إن موقع العراق بالنسبة لحركة الإمام وموضع العراق، فيه جملة من الأبعاد المهمة التي سوف تتحقق في هذه البقعة المباركة، فإن عاصمة دولة الإمام عليه السلام هي العراق وبالخصوص الكوفة، والكوفة معقل الإمام وفيها بيت الإمام، ولذلك فقد جاء في بعض الروايات أن مسجد سهيل - أي مسجد السهلة- هو بيت الإمام(ره) وقد يستشكل على هذا الموضوع أنه كيف يكون مسجداً وبيتاً في آن واحد؟ وهو موضوع لطيف وطريف وفيه من المعالم العقائدية والفكرية التي تحتاج إلى تفصيل، ويمكن أن يجاب عليه بسؤال آخر وهو: كيف كان مسجد النبي بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ وبيت فاطمة عليها السلام في المسجد؟ ولذلك سدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل الأبواب التي كانت تطل علي المسجد إلاّ بيت عليّ عليه السلام ، لأن بيت علي هو بيت النبي وهو المسجد - أي لا فرق بين بيت عليّ والمسجد -لأنّ إرادة الله شاءت أن تكون للإمامة موقعها الخاص، وهذا يحتاج إلى تفصيل.
وأن مسجد السهلة سوف يكون بيت الإمام، وفي هذا البيت سوف تشدّ الرايات للإمام المهدي، أي أن مركز الحرب يبتدئ هناك، والسبب في ذلك هو أنّ هذا الشعب بإرادة الله تبارك وتعالى سوف يبلغ القمة في التمحيص.
وعندنا روايات تتحدّث عن الآية الكريمة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأْمْوالِ وَالأْنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) ثمّ الآية تقول: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) الإمام الباقر عليه السلام يقول: إن هذه خاصّة بأهل العراق، يعني أن هذه العلامات، التي هي علامات الضغط، ونقص في الأموال والثمرات ثم القتل والدمار والدم الذي سال في العراق وعلى أرض العراق.
أمّا لماذا أنّ الله ابتلى أهل العراق بهذا الابتلاء؟! فللأسف أنّ هناك ثقافة أمويّة - وليست ثقافة علوية هاشمية - حاولت أن تثبت كثيراً من قطاعات الأمّة على الانحراف باتهام العراقيين بأنّ هؤلاء يستحقون العذاب والمرارة لأنهم أهل الشقاق والنفاق.
إن هذه الثقافة إنما هي من رواسب الثقافة الأموية؟ وعليه فلماذا خصّوا بها أهل العراق ولم يخصوا بها أهل الشام؟!
لأن أهل العراق ومن بداية تأسيس العراق وقبل أن يأتي الإمام أمير المؤمنين إلى الكوفة وأسّس خلافته كانوا قد بنوا أساسهم على أساس علوي هاشمي، ولذلك كانت النهضة الأولى التي أسقطت الانحراف الذي سبق خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وقبل أن ترجع زمام الإمامة إلى الإمام إبتدأت من العراق، وهكذا فالتصحيح بدأ من الكوفة، وحرب الانحراف بدأ من الكوفة، والحرب ضد الإنحراف بدأ من الكوفة، لأن الكوفة كانت علويّة من بداياتها، وكبرت علويّة، وبقيت الكوفة وبقي العراق علوياً، وبتعبير آخر (محمّدياً)، وبتعبير آخر إن الإسلام الصحيح كان في العراق، ولذلك كان على عاتق هذا الشعب بناء جيش الإمام المنتظر عليه السلام ، وعلى عاتق هذا الشعب قيادة البشريّة في التغيير الذي يحدث عند ظهور المهدي.
ولذلك سوف يبتلي الله هذا الشعب بهذه الابتلاءات، ويشدّد التمحيص ويشدّد الإبتلاء، لأنّه جاء في روايات الإبتلاء وروايات الفتن: كلّما اشتد الإبتلاء وكلما كثرت المحن زكى هذا الإنسان، وهذا المجتمع، وهذا الشعب، وكان أكثر أهميّة لقيادة البشرية، كما أن الحديد كلما سلّطت عليه النار كلما تخلّص من الشوائب، وكلما كان أنقى وأكثر تحمّلاً للصعوبات.
والمصاعب التي مرَّ بهذا الشعب كانت مقصودة لأنّ هذا الشعب هو قائد العالم، وقائد التغيير للدنيا في عصر الظهور، وأعطيكم مثالاً صغيراً رأيناه بأم أعيننا: إن العراقي في أي بلد كان من البلاد - حتّى وإن كان قبل خروجه من العراق ليس متديّناً - فهو عندما يخرج إلى بلد من بلدان العالم فإن أوّل ما يشيد في ذلك البلد حسينيّة، ويبني مسجداً، يقام فيه مجلس الحسين عليه السلام ، وقد امتلأت الأرض حالياً بأبعادها بذكر الحسين من يوم هاجر العراقيون إلى العالم، فهذه حكمة إلهيّة أن يكون هذا الإنسان يُربَّى هذه التربية التي جاءت في كثير من الأحيان انعكاساً للسلوك العدواني الذي كان يواجهه الإنسان العراقي من الأنظمة الطائفية ويعلّم هذا التعليم الذي له - قطعاً - يد غيبيّة فيكون هذا الإنسان له دور حالياً، فكيف يكون دوره في التغيير المستقبلي؟! إن شاء الله يشارك بشكل مؤثر بتغيير الأمّة وتغيير العالم.
لعلَّ لهذه الأسباب سيكون للدور العراقي الأهمية الكبرى.
السيد ياسين الموسوي/عالم دين من الأحساء
المصدر:المؤمل