«عودٌ على بدء». عبارةٌ تختصر ما آلت إليه الأمور على صعيد المشهد الانتخابي في «بلاد الرافدين»، مع عودة الحديث إلى «المربّع الأوّل»، والسؤال عن مدى جديّة القوى السياسية في إجراء الانتخابات التشريعية والمحليّة من عدمه، وفقاً للموعد المقرّ من قبل الحكومة الاتحادية في 12 أيّار المقبل.
إنجاز «استحقاق» التحالفات ليس بدليلٍ قاطعٍ على إجراء الانتخابات، خاصّةً أن «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» جاهزة للنزول عند رغبات مختلف القوى، بإعادة فتحها باب تسجيل التحالفات، أو تمديدها، تحت أعذارٍ شتّى. أدلّةٌ أخرى على عدم جديّة القوى السياسية الفاعلة في البرلمان في حسم النقاش الدائر حول «قطعية» إجراء الانتخابات، هي: عدم إقرارها الموازنة العامة لعام 2018 أولاً، وموعد إجراء الانتخابات ثانياً، والقانون الانتخابي المعتمد للدورة المقبلة ثالثاً.
أمس، فشل البرلمان في التصويت على موعد إجراء الانتخابات؛ الأوّل في 12 أيّار المقبل، وهو الموعد الذي أعلنه رئيس الوزراء حيدر العبادي، أما الثاني فهو في الأوّل من كانون الأول. التصويت السرّي تم بعد موافقة 149 نائباً، من أصل 269 نائباً حضروا الجلسة، في وقتٍ رفض فيه «التحالف الوطني» النتيجة، وطالب بإعادة التصويت واحتساب عدد الأصوات مجدّداً. هنا، رفض رئيس مجلس النواب سليم الجبوري إعادة التصويت السري ثانية، فرفع الجلسة لمدّة عشر دقائق للمناقشة والتشاور مع قادة الكتل السياسية، من دون أن يصل إلى نتيجة كي يستأنف الجلسة ثانيةً، ما أدى إلى انسحاب كتلة «التحالف الوطني» الرافضة لفكرة «التصويت السرّي على موعد الانتخابات المقبلة أو تأجيلها، مشدّدة على ضرورة إجرائها في موعدها الدستوري والقانوني»، وفق بيانها. انسحاب كتلة «التحالف» أدّى إلى خلل في نصاب الجلسة، التي رفعها الجبوري إلى السبت المقبل.
وبمعزلٍ عن القوى المطالبة بالتأجيل أو الرافضة له، إلى جانب مواقفها المعلنة وغير المعلنة من جهة، وردود الفعل التي خرجت أمس إثر فشل البرلمان في التصويت على موعد الإجراء من جهةٍ أخرى، كان لافتاً تصريح السفارة الأميركية في بغداد، بتأكيدها دعمها لإجراء الانتخابات في موعدها، واعتبارها أن «التأجيل سيشكّل سابقة خطيرة، ويقوّض الدستور، ويضرّ بالتطور الديموقراطي في العراق على المدى البعيد». وأضاف بيان السفارة أن «الولايات المتحدة تقدم المساعدات المساهمة في ضمان سماع واحتساب أصوات العراقيين، بما في ذلك أصوات ما يقرب من 2.6 مليون عراقي لا يزالون نازحين عن ديارهم في المناطق المحررة»، في رسالةٍ واضحة إلى «تحالف القوى» (ائتلاف نيابي، يمثّل معظم النوّاب عن المكوّن السُنّي).
وأشار بيان السفارة، إلى أن «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) ستسهم في تدريب مجموعات المجتمع المدني المحلية على مراقبة الانتخابات، وتزويد مفوضية الانتخابات بستة مستشارين دوليين متخصصين»، لافتةً إلى أنهم «سيقومون بمساعدة المفوضية على تعزيز أنظمتها الانتخابية، وموظفيها، وعملياتها»، حيث سيساعد هؤلاء المستشارون العراقيين النازحين داخلياً في التصويت، من خلال «التركيز على تسجيلهم، وضمان فعالية أنظمة التصويت الإلكتروني».
أما العبادي، فأكّد خلال استقباله رئيس بعثة «الأمم المتحدة» في العراق، يان كوبيتش، على إجراء الانتخابات في موعدها «وفقاً للاستحقاقات الدستورية»، رافضاً محاولات تأجيلها، وفق بيانٍ صادرٍ عن مكتبه الإعلامي، كما أكّد كوبيتش على الموقف الأممي الداعم للعراق بشكل كامل، وضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، بالرغم من ترويج بعثته مشروعاً يدعو إلى تأجيل الانتخابات لستة أشهر، مثمّناً مساعي الحكومة العراقية وجهودها المبذولة لإعادة الاستقرار، والإصلاحات الاقتصادية، ومكافحة الفساد. وإذ يتلطى «تحالف القوى» وراء عجز المحافظات الشمالية والغربية (ذات الأغلبية السُنّية) عن إجراء الانتخابات لعدم عودة النازحين عنها إلى ديارهم، أكّد محافظ الأنبار محمد الحلبوسي، أمس، استعداد أهالي المحافظة للانتخابات في 12 أيّار المقبل، «أملاً منهم باختيار الأفضل، والمساهمة في بناء دولة المؤسسات». بدوره، توعّد النائب الأوّل لرئيس البرلمان، همام حمودي، بكشف أسماء النواب والكيانات التي تعرقل إجراء الانتخابات، معتبراً التلاعب بتوقيتات الدستور «خيانة للشعب»، لأن ذلك يدخل البلاد في فراغ دستوري، ويضيّع كل ما تحقق. وفي السياق، شدّد نائب رئيس الجمهورية، نوري المالكي، على ضرورة الوقوف ضد تأجيل الانتخابات، والدعوة إلى المشاركة الواسعة فيها، موضحاً أن من يأتي بأكثر الأصوات هو من سيشكّل الحكومة.
المصدر: الاخبار