لقد أثار إدراك البعض لأهمية هذه القوة الكامنة، وأهمية عقيدة الموعود في التأسيس لإنتماء فاعل داخل المجتمع على مدى التاريخ، وساوس شيطانية لديهم، ليلقوا على أنفسهم أو على زعمائهم إسم الإمام الموعود، وليكونوا من حولهم هالة من السذج للقيام بثورة ضد الحكومة القائمة؛ من أجل التأسيس لسلطة جديدة. من أمثلة هذه الحركات: ظهور الكيسانية(1)، والميمونية(2)، في العصور الأولى من التاريخ الإسلامي، وما أعقبها من ظهور الإدريسية(3)، والصباحية(4)الذين أسسوا لحكومات مصغرة. وهنا لا بأس بالإشارة إلى الانحرافات التي ابتلي بها المجتمع، ولاسيما في السنوات الأخيرة.
لقد شهدت الآونة الأخيرة تزايدا في اهتمام طبقات المجتمع، ولاسيما الشباب، بموضوع المهدوية والإنتظار. وهذا ما أدى بالفعل إلى ازدهار سوق الكتب والصحف. وعلى الرغم من أرجحية هذه الظاهرة المباركة، إلا أنها تنضوي أيضا على مخاطر وتهديدات، مما يوجب علينا التركيز عليها، وإمعان النظر في ملابساتها. فمن المواضيع الحساسة المتطلبة للكثير من البحث والتدقيق الاهتمام المفرط بمسألة التشرف بلقاء الإمام الحجة(عج)، حيث باتت هذه القضية مصدر تكسب بيد العديد من الأشخاص والكتب والجرائد حديثة العهد، التي سعت إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من القراء والمشترين، عبر تسخين الأجواء، وإثارة الحوارات؛ بغية المضاعفة في أعداد النسخ المطبوعة.
عقب الاحتلال الأمريكي للعراق توافد جملة من العراقيين إلى إيران، ممن يرتدي ثيابا سوداء طويلة، وأوشحة خضراء اللون، فأخذوا يواظبون على صلوات الجمع في جملة من المدن الإيرانية، كطهران وقم وقزوين، ثم أطلقوا شعاراتهم في دعم شخص يدعي أنه نائب الإمام الحجة في غيبته، وفي عهدته التعرف على أصحابه وإعدادهم. وقبل مدة صار يزاول أنشطة في مدينة كرج، وبعد التعرف على مجموعة من النسوة الساذجات صار يوجه إليهن أوامره وتعليماته الخاصة. لقد وسع السيد من نشاطاته في بعض المدن الإيرانية، وكون لنفسه أنصارا وتلامذة، إلا أن تلامذته لم يحظوا بعدُ بالوصل به، ولم ينالوا سوى الاتصال ببعض الرؤوس المرتبطة به، ثم بعد تخطي مراحل عرفانية خاصة جاء الوقت لينالوا شرف ملاقاة السيد المذكور، فعقدوا معه اجتماعا في إحدى المدن.
كان من جملة الأساليب المتبعة في الاستحواذ على مشاعر الناس تحديد النساء المتدينات، وبعد جمع المعلومات عن حياتهن يتم إعلامهن بأبراجهن وطالعهن، وتمنح كل واحدة نجمة ونورا بإسم أحد الأئمة المعصومين(ع)، وتوجه إليها التعليمات وفقا لهذه الآلية. ثم إن هذه التعليمات تكتسب صبغة خاصة في أيام المناسبات الدينية، فيتوجب على التلامذة مواصلة العبادة وغيرها ليلا ونهارا. وقد ورد في إحدى الصلوات، التي أطلق عليها صلاة قائم آل محمد، أنه يتوجب على المصلين عقب الفراغ من صلاتهم السجود على الأرض، وقول: «يا الله»، «يا كريم»، «يا رب»، ومن ثم قول: «إلهي بحق السيد» 351 مرة. ويذكر أنه يتوجب على أتباع السيد الاحتفاظ بسرية علاقتهم به، وعدم البوح بها حتى إلى زوجاتهم، فقد أفهموهم بأن السيد على اتصال بالإمام المهدي(عج).
في مدينة قم أيضا كان هناك شخص إدعى لبعض سنوات اتصاله بالمهدي(عج)، ومن ثم إدعى أنه المهدي تحديدا! كان هذا الرجل قد حفر في غرفته حفرة، فكان يدخل الغرفة ويختبئ في الحفرة، ويوحي إلى زوجته وأخيها أن يخبروا أنصاره المنتظرين خلف الباب بأن الأرض طويت له، وذهب للزيارة، فكان أنصاره يصدقون القصة بمجرد دخولهم الغرفة وعدم عثورهم عليه. كما كان هذا المفتري يذهب معهم إلى مسجد جمكران مشيا على الأقدام، وعلى مشارف المسجد يخفي نفسه عن الأنظار تحت جسر مدخل جمكران، وسرعان ما تدعي الزوجة وأخوها أن الرجل غاب عن محبيه غيبته الصغرى. لقد استطاع هذا الشخص أن يستقطب عددا لا بأس به من الأنصار والمؤيدين، بمن فيهم ذوو المناصب أيضا، لكنه حين إعتقل بصحبة أهم هؤلاء الأنصار، ووضع في سرداب، طلب منه أصحابه أن يستعين بصلاحيات إمامته، ويخلصهم من المأزق، وحين عجز هذا الإمام المزيف عن تلبية مطلبهم أدركوا خطأهم والخديعة التي وقعوا فيها.
أيضا كان هناك شخص يدعى(م. ع) إدعى الإتصال بالإمام المهدي(عج) بشكل جاد، وبعد مضي بضع سنوات وسع دائرة إعلانه عن ادعاءاته بنحو ملحوظ. وكان هذا الرجل في عام 1991م يعمل في مديرية تربية طهران كمعلم خصوصي، ثم حكم عليه وأدين؛ بسبب تلقيه مبالغ غير قانونية من الطلاب، وفساده الإداري، وخلال المدة ذاتها سجن أكثر من مرة بسبب إصدار شيكات بلا أرصدة، ثم عكف لثماني سنوات على مزاولة نشاطه في موضوع الاتصال بالإمام(عج)، وصار يعقد جلسات دينية لبعض النسوة، وبعد ازدهار هذه الجلسات راح يعمل على صياغة بعض الأدعية والأحراز الخاصة؛ لحل مشاكل جميع الناس، حتى إبتكر لنفسه طريقة العلاج بالأنوار.
في السنة الماضية حين تحدثت الأخبار عن رصد أجسام مضيئة في السماء جاء الرجل المذكور بمبادرة لافتة، حيث أعلن أن هذه الأجسام والصحون الطائرة هم أصحاب الإمام المهدي(عج). وكان يصف نفسه بأحد قادة الإمام وأصحابه، وأنه كان يذهب إلى الجزيرة الخضراء لتلقي الأوامر من الإمام أيضا. ولم يكتفِ المدعو (م. ع) بهذه الافتراءات، وحين رأى الأجواء مساعدة بين أنصاره بدأ شيئا فشيئا تأسيس فرقة خاصة، من خلال تشريع بعض القوانين والتعليمات، ثم راح يمنح شرف (السيادة) والانتماء إلى الرسول(ص) إلى أنصاره، زاعما أن الإمام الحجة(عج) قد أمر بذلك، وعليه تم إجراء مراسم خاصة أطلق عليها ، تم خلالها تقليد الحاضرين بأوشحة خضراء، تعبيرا عن (السيادة)، منحت من قبل الإمام(عج)، بحيث بات من الواجب عليهم ارتداء الوشاح، وادعاء لقب (السيد). ثم بعد أن بلغ أنصار (م. ع) السبعين إبتدع لهم شيئا جديدا، فإصطحبهم إلى الاعتكاف في صحاري أطراف مدينة طهران لمدة أربعين يوما؛ ليمارسوا عبادتهم وتهجداتهم؛ انتظارا لظهور فرج الإمام(عج). وكان قد ادعى الرجل أن هذا الاعتكاف جاء بأمر من الإمام نفسه، وهو المتكفل بجميع نفقاته أيضا، وأنه(عج) سيبارك الاعتكاف من خلال حضوره في جميع الصلوات الخمس الواجبة، ليؤم المعتكفين! لذا طلب ـ في بادئ الأمر ـ من أحد أنصاره ـ وكان سائق أجرة ـ أن يقوم بمهمة التكبير للإمام(عج) في تأدية صلاة الجماعة، لكن سرعان ما انكشف عجزه عن تأدية هذه المهمة بالشكل المطلوب، وراح الشك ينتاب بعض الحاضرين إزاء جميع ما قيل لهم، فبادر المدعو (م. ع) إلى عزل السائق، وإستبداله بصبي في التاسعة من عمره؛ لكونه حسن المنظر من جهة، ولأنه إن أخطأ في شيئ فسيغفر له الآخرون؛ لصغر سنه من جهة أخرى.
كانت هذه الجماعة ترى في المراجع عقبة في الترويج لبدعهم ومعتقداتهم، لذا لجأوا إلى سلاحهم المعهود، فإدعوا في اجتماعاتهم أن الإمام(عج) يشجب مواقف العلماء العلمية، وأنه قال: إن المراجع قد إنغمروا بحجابات الفقه.
ومن أولئك المفترين أيضا السيد (ج. أ)، الذي كان قد أسس جمعية تزكية النفوس في جميع أنحاء البلاد، وعقد دورات تعليمية مختلفة في هذا الصدد. وقد طلب مؤخرا ممن يرغب في التقدم إلى دورات تزكية النفس التوقيع على استمارة مكونة من (25) فقرة، ويتعين عليهم بعد ذلك الدخول في إمتحانات تنظم أسئلتها من كتب الشخص المذكور، وبعد إجتياز الاختبار بنجاح يرشح الأفراد من قبل رئاسة الجمعية في قم للمشاركة في تلك الدورات. وطبقا لبنود الإستمارة يتعين على السالك إلى الله قراءة كتب السيد قبل الشروع بمراحل تزكية النفس. وقد عمل هذا الشخص بصحبة مجموعة أخرى على الترويج للعديد من الانحرافات على مستوى البلاد خلال سنتين أو ثلاث ، فكانوا يعقدون اجتماعات أسبوعية، معظمها في حديقة كبيرة تقع في منطقة (لواسان)، وهي تضم قصرا فاخرا أيضا، وكانوا في هذه الاجتماعات يتداولون سبل التأثير على الطبقات الدينية، وبث الأفكار المنحرفة، وكانوا يرسلون رسلهم لتنفيذ الخطط في المحافظات.
ومن المفترين أيضا (م. ك)، الذي كان ـ كأبيه ـ يعمل في الاتجاه ذاته، ويدعي لنفسه الاتصال بالإمام(عج). وقد تمكن خلال العشر سنوات المنصرمة من ممارسة نشاطه في مناطق طهران القديمة، والعمل على نشر الخرافة والتزوير. وكان يدعي الاتصال والنيابة عن الإمام(عج)، دون أن يمر بمراحل الحوزة العلمية، مخالفا بذلك صريح النصوص الروائية.
كانت أساليب الدعاية عند الأب والإبن تختلف عما كان عليه السيد (ح. أ)، فقد إتبعا طرقا تقليدية جدا من خلال توزيع المنشورات بين أنصارهما، وعلى جدران مدينة طهران.
وكان للأنصار مساع عقيمةٌ ـ خلال السنوات الماضية ـ للتعريف بالسيد بين زائري مسجد جمكران، حتى وصل الأمر إلى توزيع أشرطة محاضراته عليهم مجانا.
ومن المواضيع ذات الصلة والجديرة بالاهتمام قصة العثور على مخطوطة نسبت إلى الإمام في مساجد طهران ومسجد جمكران، وتم نشرها في صحيفة (خورشيد مكة)، مما أثار جدلا واسعا في الأوساط، وجاء في المخطوطة: "أنا المهدي المنتظر، أقمتُ الصلاة في مسجدكم، وأكلت ما أكلتم، ودعوتُ لكم، فادعوا لي بالفرج." واللافت في الرسالة المنشورة أنها لم تبدأ بالبسملة، كما أن ثمة أخطاء في نص الآية المنسوبة كتابتها إلى الإمام.
د. محمد مهدي شير محمدي/باحث متخصص في الدراسات الأدبية والعرفانية
الهوامش:
(1) الكيسان هو لقب المختار الثقفي، وكان قد انتفض مع رفاقه؛ للثأر لدماء الحسين(ع) وشهداء كربلاء، وكانوا يعتقدون بأن محمد بن الحنيفة هو إمام آخر الزمان."
(2) الميمونية أو الديصانية هم أتباع عبد الله بن ميمون بن ديصان. عاشوا في القرن الثاني من الهجرة، وكان الرجل من الإسماعيلية، ويعتقد بإمامة إسماعيل ابن الإمام الصادق(ع) وابنه.
(3) أقام الإدريسيون دولتهم في شمال أفريقيا. وللاطلاع على تاريخهم راجع: كتاب تاريخ العبر، لابن خلدون.
(4) وهي واحدة من الجناحات السياسية في الفرقة الإسماعلية النـزارية، وكان زعيمها في إيران حسن بن صباح، وقد شن حملات مسلحة ضد السلاجقة أيضا. ولا ينبغي الخلط بين هذه الصباحية والصباحية في القرن الثاني؛ فالصباحية الأوائل هم مجموعة من الشيعة الزيدية الذين يقولون بأفضلية الإمام علي(ع) علي أبي بكر، لكنهم ينفون وجود نص في تقديم علي(ع) على غيره من الخلفاء. أما بالنسبة للإمام حسن بن صباح ـ القرن الخامس ـ فهو من أهل اليمن، وقد دخل إيران عن طريق الكوفة، فأقام في (قم) و(الري). وفي الري اعتنق المذهب الإسماعيلي. وبعد مدة ذهب إلى مصر إبان النـزاع الدائر بين أبناء المستنصر خليفة القاهرة الإسماعيلي ـ نزار والمستعلي ـ على خلافة والدهما. فما كان من الحسن إلا الاعتراف بخلافة نزار، وصار يدعو الناس في إيران إلى مبايعته حين اتخذ من «الموت» ـ شمال قزوين ـ مقرا له؛ ثم أخضع لحكمه قلاعا عديدة في طالقان، وإصفهان، وقهستان، ودامغان، و…، وعندما توفي «كيا بزرﮒ» (الحاكم الأكبر) نصب محتشم الموت زعيما لأتباعه، وكانت وفاته في ربيع الآخر سنة 518هـ.
المصدر: نصوص معاصرة