ها هي الاخبار تؤكد اذا ان “الوقت المناسب قد حان ” وان طائرة إسرائيلية حديثة الطراز أسقطت.ثمة شعور بالاعتزاز انتابنا نحن العرب المحبين لدولنا بشكل عام ولسوريا على نحو خاص ، لان في الأمر ما يشي بأن إتجاه الرياح ربما بدأ بالتغيير..
تذكرت كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عن ان دول محور المقاومة سوف تتحرك من الآن فصاعدا كمحور وليس كدول منعزلة. تذكرت كذلك كلاما قديما سمعته شخصيا من الرئيس بشار الأسد يقول :” مهما طالت الحرب سنربحها في نهاية المطاف ونحن ندرك أن ما يحصل هو نتاج تواطوء دولي وعربي يراد له إنهاء القضية الفلسطينية وجعل إسرائيل قوة وحيدة لا منازع لها في المنطقة وتدمير دول المقاومة ”
اشتريت كوبا ساخنا من “النيسكافية” وكرواسان بالشوكولا.ارتميت على أحد مقاعد صالة الانتظار اتمتع بما اشرب وآمل. ورحت الآحق الأخبار. كمن يريد أن لا يفلت منه خبر واحد. تأكدت الاخبار . وراح العرب من المشرق حتى المغرب يتبادلون التهاني عبر وسائل التواصل الاجتماعي . جزء من هؤلاء أنفسهم كان حتى الأمس القريب متأثرا بالدعاية المدروسة بإتقان حول الفتنة السنية الشيعية . كان يكفي هكذا خبر حتى تتغير قناعات ..
حان موعد إقلاع الطائرة. ذهبت إلى باب الصعود اليها. فوجدت نفسي مجاورا لباب الصعود إلى طائرة “العال” الإسرائيلية في مطار أورلي الفرنسي . لا أدري اي صدفة تلك التي جعلتني في تلك اللحظة الحساسة ادخل الى طائرة الخطوط الجوية المغربية بجوار طائرة إسرائيلية. كانت وجوه ركاب طائرة العال مكفهرة. ربما بسبب طول الانتظار، أو بفعل الثلوج، أو لأنهم استمعوا إلى الأخبار فقلقوا. انا قررت انهم قلقوا بسبب اسقاط الطائرة. هكذا قررت.
صعدنا الى الباص الذي يقلنا من المطار الى الطائرة مباشرة. عبرت الباب . كان في الباص كثير من المغاربة وقليل جدا من الأجانب. بعد قليل صعد أحد موظفي الشركة المغربية يقول ” سيداتي سادتي، هذا الباص ذاهب الى الطائرة المغربية وليس الى طائرة العال ” ضحك الركاب . لا أدري لماذا . ضحكت معهم ..
بين الباص وفي الطائرة، تبادلت أحاديث كثيرة مع الركاب . معظمهم يشاهد التلفزات. هذه من نعم العمل التلفزيوني ( القليلة) حيث إن المذيع ليس بحاجة إلى مداخل كثيرة للحديث. فورا تبدأ الأسئلة السياسية. بعضهم كان قد عرف بخبر اسقاط الطائرة والبعض عرفه مني . استطيع الجزم انه بغض النظر عن الموقف مما حصل في سوريا في خلال السنوات السبع الماضية. كان كل من تحدثت معه يشعر باعتزاز كبير ويدعو لاستكمال النصر. هنا في المغرب من المملكة الى الجزائر فتونس وليبيا وموريتانيا ، لا تزال القلوب تنبض على قلب فلسطين وتناهض الاحتلال وجرائمه. بين فريق التصوير الذي يرافقني، زميلة فلسطينية ، لعلها سمعت بنفسها، وذهلت بمدى حب المغاربة لفلسطين ومن يدافع عنها ….
وقبل أن أكتب هذا المقال زرت معرض الكتاب في الدار البيضاء حيث أوقع كتبي، وسمعت من سائقي التاكسي كلاما مشابها :” لا نرضى بظلم إسرائيل وندعو الله ان ينصر العرب والمسلمين عليها ” . وانا اضيف أيضا المسيحيين .. لان اسرائيل تسرق قدس المسيحيين والمسلمين ولا تفرق بين عربي وآخر.
اعتقد شخصيا ان هنا بيت القصيد. العرب الذين عاشوا طويلا الكثير من جور إسرائيل وعدوانها، يتعلقون باي انتصار عليها ويشعرون باستعادة شيء من كرامتهم.
بناء على ذلك يمكن الحديث عن النتائج التالية في قضية اسقاط الطائرة:
• ان اسقاط الطائرة من المفترض ان يكون ثمرة تعاون دقيق وتنسيق تقني عالي بين أطراف محور المقاومة .ذلك أن هذه الخطوة المهمة تفترض جهوزية المحور للرد على إسرائيل في حال انتقمت.لذلك فالتنسيق والتخطيط لا بد أنهما سبقت وتخللا واعقبا ما حصل
• ان اسقاط الطائرة يعني ان المحور قرر رفع مستوى الاستراتيجية الدفاعية الى مستوى الردع وان هذا هو إنذار اول ليس هدفه اندلاع حرب وإنما ردع إسرائيل عن التفكير في حرب
• يشير هذا الحدث الجلل الى ان منظومة الصواريخ عند سوريا وحلفائها تطورت على نحو كبير في السنوات الماضية ودخلت في زمن توازن الردع الحقيقي بحدود معينة .فملاحقة الطائرة وصلت إلى داخل فلسطين المحتلة.
• جاء اسقاط طائرة “اطلسية” حتى ولو كانت إسرائيل ليس من داخل الحلف ، بعد فترة على إسقاط طائرة روسية وبعد الغطرسة الكبيرة التي مارستها أميركا في الأسابيع القليلة الماضية على الأرض السورية والتي وصلت وقاحتها الى حد الحديث عن تقسيم سوريا
• جاء اسقاط الطائرة الإسرائيلية وسط تقاطر معلومات عن استعداد أميركي وربما فرنسي للرد على السلاح الكيماوي السوري المزعوم ..كان لا بد اذا من إظهار بعض أسرار سلاح المحور لردع اي مغامرة.
• جاء اسقاط الطائرة بمثابة رد استراتيجي على كل الضغوط الإسرائيلية والأميركية لإخراج قوات إيران وحزب الله من المناطق الجنوبية لسوريا ومنع تشكيل خلايا مقاومة في تلك المنا
• شكل اسقاط الطائرة ٣ اختراقات نفسية كبيرة ستستمر مفاعيلها طويلا ، أولها رفع على نحو كبير المعنويات في سوريا ودول عربية ودعم محور المقاومة وثانيها هز مرة أخرى ثقة الإسرائيليين بجيشهم وسط تنامي القلق من احتمالات رد محور المقاومة خصوصا بعد كلام السيد نصرالله عن احتمال الدخول إلى ما بعد الجليل ، وثالثها ان المهرولين صوب الاستسلام لإسرائيل بذريعة الصلح الذي لم يجد شجرة زيتون واحدة، تلقوا هم أيضا صدمة نفسية ذلك أن الشعوب العربية من المشرق الى المغرب تريد من يرفع كرامتها لا من يبيع الأرض والعرض ..
ما هي احتمالات المستقبل ؟
اما ان تقبل إسرائيل الصفعة وتفكر مرارا قبل أن تقدم على عدوان جديد لان أسطورة الطائرات باتت الآن أمام مصير مجهول وتكمل بالمقابل حروبا صغيرة بطرق أخرى مثل القصف من بعيد أو اغتيالات أو ضرب بنى تحتية في سوريا ولبنان وتكرر سريعا غاراتها للتغطية على الصفعة ، أو أن تقرر أنه لا بد من خوض الحرب لانه مهما كانت نتيجتها فهي اسهل من ترك إيران وحزب الله والجيش السوري يشكلون محور مقاومة استراتيجيا خطيرا..
لا شك اننا أمام لحظات استثنائية بكل ما للكلمة من معنى. ولا شك أن قادة إسرائيل الذين سارعوا إلى هضم الصفعة والتهدئة وطلب الوساطات أصيبوا قهوة نفسية عميقة …. هم بحاجة سريعة للقيام بعمل ما … ليست الطائرة المعادية وحدها من تحطم وإنما المثير أيضا من نفسية الإسرائيليين..