إبراهيم عبدالله
11 شباط 1979 حدث تاريخي قلب الموازين الاستراتيجية اقليمياً ودولياً فارضا واقعاً سياسياً مغايراً، بعيداً عن تلك الاصطفافات التي كانت موجودة في تلك الفترة. ثورة حدثت في توقيت حساس حيث كانت المنطقة تعيش جملة من التعقيدات في الصراع (العربي - الاسرائيلي)، تمخضت عبر خروج مصر من حلبة الصراع مكبلة باتفاقية كامب دايفد معلنة الانقلاب على شعار "حرب التحرير واستبداله بحرب التحريك".
اما على الصعيد الدولي جاءت ثورة الشعب الايراني بقيادة الامام الخميني (قدس سره) في زمن كان شاهداً على حمأة الصراع (الاميركي - السوفياتي) الذي شطر دول العالم بشماله وجنوبه في انقسام عامودي، متخندقا خلف عقليات متصارعة شيوعية - اشتراكية و راسمالية - ليبرالية، عندها انبلج تيار ثالث من بين ثنايا الدجى رافعاً شعار " لاشرقية ولا غربية جمهورية اسلامية"، تقوده الجمهورية الاسلامية بقيادة الامام روح الله الخميني الموسوي.
39 عاماً من الصبر والحصار والعمل الدؤوب انتقلت ايران من درك الدول المتخلفة الى مصاف الدول المتقدمة من خلال انجازاتها النووية والفضائية فارضة نفسها وبقوة امام العدو والصديق دولة اقليمية عظمى، وعزز هذا الحضور انخراطها في الحرب على الارهاب وخصوصاً في كل من سوريا والعراق ومدها يد العون والدعم للمقاومات العربية وخصوصاً اللبنانية والفلسطينية قافزة فوق جدار الطائفية والمذهبية العفنة. وفي اطار رؤية تقييمية لمنجزات الثورة على مدى 39 عاماً لابد من الأخذ بعين الإعتبار عدة امور هي:
1- اهداف الثورة الإسلامية.
2- الأوضاع قبل انتصارها.
3- امكانات البلاد الذاتية.
4-الضغوط ومؤامرات اعداء الثورة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وفي الامكان دراسة منجزات الثورة الاسلامية في مرحلتين زمنيتين مختلفين وفي ذات الوقت بشكلين متفاوتين.
وعلى سبيل المثال فإن اسقاط النظام الملكي الشاهنشاهي واحلال نظام الجمهورية الإسلامية محله والحصول على الإستقلال السياسي هو من ابرز منجزات الثورة الاسلامية في اطارها العام والتي على اساسه تحققت باقي المنجزات، كان بمثابة الارضية الصلبة والمتينة للتأسيس لرحلة ايران الطويلة وانتقالها من طور الى طور.
في زمن الإنتصار يعد جانب من اهداف الثورة الإسلامية مثل الاستقلال الاقتصادي من المنجزات التي تحتاج الى زمان ومساعي اكثر.
ويمكن لنا ان نشير هنا الى منجزات الثورة الاسلامية في ايران من الجوانب الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.
*المنجزات الثقافية و الإجتماعية:
وفرت الثورة الايرانية الاجواء المناسبة لتنمية القيم الاخلاقية والإنسانية، والعودة الى الذات، عبر ازالة مظاهر الفساد من المجتمع، وعملت على رفع مستوى الوعي العام والمعنويات، من خلال مكافحة الأمية، التي حققت اغراضها الى حد كبير، في سبيل توفير الامن الإجتماعي والقضائي والمساواة لأبناء الشعب، والعمل على تنميه روح الوحدة والإخاء و اشاعة الأدب الثوري – الديني.
كما ساهمت الحكومة الايرانية بعد الثورة في زيادة عدد المطبوعات والمجلات والصحف والدوريات، وكان لها اليد الطولى في "اسلمة المقررات والقوانين المدنية والجزائية والمالية والإقتصادية والإدارية والعسكرية والسياسية".
واحيت الفكر الديني محدثة تحولات في القيم الإجتماعية ومفاهيم الجهاد والشهادة والهجرة والإخلاص والحج السياسي، والتضحية والإيثار. وعملت على ترسيخ مبدأ التنسيق بين الإلتزام والتخصص والتدين والثقافة، من خلال التعاون بين الحوزة العلمية والجامعات الاكاديمية ومراكز البحوث والدراسات وزيادة امكانياتها. كما نجحت الثورة في ايران في تحويل القوات المسلحة الى قوات مؤيدة للشعب وايجاد قوة التعبئة الشعبية، وعملت على التعريف بنموذج المرأة المسلمة- الثورة الاسلامية من خلال اعداد الاجواء لإقامة مهرجانات مختلفة حول النساء.
وتمكنت الجمهورية الاسلامية من نشر الصحف والمجلات النسوية، وتأسيس الجمعيات الخاصة بهن، هذا بالاضافة الى مشاركة فاعلة للمرأة في الرياضة وتواجدها في الحياة السياسية الذي يتجسد فيما يتجسد في الترشيح لعضوية مجلس الشورى الإسلامي والمجالس البلديه والقروية. وهكذا قدمت المرأة الإيرانية نموذجاً جديداً للمرأة المسلمة في العصر الحاضر، وبددت سحب الإعلام المضاد للأسلام الذي يدعي حرمان المرأة المسلمة من ممارسة الأنشطة الأجتماعية والرياضية والثقافية والسياسية وغيرها.
ونجحت الثورة في ايران من ترسيخ مبدأ الثقة بالذات وبالثقافة الذاتية في البلدان الاسلامية ومنطقة العالم الثالث، والتأثير على نظريات العلوم الاجتماعية والنظريات الثورية في العالم.
*المنجزات السياسية:
لعل من اهم المنجزات السياسية للثورة الاسلامية في ايران، هي القضاء على الحكم الشاهنشاهي ورفع الظلم عن الشعب الأيراني، من خلال الاتكاء على عائدات البترول، والجيش والأجهزة الأمنية، حيث كان الشاه يسعى وبدعم الأجانب له الى اظهار نظامه بشكل مقتدر، مزيلاً من الأذهان حتى مجرد التصور بزلزلته فكيف بسقوطه، لكن ارادة الله سبحانه وتعالى قد شاءت غير ما اراد الشاه اذ تمكن الشعب الأعزل من السلاح من اسقاط الحكم البهلوي المستبد.
وتمكنت الحكومة في ايران من بلورة تشكيلات سياسية مختلفة مع شفافية في المواقف، من اجل تحقيق وتعزيز الإستقلال السياسي للبلاد، وقطع ايادي التسلط الأجنبي عنها، عن طريق المساهمة في نمو الوعي السياسي والوعي العام للشعب وتواجده في مختلف المجالات، والحركة نحو التقنين والمجتمع المدني الديني.
وعملت على إرساء دعائم نظام الجمهورية الاسلامية في ايران فبعد انتصار الثورة، تحققت ارادة الشعب في ايجاد النظام الاسلام، وان لفظ الجمهورية يحدد نوع الحكومة، اما لفظ الاسلامية فيحدد مضمون نظام الحكم الجديد في ايران، حتى ان تسمية كلمة الجمهورية الاسلامية لم تفرض على الشعب الايراني بل جاءت عبر استفتاء نزولاً عند رغبة الشعب الثائر وهذا يسجل لاول مرة في تاريخ الثورات بان تسمية النظام لا تفرض او تسقط على الشعب بل اتت عبر ارادة حرة وخالصة نابعة عن قناعات الجماهير الثائرة.
ومن وجهة نظر الأمام الخميني "قدس سره" فأن نظام الجمهورية الإسلامية ينسجم مع نظام الحكم الإسلامي ونظرية ولاية الفقيه العادل، وفي نظام الجمهورية الأسلامية يؤدي ابناء الشعب دورهم في تعيين مصيرهم من خلال ابقاء باب الحريات السياسية مفتوحاً على مصراعية ومن خلال اجراء الأنتخابات العامة الحرة والنزيهة.
وعمق النظام الجديد اواصر الإرتباط بين الدين والسياسة وعرض النموذج الزاهي للحكومة الدينية، بحيث كان النظام الشيوعي في العالم يروج لفكرة "الدين افيون الشعوب"، اما النظام الرأسمالي فكان يشيع فكرة "عزل الدين عن السياسة"، وجاءت الثورة الأسلامية لتثبت ان الدين ليس افيوناً للشعوب بل هو "المحرك لها الذي يهبها القدرة على الإدارة السياسية للمجتمع".
وعلى صعيد الانتخابات حصلت في ايران بعد الثورة حوالي 8 انتخابات نيابية (مجلس شورى) بالاضافة الى الاستحقاقات الرئاسية وتناوب شخصيات متعددة على سدة الرئاسة في حين لم تشهد دول الجوار اي انتخابات فضلا عن تعيين موظفي الفئة الاولى.
نجح النظام الجديد بـ "كسر شوكه الغرب والشرق"، وان انتصار ثورة الشعب المسلم في ايران قد حقق هذا الأمر، على ان عدة عوامل قد ساهمت في انتصار الثورة الأسلامية مثل روح التضحية والايثار وعدم الخنوع والخضوع للظلم والاستبداد، وعززت الثورة تجديد الحياة السياسية للاسلام في العالم ومنح العزّة للشعوب المستضعفة والعالم الثالث.
نعم لقد حملت الثورة الاسلامية في ايران على اجنحتها الشفافة بشرى الحرية من نير الظلم والاستبداد حتى لغير المسلمين في العالم.
ولا ننسى قيام السياسة الخارجية لايران على مبدأ "لا شرقية لا غربية" بحيث انها قطعت العلاقة مع الكيان الصهيوني حيث قامت بطرد السفير الاسرائيلي ورفع العلم الفلسطيني بدل علم العدو.
ان السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية في ايران تقوم على اساس رفض كل انواع التسلط والهيمنة وحفظ استقلال البلاد في جميع المجالات ومد جسور العلاقة مع الدول غير المعادية في العالم، عبر تصدير رسالة الثورة ودعم حركات التحرر في العالم. ويرى اغلب الباحثين بل اكثرهم في الشؤون الاسلامية والشرق اوسطية والعالم العربي، ان "الثورة الاسلامية في ايران هي اكبر محرك للحركات الاسلامية السياسية".
لقد تأثرت بعض الدول في العالم مثل لبنان والعراق ودول حوض الخليج وافغانستان وباكستان وتونس وفلسطين ودول شمال افريقيا بشكل مباشر بالثورة الاسلامية، كما تأثرت دول اخرى في العالم بشكل غير مباشر بهذه الثورة مثل سوريا ونيكاراغوا وجنوب افريقيا.
ونجح نظام الحكم الجديد في ايران من خلال ثورته المباركة برسم معالم الوجه الحقيقي للاسلام واثبات مظلومية الشعب المسلم في ايران في الحرب المفروضة، وعرض نظرية حوار الحضارات والعمل على ايجاد العلاقات بين شعوب العالم، وازالة اشكال التوتر على المستوى الدولي، ومثل هذا المشروع حاز بسرعة على قبول الجمعية العامة للأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي، بحيث اعتبر العام 2001 للميلاد عاماً "لحوار الحضارات."
*المنجزات إقتصادية:
لقد حققت الثورة الاسلامية في ايران العديد من المنجزات على الصعيد الاقتصادي ومن هذه المنجزات الحفاظ على موارد الثروة مثل النفط والحؤول دون نهبها من قبل الأجانب الطامعين والحؤول دون الإسراف والتبذير واستغلال بيت المال، والانكباب على العمل والاهتمام بالقرى وتوفير الإمكانات المعيشية فيها، وتدعيم البنى التحتية للتنمية واعداد الكوادر المتخصصة في المجالات المختلفة وتطوير طرق انتاج الطاقة وبناء السدود، وتطوير شبكه الطرق والمواصلات والمواني واشاعة مراكز التعليم في مستويات متعددة، من اجل تحقيق هدف الوصول الى مرحلة الإكتفاء الذاتي في التصنيع العسكري، والطبي والمدني كصناعة السيارات والصلب والتكنلوجيا كتقنية "النانو"، وصولاً الى الفضاء وفي مجالات اقتصادية اخرى.
لكن التطور الاقتصادي في ايران سار في طريقه الى الامام رغم وجود بعض الموانع والعقبات مثل المقاطعة الإقتصادية وحرب الثمانية اعوام التي كان نظام العراقي السابق قد فرضها ضد الجمهورية الأسلامية في ايران، حيث كانت تلك الحرب الظالمة قد تسببت في خسارة قدرت بـ 1000 مليار دولار او ما يعادل نفقات البلاد على مدى 70 عاماً.
*المنجزات العسكرية:
لم تقتصر منجزات الثورة في ايران على البعد الثقافي والاجتماعي والسياسي انما شملت ايضاً البعد العسكري حيث شهدت ايران نقلة نوعية على صعيد تطوير الاسلحة لديها لا بل تجاوزت هذه الحقبة رغم الحصار وغاصت في صناعة الاسلحة كافة بمجهودها الذاتي كصناعة وتطوير الصواريخ الباليستسية والاقمار الاصطناعية وصناعة المدرعات والسفن الحربية والمقاتلات الجوية، بالاضافة الى صناعة الرادارات والدفاعات الجوية وصولاً الى امتلاك تقنية التشويش الاليكتروني المتطورة، لتصل الجمهورية الاسلامية بفضل ثورتها الصادقة الى مرحلة الجهوزية لخوض الحروب الاليكترونية وعلى نطاق واسع ومثال على ذلك عملية السيطرة وانزال الطائرة الاميركية التجسسية RQ170.
والان الجمهورية الاسلامية في ايران، ايماناً منها بمبادئ ثورتها واهدافها النبيلة، تعد نفسها لمقارعة الدول الكبرى في حرب النجوم وخير دليل على ذلك الوتيرة الزمنية المتسارعة لاطلاق الاقمار الاصطناعية على اختلاف انواعها ومهامها الى الفضاء في برنامج يشهد تطورا مضطردا وصولاً الى ارسال اول رائد فضاء ايراني الى سطح القمر بحلول عام 2020.
المصدر: موقع المنار