العالم في سير نحو ربيعه المشرق، حيث تخرج الأرض أثقالها المخزونة والمكنوزة، فتتلألأ بنور ربها ويترنم أهلها (الحمد لله الذي أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء.)
هذا، والإنسان هو الخليفة الذي تحمّل أمانة السير حتى مطلع فجر ذاك الربيع، فبث الله تعالى في الأرض رجالًا كثيرًا، ونساء، وإستعمرهم فيها، وجعل بينهما مودة ورحمة، فبالمودة تتآلف المجتمعات، وبالرحمة تتكامل، وصولًا إلى الرحمة المطلقة، {إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، (قوام الحياة في العالم كما أنه رهن بالرجل فهو رهن بالمرأة بنفس المقدار وبنفس الدرجة. المرأة تتولى بشكل طبيعي أعظم المهام في الخلقة) يقول القائد.
ومعرفة الدور للمرأة العظيم، يكشف لنا حقيقة المكنونات التي أودعها في هذا الكائن. يقول القائد (إذا أراد البلد إطلاق نهضة بناء حقيقية فعليه تركيز جلّ إعتماده ونظرته واهتمامه على الإنسان والطاقات الإنسانية. وحينما يتعلق الأمر بالطاقات الإنسانية ينبغي الإلتفات الى أن النساء هنّ نصف عدد السكان ونصف الطاقات البشرية.)
فما هي طاقات المرأة المودعة فيها؟ وما المسؤوليات الملقاة على عاتقها والتي تتوائم مع طاقاتها؟
خلق الله الإنسان من تراب، وبث فيه نفخة من روحه
من التراب تتعدد الأجساد، وتتمايز الطبائع، وتبقى الروح هي هي، لا تختلف من إنسان الى آخر – في البدء – فالحب واللطف والعقل وكل الصفات هي شأن الروح، وهي على السواء – من حيث الاستعداد – للمرأة والرجل.
يقول الإمام القائد: “يتساوى الرجل والمرأة في الإسلام والإيمان والقنوت والخشوع والتصدق والصوم والصبر والاستقامة والصيانة والعفاف وذكر الله”.
ولكن هذا لا يلغي التمايز الطبيعي بين الرجل والمرأة، بل إن العلاقة بين الطبيعة الجسدية والروح كالعلاقة بين السفن والرياح؛ فتعدد السفن لا يؤثر في هبوب ريح الجذب في أشرعتها لتسير بها نحو المقاصد السامية.
هذا وإن لكل سفينة شراع ينسجم وحجمها، فالشراع الصغير للسفينة الصغيرة لا يمنع وصولها للمقصد، بل هو الكفيل بذلك، ولو كان شراعها كبير لأضر بحركتها.
“إن الإسلام احتفظ للمرأة بالخصوصية النسوية وهي خصوصية طبيعية وفطرية ومحور جميع مشاعر المرأة ومساعيها وإلى جانب ذلك فإن ميادين العلم والمعنوية والتقوى والسياسة مفتوحة أمامها” يقول القائد.
الله سبحانه هو رب العالمين، والكل سائر وفق التربية الإلهية نحو الهدف الأسمى (ليعبدون) والذي في ظله ينال الكل السعادة المطلقة (عبدي أطعني تكن مثلي). وهذه التربية تكتنفها الرحمة من كل جانب (رب العالمين، الرحمن الرحيم)، ولذا عرّفوا الرحمة بأنها إيصال كل موجود إلى كماله. وحيث أن الله تعالى أبى إلا أن يجري الأمور بأسبابها، فسخر لكل إنسان أبوين يرعيانه ويهتمان به، أحدهما يشكل قطب الرحمة في عملية التربية وهي الأم.
نعم، إن التربية هي الدور الأساسي للمرأة، ولكن هذا لا يتعارض مع ضرورة تشكل شخصية متينة وعميقة لديها، كما لا يتعارض ومشاركتها في قضايا الأمة. يقول القائد: “حين يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم، فهذا شيئ لا يختص بالرجال إذ على النساء أيضًا الشعور بالمسؤولية والاهتمام بأمور المجتمع الإسلامي وشؤون العالم الإسلامي وجميع القضايا الجارية في العالم”.
كما يقول “الأهم من كل أعمال المرأة تربية الأولاد وتعزيز معنويات زوجها للخوض في السوح الكبرى”.
دور العائلة
العائلة ركن أساسي لإيصال الفرد والمجتمع الى غايتهما، هي الأرض الخصبة التي تنمو فيها بذور الشخصية الإنسانية القادرة على دخول المجتمع والنهوض به. والأم في العائلة كالماء النازل على البذور المستغرقة في التراب، فيخرج الله بها قابليات وطاقات كل فرد، كما يخرج به نبات كل شيئ.
يقول القائد حفظه الله: “أفضل أسلوب لتربية الإبن هو أن يتربى في أحضان الأم وفي ظل عطفها ومحبتها. النساء اللواتي يحرمن أبناءهن من هذه الموهبة الإلهية يخطئن. و هذا في ضرر أبنائهن وفي ضررهن وفي ضرر المجتمع”.
هذا، والثمرة التي تنتج عن التربية المحاطة بالعطف والرحمة، خلوص الفرد عن العقد لا سيما عقد اليأس، والإنفتاح على عالم المعنويات والروحانيات، وهذا ما أشار إليه القائد بقوله: “من الواجبات المهمة للمرأة هي تربية الإبن بعواطفها وبرعايتها الدقيقة الصحيحة بحيث حينما يكبر هذا الإنسان - سواء كان إبنًا أو بنتًا - يكون إنسانًا سليمًا من الناحية الروحية، وخال من العقد، وبدون مشكلات، وبدون شعور بالذل، والبؤس، والانحطاط والبلايا التي تعاني منها أجيال الشباب والناشئة الغربيين في أوربا وأمريكا اليوم”.
الشيخ حسين شمس الدين/عالم و باحث إسلامي لبناني
المصدر : موقع المعارف الحكمية