذلك الناشرين المطلعين على فحوى الكتاب، يحكم عليهم بالإعدام. أطلب من المسلمين الغيارى المبادرة إلى إعدام هؤلاء على وجه السرعة أينما وجدوهم كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على الإساءة إلى مقدسات المسلمين. إن كل من يُقتل في هذا الطريق يعتبر شهيداً إن شاء الله. وإذا كان بوسع أحد العثور على مؤلف الكتاب ولا يستطيع إعدامه، فليطلع الآخرين على مكانه لينال جزاء أعماله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
روح الله الموسوي الخميني
14/2/1989
عقب صدور الفتوى نسبت بعض وسائل الإعلام الغربية إلى المسؤولين في الجمهورية الإسلامية قولهم بأنه إذا أعلن مؤلف كتاب «آيات شيطانية» توبته، سيتم إلغاء حكم الإعدام الصادر بحقه، حينها جاء قول الإمام الخميني قاطعاً إذ قال رحمه الله:
"يُكذّب هذا الموضوع جملة وتفصيلًا. إن سلمان رشدي حتى لو تاب وأضحى زاهد عصره، فإنه يجب على كل مسلم أن يُجنّد روحه وماله وكل همّه لإرساله إلى الدرك الأسفل".
وأضاف سماحته: "إذا أطلع غير المسلم على مكان تواجده وتوفرت لديه القدرة على إعدامه أسرع من المسلمين، فإنه يجب على المسلمين مكافأته بما يطلب مقابل هذا العمل كثمن لفعلته".(2)
حنقٌ غربي وتأييد إسلامي:
بعد صدور فتوى الإمام رضوان الله عليه في حق سلمان رشدي سارعت الشرطة البريطانية إلى إعلانها استعدادها لحماية سلمان رشدي وتخصيصها مجموعة من رجالها لضمان أمنه وسلامته؛ في موقف يعكس حقد الإدارة البريطانية على الإسلام وتشجيعها لما جاء على لسان رشدي من إساءات وإهانات إلى دين الإسلام ونبيه (ص). كما سارع بعض المسؤولين الغربيين إلى إعلان دعمهم وتأييدهم لسلمان رشدي وإدانتهم لفتوى الإمام الخميني في حقه تحت دعوى "حرية التعبير".
رد الإمام الخميني على الأكاذيب القائلة بأنه في حال أعلن سلمان الرشدي توبته فسوف يتم التراجع عن الحكم: إن سلمان رشدي حتى لو تاب وأضحى زاهد عصره، فإنه يجب على كل مسلم أن يُجنّد روحه وماله وكل همّه لإرساله إلى الدرك الأسفل.
في وقت لاقت فتوى الإمام رحمه الله تأييداً كبيراً ضمن الشارع الإسلامي وخرجت الكثير من الشخصيات والأحزاب الإسلامية لتعلن تأييدها ودعمها لفتوى الإمام في حق من أجاز لنفسه إهانة أشرف الخلق.
موقف الإمام الخامنئي:
في شهر أيار عام 1989 وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده سماحته أثناء زيارته للصين سُئل الإمام الخامنئي والذي كان يترأس الجمهورية الإسلامية حينها عن حكم الإمام الخميني في حق سلمان رشدي فكان جواب سماحته:
"لم نتطرق لهذا الموضوع مع المسؤولين الصينيين، ولكن الحكم الصادر في حق سلمان رشدي لا يزال على ما هو عليه من القوة. كما قلت سابقاً، إنه (حكم الإمام الخميني) أشبه بالرصاصة التي أطلقت باتجاه هدفها وسوف يأتي يومٌ تصيب فيه هذه الرصاصةُ هدفها" (3)
وفي تفسيره للضجيج الذي رافق فتوى الإمام الخميني في حق رشدي يرى الإمام الخامنئي في ضجيج قوى الاستكبار صوت ألم أصدروه بعد أن أصابهم الإمام الخميني بفتواه القاطعة في الصميم حيث يقول الإمام الخامنئي:
"حَكمَ الإمام الخميني عليه بأنه مهدور الدّم وقتله واجب. عندما يقبض كاتبٌ ما أموالاً مقابل تأليف كتاب يحتوي على أفكار سخيفة وعديمة القيمة، متى ما أدرك هذا الكاتب أنّه سيفقدُ روحهُ نتيجةَ هذا العمل، وأدرك أن ثمن هذا العمل سيكون باهظاً بالنّسبة إليه، سيختلف الأمر عن أن يأتوا ليقولوا لقد منعنا هذا الكتاب! أصاب قرار الإمام النقطة الأساسيّة للمؤامرة التي كان يسعى الاستكبار لتحقيقها في العمق وزعزعها. أي أنّ كلّ من أراد كتابة هكذا شيء أو تحويله إلى فيلم من اليوم فصاعداً، أو عرضه في السينما أو نشره، سينتظر خطر الموت من قبل المسلمين الذين تبلّغوا الفتوى وقبلوها ويسعون لتنفيذها. لم يعد الإقدام على هكذا عمل أمراً يسيراً، لقد هاجمت فتوى الإمام الخميني جيش الاستكبار في الصّميم وزعزعتها، هذا كان السبب في ارتفاع ضجيجهم لهذه الدرجة في العالم".(4)
عقب رحيل الإمام الخميني كان يأمل سلمان رشدي ومن خلفه من أعداء الإسلام في أن تضيع فتوى الإمام وتُنسى إلا أن قائد الثورة الإسلامية الجديد السيد علي الخامنئي و بعد شهر على رحيل الإمام الخميني وفي أول رسالة يوجهها إلى حجاج بيت الله الحرام بعد تسلمه قيادة البلاد، عاد ليؤكد على استمرار مفعول فتوى الإمام الخميني ووجوب تطبيقها بقوله:
"واجب الجميع تجاه إهانة المقدسات الإسلامية واضحٌ وصريحٌ، وحكم الإمام الفقيد بوجوب قتل كاتب كتاب آيات شيطانية المرتد النجس، يوضح وظيفة الجميع بالنسبة للحالات المشابهة. لا يزال حكم إمام الأمة في حق ذاك الكاتب التعيس على ما هو عليه من القوة، ويتوجب عليه أن يبقى في إنتظار اللحظة التي يتم فيها تنفيذ هذا الحكم في حقه" (5)
فتوى الإمام الخامنئي وتأكيد سماحته على وجوب إعدام سلمان رشدي:
بعد تناقل وسائل الإعلام أخباراً تفيد عن تبرؤ سلمان رشدي من الإهانات التي وجهها للنبي (ص) وبقية المقدسات الإسلامية في كتابه آيات شيطانية، أصدر الإمام الخامنئي فتوى أكد فيها على تأييده لفتوى الإمام الخميني رحمه الله وعلى استمرار وجوب العمل بهذه الفتوى وقتل المرتد سلمان رشدي لكي لا يجرؤ أحدٌ بعد الآن على إهانة مقام النبوة وبقية المقدسات الإسلامية حيث جاء نص الفتوى على الشكل التالي:
"حُكمُ الإمام رضوان الله تعالى عليه التاريخي والغير قابل للتغيير في حق كاتب كتاب آيات شيطانية (المشتمل على التعابير الكفرية) والتزام المسلمين في جميع أنحاء العالم بتنفيذ هذا الحكم الإسلامي، يُظهر أولى ثمراته في ميدان مواجهة الإسلام مع الكفر ويُجبر الاستكبار الغربي الذي جعل من استهداف مقدسات مليار مسلم في العالم مقدمةً لتحقير المسلمين والقضاء على دوافع الحركة الإسلامية في العالم، على التراجع خطوة تلو خطوة بشكل فاضح، وإن شاء الله من خلال استمرار مقاومة مسلمي العالم لن يجرؤ أحدٌ من الآن فصاعداً على إهانة النبي المعظم (ص) والمقدسات الإسلامية.
أثناء زيارته للصين سُئل الإمام الخامنئي وكان رئيساً للجمهورية عن حكم الإمام الخميني في حق سلمان رشدي فكان جواب سماحته: إن حكم الإمام الخميني أشبه بالرصاصة التي أطلقت باتجاه هدفها وسوف يأتي يومٌ تصيب فيه هذه الرصاصةُ هدفها.
حكم الإسلام في حق كاتب كتاب آيات شيطانية وكما تفضل سماحة الإمام رضوان الله تعالى عليه: "حتى لو تاب وأضحى زاهد عصره" هو حكمٌ ثابتٌ وكل هذه المحاولات التي تتم بمساعدة بعض الأشخاص المسلمي الظاهر لن تُحدث أي تغيير في هذا الحكم الإلهي"(6)
انتقاد الإمام الخامنئي لمنهج الغرب في التعامل مع قضية سلمان رشدي:
في إحدى كلماته تطرق سماحة قائد الثورة الإسلامية إلى طريقة تعامل الغرب مع ملف حقوق الإنسان واستغلالهم سلمان رشدي بهدف الإساءة للإسلام والمسلمين غير آبهين بمشاعر أكثر من مليار مسلم في مختلف أنحاء العالم حيث يقول سماحته: "لا يعتبر الغربيون إهانة مليار مسلم عملاً قبيحاً ومخالفاً للمروءة وقد عملوا منذ البداية على استغلال سلمان رشدي بنيّة الإساءة للإسلام، وللمسلمين ولنبيّنا العزيز وهذا ما يوضح لنا معايير رؤساء الاستكبار العالمي في قضية حقوق الإنسان ومدى ابتعادها عن الحقانيّة والإنصاف"(7)
الهوامش:
صحيفة الإمام (الترجمة العربية)، ج21، ص: 242
صحيفة الإمام (الترجمة العربية)، ج21، ص: 246
مقابلة صحفية في الصين 11/5/1988
خطبة صلاة الجمعة في طهران 3/3/1989
نداء الإمام الخامنئي إلى حجاج بيت الله الحرام 5/7/1989
فتوى الإمام الخامنئي 26/12/1990
كلمة الإمام الخامنئي أثناء لقائه جمعاً من السيدات 8/12/1993