فعلى الرغم من نهاية الدولة المزعومة، التي أعلنها صيف 2014، وتشرذم عناصرها، فإن مصير البغدادي، الذي يعد المطلوب الأبرز للعدالة على مستوى العالم، ظل غامضا.
بين العراق وسوريا
وتتباين التقديرات بشأن مكان اختباء البغدادي بعد هزيمة تنظيمه، إلا أن أغلب الآراء تجمع على تواجده في مكان ما بين حدود العراق وسوريا.
ويقول الباحث والمستشار الأمني لخلية “الإعلام الحربي” العراقية (تتبع وزارة الدفاع)، سعيد الجياشي، لوكالة “الأناضول”: “نعتقد أنه (البغدادي) ما زال داخل الحدود السورية في المنطقة التي لا تزال بيد داعش على حدود العراق”.
ويرجح الباحث في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي أن زعيم التنظيم لم يبتعد كثيرا عن الأراضي العراقية وتحديدا المنطقة التي قتل فيها سابقا كل من أبي عمر البغدادي وأبي حمزة المهاجر.
وكان أبو عمر البغدادي زعيما لتنظيم القاعدة في العراق، وقتل إلى جانب وزيره الأول أبي حمزة المهاجر في قصف جوي لطائرات أمريكية على منطقة الثرثار في محافظة صلاح الدين، شمال العراق، في نيسان/ أبريل 2010. ونصب التنظيم أبا بكر البغدادي خلفا لأبي عمر.
ويقول الهاشمي، الذي يقدم المشورة لعدد من حكومات المنطقة بينها بغداد بشأن تنظيم الدولة، إن “المعلومات الاستخباراتية الأولية ترجح أنه يتواجد في منطقة الثرثار”.
ونصب البغدادي نفسه “خليفة” للمسلمين، خلال ظهوره العلني الوحيد في تموز/ يوليو 2014 بجامع النوري الكبير بمدينة الموصل عندما أعلن قيام ما أسماها “الدولة الإسلامية”.
وبعد ثلاث سنوات من الحرب الطاحنة، التي شنتها قوات عراقية وسورية بدعم من تحالف دولي مكون من أكثر من 60 دولة، خسر البغدادي كل أراضي “دولته” في العراق، وبات على وشك خسارة ما تبقى منها في سوريا.
تفويض لمساعديه
وفرض هذا الواقع الجديد على التنظيم وزعيمه اتباع تكتيك جديد لترتيب شؤونه والحفاظ على كيانه، من خلال تشكيل لجنة تتولى مهام “الخليفة” على اعتبار أن البغدادي لا يمكنه التحرك كما في السابق.
ويقول سعيد الجياشي إن “تفكك التنظيم بدأ قبل معارك تحرير نينوى (تشرين الأول/ أكتوبر 2016)، وكانت هناك، بحسب المعلومات، لجنة سميت باللجنة المفوضة وأعطيت لها صلاحيات الخليفة لتباشر إدارة الولايات والدواوين”.
وأشار إلى أن “هناك معلومات أفادت بأن منصب الخليفة شاغر لأن البغدادي فقد أهليته في إدارة التنظيم، الا أن التنظيم نفسه نفى صحة تلك المعلومات”.
ويعتقد الجياشي أن التنظيم يحاول إعادة ترميم صفوفه فكريا، ويقول: “سيركز في هذه الفترة على الترميم الفكري وما تبقى من التنظيم”.
والبغدادي، البالغ من العمر 47 عاما، اسمه الحقيقي إبراهيم السامرائي، ولد في مدينة سامراء التابعة لمحافظة صلاح الدين (شمالا). وانشق عن تنظيم القاعدة في 2013 أي بعد عامين من مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن.
وتربى البغدادي في كنف أسرة متدينة ودرس الفقه الإسلامي في بغداد. وعند الغزو الأمريكي للعراق في 2003 انضم البغدادي إلى “السلفيين الجهاديين” لمحاربة القوات الأمريكية وحلفائها من القوات العراقية.
اعتقلته القوات الأمريكية في 2004، لكنها أطلقت سراحه بعد عشرة أشهر لأنها اعتبرته آنذاك “مدنيا وليس هدفا عسكريا”، أما الآن فقد رصدت واشنطن مبلغ 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تفضي لمقتله أو اعتقاله.
ملاحقة البغدادي
ورغم أن أغلب الترجيحات تشير إلى وجود البغدادي في إحدى المناطق الصحراوية العراقية النائية القريبة من حدود سوريا، فإن بغداد ليس لديها أي خطط لملاحقته.
ويقول الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي نائب قائد قوات جهاز مكافحة الإرهاب (قوات النخبة في الجيش) لـ”الأناضول”: “لا توجد خطة واضحة لإلقاء القبض على البغدادي لأن مكانه غير معروف”.
ويضيف الساعدي: “استهدافه ليس سهلا لأنه لا يتواجد في منطقة معركة أبدا، وحتى الآن لا توجد خطة محددة لإلقاء القبض على البغدادي لأننا لم نحدد بعد موقعه بدقة”.
مقتل البغدادي
ومنذ العام الماضي ترد العديد من التقارير حول مقتله، وكان آخرها إعلان الجيش الروسي في منتصف حزيران/ يونيو أنه يحاول إثبات ما إذا كان البغدادي قتل في غارة جوية روسية في سوريا أيار/ مايو.
لكن البغدادي ظهر بالصوت مجددا بعد الإعلان الروسي، حيث بثت المواقع المقربة من تنظيم الدولة في 28 أيلول/ سبتمبر الماضي تسجيلا صوتيا منسوبا له دعا خلاله أنصاره إلى “الصبر والثبات أمام الكفار” بعد الهزائم التي مني بها مقاتلوه في العراق وسوريا.
وقبل خسارة التنظيم الأراضي، التي كان يسيطر عليها في العراق، والتي كانت تقدر بثلث مساحة البلاد، كانت تقارير ترد على فترات متباينة تفيد بأن البغدادي تنقل مرارا في المناطق التي يسيطر عليها تنظيمه بين جانبي الحدود العراقية والسورية.
ومع خسارة التنظيم للأراضي توارى البغدادي عن الأنظار تماما، ومنذ أشهر طويلة لم ترد أي تقارير عن تحركاته وهو ما يجعل مهمة العثور عليه بالغة الصعوبة، وكان آخر تقرير رسمي بشأنه أصدره الجيش العراقي في 13 شباط/ فبراير الماضي.
وذكر التقرير أن طائرات إف-16 العراقية نفذت ضربة على منزل كان يعتقد أنه يجتمع فيه مع قادة آخرين، غرب البلاد، قرب الحدود السورية.
وتنتظر القوات العراقية والأمريكية أي فرصة للانقضاض عليه وقتله إذا تعذر اعتقاله.
ويقول المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية العميد يحيى رسول، لـ”لأناضول”: “بالتأكيد هدفنا الأول هو اعتقاله، لكن في حال تم تحديد موقعه وتعذر اعتقاله فإن القوات حتما لن تتردد في قتله”.