أهم أسباب هذا الاكتئاب الحديث هي شعور المرء بعدم الرضا عن ذاته حينما يرى إنجازات الآخرين، وسعادتهم في صورهم ومنشوراتهم، فيضع نفسه في مقارنة معهم، ويصاب بالإحباط.
وفي حين ينتظر بعض الناس الشتاء على أحرّ من الجمر، يصاب آخرون بنوع خفيف من الاكتئاب يسمى باكتئاب تغير الفصول (S.A.D. - Seasonal Affective Disorder)، الذي تشكّل النساء 80% من ضحاياه، وتتراوح أعراضه بين الهبوط المفاجئ في المزاج، مع التعب المستمر، إضافة إلى الحاجة إلى النوم المفرط والشهية المفرطة، وانخفاض في الأداء العام والاجتماعي.
هذه هي خريطة انتشار الاكتئاب على الكوكب
وتؤكد إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن الاكتئاب في تزايد مستمر في العالم، حيث زاد عدد الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، و/ أو القلق من 416 مليوناً إلى 615 مليون شخص بين عامي 1990 و2013، أي بنسبة 50% تقريباً. ويتضرر 10% تقريباً من سكان العالم من الاضطرابات النفسية التي تمثل 30% من العبء العالمي للأمراض غير الخطيرة.
وتشير تقديرات المنظمة إلى أن شخصاً واحداً من كل 5 أشخاص يصاب بالاكتئاب والقلق، في ظل حالات الطوارئ الإنسانية والنزاعات، ما جعل الاستثمار في علاج الاكتئاب والقلق تفوق عوائده رأس المال المستثمر بأربعة أضعاف. فبحسب بيان سابق لمنظمة الصحة العالمية ومجموعة البنك الدولي في عام 2016، يعود كل دولار أميركي واحد يتم
استثماره في علاج الاكتئاب والقلق بفوائد قدرها 4 دولارات أميركية من تحسن الصحة والقدرة على العمل، وذلك فقاً لدراسة جديدة تم إجراؤها بإشراف منظمة الصحة العالمية. وتقدم الدراسة التي تم نشرها في مجلة The Lancet Psychiatry، حججاً قوية لصالح زيادة الاستثمار في خدمات الصحة النفسية في البلدان، لجميع مستويات الدخل الاقتصادي في هذه البلدان.
هذه أحدث توصيات عن تحسين طرق العلاج
وقد نشرت الهيئة العليا الفرنسية للصحة مؤخراً توصيات لتحسين طرق علاج حالات الاكتئاب، ولحثِّ الأخصائيين على تعلم هذه الطرق في سبيل الحد من استخدام مضادات الاكتئاب كدواء أساسي لعلاجه. وأكدت أن "العديد من حالات الاكتئاب لا يتم تشخيصها أو معالجتها في أغلب الحالات، مما يتسبب في ارتفاع حالات الانتحار وتدهور الحياة الاجتماعية والشخصية".
وفي بعض الأحيان، يتم تصنيف حالات الاكتئاب الخفيفة والعابرة أو بعض الاضطرابات النفسية الحادة على أنها اكتئاب شديد، وبالتالي، لا تتم معالجتها بالطريقة المثلى. في المقابل، لا يعني تشخيص حالة الاكتئاب بشكل صحيح أن المريض قد تلقَّى بالضرورة العناية الكاملة، لأن التشخيص مجرد خطوة في طريق العلاج فقط.
وتعتبر نتائج تناول مضادات الاكتئاب غير مرضية، حيث إنها إما تُوصف في كثير من الأحيان لحالات الاكتئاب الخفيف، أو لا تُوصف بالشكل الكافي في حالات الاكتئاب الشديد، أو يتم تناولها دون متابعة أو علاج نفسي.
تشخيص الاكتئاب
لا ينتج عن الاكتئاب الإحساس بالحزن أو "التأزم" فحسب، بل ينتج عنه أيضاً مجموعة من الأعراض التي لا تختفي سريعاً. وتتمثل هذه الأعراض أساساً في المزاج السيئ والخمول، فضلاً عن قلة التركيز وتراجع الثقة بالنفس وتنامي الإحساس بالذنب. بالإضافة إلى هيمنة الأفكار أو الممارسات التي قد تؤدي إلى اضطرابات النوم وفقدان الشهية، علاوة على الأعراض التي تؤثر على الحياة المهنية والاجتماعية والأسرية، التي تتسبب في إحساس المريض بالضيق، وقد يدفع إلى الانتحار.
هذه هي درجات الاكتئاب المعروفة
يعد "مقياس بيك" وسيلة لقياس مدى إصابة الإنسان بالاكتئاب، مع تحديد نوعه وشدته، وهي الوسيلة التي ابتكرها الطبيب النفسي الأميركي آرون بيك، ويعتمد على مجموعة من الأسئلة يصاحبها عدد من الاختيارات، تتناول الأعراض الأساسية للإصابة بالاكتئاب، على رأسها الحزن وكراهية النفس والتشاؤم من المستقبل والإحساس بالندم، وكذلك فقدان الشهية والرغبة الجنسية وعدم الاهتمام بالآخرين.
ويتم حساب نتيجة الاختبار بجمع النتائج التي قام من أجرى الاختبار بالإجابة عنها، حيث تشير الدرجة من 0 إلى 9 لعدم وجود اكتئاب، بينما تزيد درجة الإصابة بالاكتئاب مع زيادة الدرجة كالآتى: 10 - 15 اكتئاب بسيط، 16 - 23 اكتئاب متوسط، 24 - 36 اكتئاب شديد، 37 فأكثر تعني إصابة الشخص باكتئاب شديد جداً.
كيف يمكنك إجراء الاختبار؟
وبشكل عام يمكن تصنيف الاكتئاب وفقاً لمستويات ثلاثة، وهي إما: طفيف أو متوسط أو شديد. وفي حالة الاكتئاب الطفيف، يواجه المريض بعض الصعوبات أثناء القيام بأنشطته اليومية، على صعيد العمل والأسرة والحياة الاجتماعية، ما يتطلب منه بذل جهد إضافي لإتمامها. وفي حالة الاكتئاب المتوسط، يصبح القيام بهذه الأنشطة اليومية مهمة صعبة للغاية. أما في حالة الاكتئاب الشديد، فيكاد يكون من المستحيل على المريض ممارسة أي من هذه الأنشطة.
وهذ مضادات الاكتئاب الأكثر نجاحاً
سواء كان الاكتئاب طفيفاً أو شديداً، يجب أن يعتمد العلاج أساساً على الدعم النفسي (أي العلاج النفسي). أما بالنسبة لمضادات الاكتئاب، أو الأدوية التي تحسن الحالة المزاجية للمريض فيجب وصفها وفقاً لكل حالة على حدة، حيث أوضحت الهيئة العليا الفرنسية للصحة في هذا الإطار، أن على الأطباء عدم وصف تلك الأدوية في حالة الإصابة بالاكتئاب الطفيف، في حين ينبغي وصفها للمصابين بحالة اكتئاب شديد".
من جهة أخرى، تعد كل من الوصفة الطبية ومتابعة حالة المريض بصفة منتظمة لمدة تتراوح بين أربعة وثمانية أسابيع أمرين ضروريين لتقييم فاعلية ونجاعة العلاج. كما يجب أن يستمر العلاج حتى بعد اختفاء الأعراض لفترة تمتد من ستة أشهر إلى سنة، تجنباً لتعرض المريض إلى انتكاسة، والتوقف عن العلاج تدريجياً وتحت إشراف الطبيب.
ثلاث فئات عمرية يجب مُراقبتها جيداً
أولاً، يجب مُراقبة كبار السن، وخصوصاً مِن الذين يمرون بفترة حزن لفراق قريب لهم، لأنهم قد يقدمون عليه بسبب حالة الاكتئاب التي يمرون بها، فضلاً عن ذلك، لا بد من متابعة النساء بعد حالات الوضع، مع أهمية معرفة الفرق بين "اكتئاب ما بعد الولادة" ورد الفعل العاطفي والجسدي بسبب الولادة، الذي لا يدوم طويلاً، ولا يتطلب علاجاً طبيا.
وقد نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً عن دراسة حديثة تؤكد أن ما لا يقل عن 10% من الأمهات حول العالم يعانين من أشكال مختلفة من القلق والاكتئاب بعد الولادة، وتتضمن: الحزن، والأرق، وعدم التركيز. وهي غالباً ما تنشأ من التغيرات الهرمونية والنفسية التي ترتبط مع أعباء الأمومة.
وتصعب ملاحظة علامات الاكتئاب لدى المراهقين، الذين يعجزون عن التعبير بوضوح كافٍ أحياناً عن مشاعرهم، وأحياناً ما يُساء فهمهم من قِبَل الآخرين، الذين يعتبرون تغيرات المراهقين المزاجية مرتبطة أساساً بسن المراهقة، فتفوتهم علامات الإصابة بالاكتئاب.
المصدر: هاف بوست عربي
105-101