عندما نتتبع سير زعماء الثورات في العالم، نرى أن أياً منهم لم يكن يرقى الى مستوى الإمام الخميني في التواصل الصادق مع المستضعفين وسواهم من شرائح المجتمع. فقد فاق سماحته غيره في مخاطبة المسلمين وبيان مفاهيم القرآن الكريم بلسان سهل وبسيط. فعد هذا من الاسرار الكبيرة لإنتصار الثورة الإسلامية و ما جعل الإمام الخميني أهلا لزعامة المسلمين.
حياة الإمام
تميزت حياة الامام الخميني رحمه الله إبان الدراسة الحوزية، ولدى توليه زعامة المرجعية الدينية وأيضاً السياسية بالبساطة وعدم التكلف. فكان شغله الشاغل الامة الاسلامية وما يكفل انقاذها من الضلال والتخلف المادي والمعنوي. وما يؤكد ذلك مخاطبته الرئيس السوفياتي ميكائيل غورباتشوف وقداسة الباباجون بولس الثاني وأيضاً حرص سماحته على إنقاذ البشرية وانقاذ ثقافات كانت قد انحرفت عن النهج القويم والسعادة الأبدية.
فهو قدس سره الشريف أول مفكر كان قد بادر في القرون المتأخرة إلى التنظير للثورة وطبق ذلك لاحقاً. فنادراً ما يحدثنا التاريخ عمن كتبوا عن وجوب القيام بهذه الثورة فعملوا بما قالوا وكتبوا.
إن ملازمة القول والفعل او العلم والعمل، كانت وراء نجاحات سماحته وانتصاراته المتلاحقة المتكللة بالثورة الاسلامية المظفرة في ايران.
من اهم مؤثرات الإمام الخميني والثورة الإسلامية هذه، إستثمار الدين في التطور الإجتماعي المنشود. وان سماحته بالاعتماد على الدين، بادر بتغيير مفهوم القدرة، فوعى المسلمون وأدركوا أن القدرة الحقة، هي قدرة الله التي تمكنهم من إستيفاء حقوقهم.
لقد أثبت الإمام للمسلمين والمستضعفين كافة ان السبيل الوحيد لتحقيق الاهداف والتطلعات المشروعة، العمل بتوجيهات آخر أديان السماء، الذي يخاطب البشرية كلها. فالاسلام -كما بينه الامام رحمة الله عليه واكدته الثورة الإسلامية- السبيل خلاص البشرية الوحيد.
مصاديق تأثير الثورة الإسلامية على المسلمين
الوعي السياسي: أعقب إنتصار الثورة الإسلامية في ايران، التبلور الطوعي للتنظيمات الجماهيرية وتواصل هذه التنظيمات مع سائر تنظيمات العالم. وهذا ما أثار بطبيعة الحال غضب وردود فعل الكثير من المحافل الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية. إلا أن الشعب الايراني برجاله ونسائه إستمر في تقدير الصحوة الاسلامية وتثمينها معنوياً، متجاهلاً في ذلك الزوبعة وردود الفعل الحادة هذه حتى أدرك سائر الشعوب مع مرور الزمن، وببركة النموذج الذي طرحته الثورة الاسلامية بوجوب حضور الجمهور الساحات السياسية والإجتماعية، ما حرمت منه وفقدته من الحقوق المشروعة، مثل: انتخاب مبدأي "الحجاب والحضور الإجتماعي" من قبل نساء تركيا.
ليس المسلمون وحدهم وانما عشرات الالوف من الغربيين أيضاً تشرفوا بعد تعرفهم القيم الالهية للإسلام باعتناق هذا الدين المبين.
الحجاب الإسلامي: الصورة التي عرضتها الثورة الاسلامية عن المرأة، كان لها أثران مهمان.
الأول: أن المرأة المسلمة، لها كرامتها و حريتها الكاملة في العمل خارج المنزل.
فما كان يتصوره الغرب، انه ليس للمرأة الايرانية حضورٌ اجتماعي فهي ربة بيت لا غير.
الثاني؛ الحد من الرؤية السلبية للمرأة المسلمة وابلاغ سائر بلاد العالم بنوع حجاب المرأة في الجمهورية الاسلامية.
وحدة الدين والحكومة: إن التيارات الإسلامية حاضرة اليوم بين أهم المجاميع السياسية في العالم إيماناً منها بتواصل الدين والسياسة وعدم الفصل بينهما. فمرد هذا الإيمان تأثيرات الثورة الإسلامية ونظرية عالميتها؛ أي: تلاحم الدين والسياسة.
فبإنتصار الثورة الإسلامية في ايران، طرح الإمام الخميني هذه النظرية باعتبارها الظاهرة الأولى والاكبر لتلاحم الدين والحكومة ووحدة الاثنين، إيماناً من سماحته أن إرادة المستضعفين ستفضي بهذا التلاحم إلى زعامة العالم كله.
طبعاً ليس من الصعب درك الدين والسياسة في مفهوم الثورة الإسلامية، فانبثاق مقولة الامة الاسلامية القادرة على توحيد المسلمين بغض النظر عن الفوارق الوطنية والحواجز القومية والسياسية المختلفة، هو من قيم الثورة الاسلامية وشعاراتها.
إلى جانب ذلك؛إن توكيد الثورة الاسلامية لزوم إتباع القرآن الكريم والاحكام الاسلامية، لا يدع شكاً من ان ما ترنو إليه هذه الثورة تحكيم المبادئ الأساس لاصول الإسلام في العالم.
لقد أدى تلاحم المذهب والسياسة الإسلامية المستمد من الثورة الإسلامية، بالحكومة الأمريكية لأن ترى في الإسلام عاملاً لإبادة سياساتها وفي الثورة الإسلاميّة الخطر الأساس لمصالحها، وتحاول في النهاية مناصرة أعداء الحركات الإسلامية والسياسية في المعمورة.
محاربة الإستكبار: من التطورات التي أعقبت إنتصار الثورة الإسلامية،إختيار الإسلام سبيلاً لمحاربة الإستبداد والإستكبار.
وما إستحالة القضية الفلسطينية وتبديلها من قضية قومية وشيوعية إلى قضية اسلامية إ إلا جانباً من قيم الثورة الإسلامية هذه. من هذا المنطلق تبلورت الحركة الفلسطينية في الإسلام لتكون الوسيلة المجديّة الوحيدة للخروج من مأزق الصراع غير المجدي.
و من دلالات توجه الحركة الفلسطينية نحو الإسلام والأخذ بما للثورة الإسلامية الإيرانية من تعاليم وتوجيهات لمحاربة ما يسمى إسرائيل؛ الإنتفاضة وخصوصياتها، عدم التبعية او الإنتماء للتكتلات الداخلية والخارجية، تطوير المساجد والإكثار منها تعزيزاً للمعنويات وروح الجهاد الإسلامي، صمود المقاتلين ووحدة صفوفهم، زيادة حضور الناس في صلوات الجمعة والجماعة وإصدار المجلات الثورية.
فما قاله مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية الشهيد فتحي الشقاقي عن الثورة الاسلامية في ايران؛ إنها فتحت عصراً جديداً أمام الحركة لينظر الى القضية الفلسطينية من زاوية الإسلام فحسب.
شعبية الثورة الاسلامية: من خصائص الثورة الاسلامية في ايران وقيمها، أنها ثورة شعبية. ما يعني قدرة الإسلام على تعبئة جماهير الشعب. إلى ذلك؛ قال زعيم الجبهة الاسلامية في السودان الدكتور حسن الترابي: لقد بادرت الثورة الإسلامية لطرح فكرة العمل الشعبي وتجنيد الجماهير وتقديم ذلك هدية ثمينة لتجارب الدعوة الإسلامية في دنيا الإسلام.
فقد دفعت فكرة العمل الشعبي؛ الحركات الاسلامية للدعوة الى الوحدة المذهبية والقومية مازاد في إبتعاد الحركات الاسلامية السياسية عن الاختلاف والتفرقة وفي تعزيزها بتنظيمات تتميز بمزيد من القوة، والإمكانات والدعم والصمود.
فهناك في الحركات السياسية نماذج كثيرة عن التوجه الشعبي، فمن اهم الشعارات الشعبية المختارة في مثل هذه الحركات، شعار «الله اكبر ولا إله إلا الله».
ما قدمته الثورة الاسلامية للعالم وأفهمته أيضاً، وجوب اعتماد رأي الشعب في شرعية النظام السياسي؛ ومن هذا المنطلق بالذات اعتمد الإستفتاء العام لشرعية مبدأ الثورة الإسلامية هذه. فهذا الاستفتاء لم يكن عملاَ شجاعاً فحسب، بل فكرة فاقت الديموقراطية الغربية.
نموذج عالمي: تعتزم الثورة الإسلامية إقامة نظام عالمي مبني على الدين وانها من أجل ذلك تبنت استراتيجيتين إثنتين.
الأولى: إنتهاج برنامج قصير الأمد لمواجهة العولمة بمفهومها الغربي.
الثانية: تطبيق برنامج طويل الأمد لتضعيف العولمة الغربية وذلك بعرض وجه مشرف للإسلام وترغيب العالم بالحكومة الإسلامية.
النظام العالمي الذي تتطلع إليه الثورة الإسلامية
1-هو نظام الإمامة والأمة القائم على زعامة الإمام المعصوم الذي يؤسس باستثماره العلم الديني، والعصمة الالهية لنظام عادل ويسير بكل الشعوب، والحكومات والدول كأمّة واحدة نحو الفضيلة والكمال الانساني والإسلامي. فللزعامة والإمامة في النظام الإسلامي العالمي، خصوصيات ثلاث:
أولاً: الزعامة والمركزية العقائدية، المعنوية والسياسية.
ثانياً: الزعيم؛ من ينتخبه الرسول الاعظم (ص) او من ينتخب من قبل النائب الخاص للإمام المعصوم مباشرة، ومن قبل النائب العام للإمام المعصوم بصورة غير مباشرة.
ثالثاً: تولي الحكومة، منوط بقبول الجمهور.
2-المجتمع الإسلامي العالمي؛ يتمتع بكامل الإستقلال، والمواهب والكفاءات ويلبي ما للفرد من المتطلبات الفطرية والروحية الأساس. ويفتقر في الوقت نفسه لما يسمى الإنتماء القومي، تعدد الزعامات المزورة، القوانين الوضعية المؤدية للأخطاء وكذلك لحكم الشيطان الذي هو أساس كل النزاعات في العالم.
3-في المجتمع العالمي الاسلامي المنشود يوكل الناس، أمر الحكم وقانون السماء في الأرض لزعيم ربّاني. بمعنى؛ تجلي حكم الله بصورة إرادة الامام في الأرض لتزول معها ما في الدنيا من الحدود المصطنعة. وقد أفرزت صلة الثورة الاسلامية وتعاطيها مع الصحوة الاسلامية أموراً كثيرة؛ منها:
كان للثورة الإسلامية بالرغم من قدم الصحوة الإسلامية دورها المصيري في تطوير هذه الصحوة وترسيخها. فلها؛ أي: لهذه الثورة دورها الفاعل والاكيد في الصحوة الاسلامية من مختلف الوجوه.
على سبيل المثال، يمكن مشاهدة تأثير الثورة الايرانية على الصحوة الإسلامية في أقوال الإمام الخميني ومواقف قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي وكذلك تطورات العالم الإسلامي في العقود الأخيرة.
كما جسدت الثورة الاسلامية في ايران، المساعي المبذولة على طريق تحقيق المساواة والعدالة الإجتماعية بين سكان المعمورة . زادت هذه الثورة كذلك من ردود فعل المسلمين ازاء الغرب والتغرب. فما من شك أن مرد صمود فنزويلا حكومة وشعباً امام أمريكا اليوم، يعود الى تأثيرات الثورة الاسلامية.
في كوبا؛ يواصل كاسترو المدعوم من قبل الجمهورية الاسلامية الايرانية صموده بوجه الغطرسة الامريكية.
وفي لبنان؛ يحاول حزب الله باتعاظه بدروس الثورة الاسلامية الايرانية المعنية بالحرية والتحرر صون استقلال لبنان امام الكيان الصهيوني.
وفي سوريا، كم من مرة أعلن مسؤولو هذا البلد انهم تعلموا من الثورة الايرانية درس المقاومة والصمود بوجه اسرائيل الغاصبة.
وفي أفغانستان؛ أفلح المقاتلون الافغان في طرد القوات الروسية الغازية من بلادهم بالاعتماد على دروس الثورة الإسلامية الإيرانية.
فقد أضحى نيل ايران إستقلالها السياسي، الإقتصادي، الثقافي والعسكري نموذجاً تقتدي به سائر الدول بما في ذلك دول الشرق الاوسط التي يطلق أبناؤها في حربهم ضد الغزاة والمعتدين ذات الشعارات الايرانية (الموت لأمريكا)، ويستخدمون أساليب البسيج؛ أي: قوات التعبئة في ايران الاسلامية، والاسلحة الخفيفة والمألوفة و الدعاء و التوسل و...
هذا ما يقلق الاستكبار ويخشاه ، فهو يخشى نفس إنتصار الثورة الاسلامية في ايران و ما يزال يخاف حدزث انتصارات أخرى تشبهها .
المصدر:الوفاق