وبالرغم من المحاولات القوية والجادة التي يقوم بها إعلام المملكة، للتعتيم على حالة الغضب التي تتسع رقعتها يوماً بعد يوم، فقد شهدت الأسابيع الماضية تطورات وقرارات أكدت حقيقة أن المملكة تمشي فوق قشرة رقيقة من عدم الاستقرار، تخفي تحتها غضباً قد يبتلع كل شيء في لحظة.
أبرز تلك التطورات التي تعكس حجم الأزمة كان اعتقال 11 أميراً، في أوائل يناير الماضي، وإيداعهم سجن “الحائر” تمهيداً لمحاكمتهم، بعد تجمهرهم في قصر الحكم اعتراضاً على أمر ملكي يجبرهم على دفع فواتير المياه والكهرباء الخاصة بقصورهم.
وجاء تمرّد الأمراء واعتقالهم بعد ساعات من إصدار الملك السعودي حزمة أوامر جديدة في مسعى لامتصاص غضب الشارع من القرارات الاقتصادية التي دخلت حيز التنفيذ مطلع الشهر الجاري.
وأيضا رفعت المملكة، في1 يناير 2018، أسعار البنزين، بنسب تراوحت بين 82 و126 بالمئة، وفرض ضريبة القيمة المضافة التي تبلغ 5 بالمئة. كما فرضت ضريبة غير مباشرة على جميع السلع والخدمات، ابتداءً من الإنتاج ومروراً بالتوزيع حتى مرحلة البيع النهائي، ويتحمّل تكلفتها المستهلك.
وكانت حالة من الغضب قد تفجّرت على مواقع التواصل الاجتماعي رفضاً للزيادات الأخيرة، ورفضاً لـ “سياسات الحكومة السعودية التي تقود المواطنين نحو مزيد من الظروف الاقتصادية السيئة”.
واتّهم مغرّدون مسؤولي السعودية بـ “نهب أموالهم، ودفعهم نحو كارثة اقتصادية بينما هم ينعمون بحياة رغيدة في قصورهم”.
وبالنظر إلى هذه القرارات والأحداث التي وقعت خلال 120 ساعة فقط (الشهر الماضي)، تبدو المملكة واقفة على شفا الهاوية، كما نقل الكاتب الأمريكي مايكل وولف عن مستشار البيت الأبيض السابق، ستيف بانون.
ولا يمكن قراءة ما تعيشه المملكة من غضب متصاعد وقرارات تسعى لمحاصرته، بعيداً عن سيطرة ولي العهد محمد بن سلمان على زمام الأمور، تمهيداً لنقل السلطة إليه.
وسائل الإعلام السعودية، ومعها وسائل إعلام أجنبية، تروّج لبن سلمان على أنه المنقذ الذي سينتشل المملكة من عثرتها الاقتصادية، والإصلاحي الذي سيأخذ بيدها من مستنقعات التطرف.
غير أن دوران المملكة كلها حول الأمير الشاب، قد يضع البلاد في مواجهة الثورة التي لطالما خشيت من ملاقاتها؛ ولا سيما أن ولي العهد السعودي ينتهج نفس السيناريو الذي انتهجه غيره، فأتى بنتائج عكسية.
المدقق في التطورات الأخيرة التي تشهدها السعودية، مع ربطها بدروس تاريخية ليست بعيدة عنها، وتحديداً في مصر التي شهدت، سابقاً، صعود جمال مبارك نجل الرئيس المصري المخلوع، مما كان سبباً مباشراً في الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بوالده، يمكن أن يرى أنَّ ثمة مؤشرات تشير إلى أن التاريخ يعيد نفسه بثوب مختلف في السعودية، ولا يستبعد احتمال نشوب ثورة قد تضرب أركان المملكة.
مركز واشنطن لدراسات الشرق الأوسط أعد تقريراً، العام الماضي، قال فيه إن الصعود السياسي السريع للأمير محمد بن سلمان، يذكرنا بالصعود السياسي والدعم اللامحدود من قبل حسني مبارك لنجله، وتسخير كل إمكانات الدولة في خدمته وخدمة طموحاته السياسية، حيث أصبح جمال مبارك، خلال بضع سنوات، الرجل الأول في مصر، تتسابق كل الدوائر لإرضائه والسير في كنفه.
هذا الصعود لولي العهد وامتلاكه القوة العسكرية والسيطرة الاقتصادية، بل وهندسة السياسة الخارجية للمملكة، جعل الدبلوماسيين الغربيين يطلقون عليه لقب “سيد كل شيء”، وفقاً لما نشرته وكالة أنباء “بلومبيرغ” في أبريل 2016.
وكما تم تصوير جمال مبارك، خارجياً، على أنه رجل اقتصادي قادر على إخراج مصر من أزماتها الاقتصادية، وعلى تحرير الاقتصاد عبر بيع الأصول المملوكة للدولة وإلغاء الدعم، وهو ما سبب غضباً كبيراً ظل مكبوتاً في صدور المصريين حتى انفجروا في يناير 2011، فإن الأمير السعودي الشاب اختار وكالة “بلومبيرغ” من أجل الشيء نفسه.
وخلال حوارين نشرا على حلقات متفرقة العام الماضي، رسمت “بلومبيرغ” صورة لبن سلمان يبدو فيها المنقذ لاقتصاد المملكة بعد أن أوشك على الإفلاس، وعرضت خططه الاقتصادية، ورؤيته نحو تخفيض الدعم وخصخصة المؤسسات الاقتصادية السعودية العملاقة، مثل شركة “أرامكو”.
وكما لعب جمال مبارك على وتر الشباب، وأسس جمعية “جيل المستقبل”، وبدأ بتدريب الشباب والاهتمام بالقيادات الشابة، يسير محمد بن سلمان على الدرب نفسه في مداعبة أحلام الشباب، عبر مؤسسة “مسك” الخيرية، التي تعمل أيضاً على دعم وتمكين الشباب عبر شراكات مع مؤسسات دولية كبيرة، مثل جامعة “هارفارد” العريقة في برنامج للقيادات الناشئة، وقادة المستقبل، بحسب معهد واشنطن للدراسات.
ثمة تشابه آخر لا يقل أهمية بين أوضاع مصر ما قبل الثورة والسعودية حالياً، ويتمثل في القبضة الأمنية الشديدة التي يضرب بها ولي العهد كل من يقف في طريقه، سواء كان عالماً أو ناشطاً أو صحفياً أو حتى أميراً من أمراء آل سعود.
وكما كانت نظرة المصريين لجمال مبارك على أنه رجل أمريكا سبباً في الانقضاض عليه، فإن علاقة بن سلمان بواشنطن تثير الكثير من الأحاديث حول الدور الأمريكي في تصعيده، وهو الدور الذي أكده كتاب مايكل وولف الحديث، والذي نقل فيه قول الرئيس ترامب وصهره، بعد تجريد محمد بن نايف من كل مناصبه: “لقد وضعنا رَجُلنا في القمة”.
هذه المؤشرات تشي بأن السعودية تسير على الدرب، دون أن تنتبه أو تكترث لفشل جمال مبارك “سيد كل شيء” في مصر الجمهورية، أو “أحمد علي عبد الله صالح” في الجمهورية اليمنية، أو “سيف الإسلام القذافي” في الجماهيرية الليبية.