أ- في ظلال الحديث
من الأمور العقائدية الهامة قضية الرجعة، التي ورد فيها عن آل البيت عليهم السلام أن الله تعالى يعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، لا في صور أخرى، فيعزّ فريقاً، ويذلّ فريقاً آخر، وذلك عند قيام مهدي آل محمد صلى الله عليه وآله.
عن الصادق عليه السلام"ليس منّا من لم يؤمن برجعتنا.."(1).
وعن الإمام الرضا عليه السلام وقد سأله المأمون: يا أبا الحسن ما تقول في الرجعة؟قال: إنها لحق قد كانت في الأمم السالفة ونطق بها القرآن وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة"(2).
وفي الحديث: إذا قام (يعني القائم عليه السلام) أتى المؤمن في قبره فيقال له: "يا هذا إنه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فألحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربّك فأقم"(3).
ووقوع الرجعة في الأمم السالفة كما ذكرنا مولانا الرضا عليه السلام نصّ عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(4)
فهذه الآية صريحة في أن المذكور فيها مات مئة سنة ثم أحياه الله تعالى وبعثه إلى الدنيا وأحيا حماره، وهناك شواهد قرآنية كثيرة على هذا الموضوع(5).
والشيئ الذي ينبغي التأكيد عليه أن الرجعة ليست إنتقال النفس من بدن إلى بدن آخر منفصل عن الأول، بل هي رجوع النفس إلى البدن الأول بمشخصاته النفسية، والفرق بين المعاد والرجعة، إن الرجعة عود ورجوع موقوت في الدنيا والمعاد هو عود ورجوع في الآخرة.
ب- الرجعة عامة أو خاصة؟
ليست الرجعة عامة أي أن كل الناس يرجعون بالمعنى الذي قدّمناه فهي بخلاف المعاد في الآخرة حيث هو عام وغير مختص بمجموعة من الناس دون أخرى، فما من إنسان إلا ويعاد في الحياة الآخرة.
يقول الصادق عليه السلام: "إن الرجعة ليست بعامة وهي خاصة لا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً أو محض الشرك محضاً"(6).
وعن الباقر والصادق عليهما السلام: "(وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ): كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة فهذه الآية من أعظم الدلالة على الرجعة لأن أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أن الناس كلّهم يرجعون إلى القيامة من هلك ومن لم يهلك، فقوله: (لا يرجعون) أيضاً عني في الرجعة فأما القيامة فيرجعون حتى يدخلوا النار"(7).
ومما قاله الشيخ الطبري رحمه الله في تفسيره: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا): "قد تظاهرت تلك الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله في أن الله سيعيد عند قيام المهدي عليه السلام قوماً ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم، وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب والقتل على أيدي شيعته والذلّ والخزي بما يشاهدون من عملوا كلمته"(8).
فالمستفاد هو اختصاص الرجعة بفريقين من الناس أطلق الأئمة عليهم السلام على الفريق الأول وصف (من محض الإيمان محضاً) وهو مقام عظيم ومكانة عالية فلا يكون إلا للصفوة ونخبة النخبة من أحبه الله وأكرمه بهذه الكرامة.
وعلى الفريق الثاني الذي يقابل الأول: (من محض الشرك محضاً) وهو للآيسين من رحمة الله ومن هم غاية في الكفر والفساد والإضلال من الأوصاف المذمومة والدنيّة، وليس لسوى هذين الفريقين رجعة.
ج- رجعة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام
ما من شك أن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام هم أدلاّء الفريق الأول ومصابيح دربه، فضلاً عما ورد في حقهم بالخصوص في أحاديثهم وأدعيتهم وزياراتهم.
في الحديث: "لا والله لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتى يجتمع رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام بالثويّة، فيلتقيان ويبنيان بالثويّة مسجداً له اثنا عشر ألف باب"(9).
وعن الباقر عليه السلام: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وعلياً عليه السلام سيرجعان"(10).
وفي بعض الزيارات: "إني من القائلين بفضلكم مقرّ برجعتكم"(11).
وفي الزيارة الجامعة: "فثبتني الله أبداً ما حييت على موالاتكم... وجعلني ممن يقتصّ آثاركم ويسلك سبيلكم ويهتدي بهديكم ويحشر في زمرتكم ويكرّ في رجعتكم"(12).
وفي زيارة الحسين عليه السلام: "أشهدكم أني بكم مؤمن وبإيابكم موقن"(13).
وعن مولانا زين العابدين عليه السلام في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) قال: "يرجع إليكم نبيكم وأمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام"(14).
د- أول من يرجع
ورد في بعض الأخبار أن أول من يرجع هو سيد الشهداء أبو عبد الله الحسين عليه السلام ومن تلك الأخبار ما يلي:
ما ذكره الإمام الحسين عليه السلام نفسه مخبراً عن ذلك يقول عليه السلام: "أكون أول من ينشقّ الأرض عنه، فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين وقيام قائمنا"(15).
عن مولانا الصادق عليه السلام: "أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السلام"(16).
هـ- أسماء في سجلّ الرجعة
لقد خصّ أئمتنا عليهم السلام بعض الكرام من أتباعهم وأنصارهم بتسميتهم صريحاً في الأخبار والحديث عن أنهم سيرجعون عند قيام الإمام صاحب الزمان عليه السلام ومن هؤلاء:
1- عبد الله بن شريك العامري(17).
2- يوشع بن نون(18).
3- سلمان.
4- أبو دجانة الأنصاري.
5- المقداد.
6- مالك الأشتر.
7- حمران بن أعين.
8- ميسّر بن عبد العزيز(19).
و- دعاء العهد والرجعة
روي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: "من دعا إلى الله تعالى أربعين صباحاً بهذاالعهد كان من أنصار قائمنا فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة"(20).
ومعنى قوله عليه السلام: "أخرجه الله تعالى من قبره" أي أرجعه في زمن قيام الإمام المهدي عليه السلام ولذلك ينبغي أن لا يترك هذا الدعاء لعظمة شأنه ويكفيه شرفاً أنه لا سبل المؤمن إلى الرجعة.
ومما جاء فيه عن الرجعة: "اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتماً مقضياً فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرّداً قناتي ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي"(21).
الهوامش:
1- الهداية للشيخ الصدوق، ص 266.
2- ميزان الحكمة، حديث 6926.
3- م.ن. حديث 6927.
4- البقرة: 259.
5- سورة البقرة: 260 - 57 - 243.
6- البحار، ج53، ص62.
7- تفسير القمي، ج2، ص75.
8- الإيقاظ من الهجعة، ص250.
9- البحار، ج53، ص113.
10- ميزان الحكمة، حديث 6933.
11- الإيقاظ من الهجعة، ص301.
12- م.ن. ص303.
13- م.ن ص306.
14- م.ن. ص343.
15- البحار، ج53، ص62.
16- م.ن.
17- ميزان الحكمة، حديث: 6938 - 6939.
18- م.ن. حديث: 6940.
19- م.ن. حديث: 6934.
20- مفاتيح الجنان، ص613، طبعة بيروت دار الثقلين.
21- م.ن. ص614.
المصدر: موقع راسخون