وجاء إصرار ترامب على إنشاء هذه القوة لعدة أسباب أولها استفزاز تركيا الدولة التي حاولت أن تعارض الولايات المتحدة الامريكية بعد إعلان ترامب القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، من خلال احتضانها مؤتمرا عن القدس الشريف واتخاذ قرارات من شأنها تقويض العلاقات بين أمريكا وتركيا وتحديها قرار ترامب جهرة وعلانية إضافة إلى الأزمة الدبلوماسية بين الطرفين واستدعاء السفيرين، مما جعل أمريكا تفكر جديا في معاقبة تركيا بطريقة ذكية لا تثير الشارع التركي، واستطاعت من خلال هذه الخدعة أن تورط تركيا في حرب مع هذه القوة التي تعتبرها تركيا قوة إرهابية من الطراز الأول.
أما ثانيا فتريد أمريكا من خلال هذه القوة أن تؤسس قواعد عسكرية في المنطقة المحاذية لإسرائيل وبالتالي تستطيع أن تحميها من أي هجوم سوري أو إيراني، وهو الطلب الذي تقدم به نتنياهو لترامب ومن ثم تكون المنطقة التي حددتها أمريكا غير خاضعة للحكومة السورية على المدى الطويل كما فعلت في حرب العراق مع العراق، وثالثا وهذا هو الأخطر مواجهة الحكومة السورية وتغيير نظامها بالقوة تحت أي ذريعة من الذرائع مما يعرض سوريا للانقسام والدخول في معركة أخرى شرسة عنوانها محاربة حزب الله وإيران وحقيقتها تقسيم سوريا والقضاء على كل وجود للحكومة السورية، فهل تقدم أمريكا فعلا على هذه الخطوة الخطيرة؟
أما روسيا الحليف الأول لتركيا في هذه المعركة فهي تحاول أن تجد صيغة مناسبة للطرفين التركي والأمريكي، فروسيا لا تريد أن تتصادم مع القوات الأمريكية في سوريا بأي حال من الأحوال ولا أمريكا أيضا تريد ذلك، لأن من مصلحة الطرفين الإبقاء على مسافة الأمان إلا إذا تعرض الأمن القومي في أحد البلدين للخطر، ولكن إلى حد الآن تماسك الطرفان وضبطا النفس إلى حد ما رغم أن روسيا لا تريد أن تبقى أمريكا على الأرض السورية لأنها مصدر إزعاج بالنسبة إليها، ولأنها تعرقل مسيرة الحرب ضد الإرهاب ولكن هي تحافظ على مسار العلاقات في أدنى صوره اليوم بعد الخلافات العميقة بينهما في كثير من القضايا الإقليمية والدولية.
فيما تعرب إيران صراحة عن معاداتها للوجود الأمريكي وتعتبره احتلالا لبلد له سيادة على الأرض، بل تسعى إلى بلورة ذلك واقعا من خلال التنسيق مع الجانب السوري الذي يتبنى الرؤية نفسها، ولكن الحكومة السورية تتريث في اتخاذ أي قرار يمكن أن يحول المنطقة برمتها إلى لهيب من النار، وعلى هذا فإن كلا من سوريا وإيران وروسيا لا تطلق تصريحات نارية ضد الولايات المتحدة الأمريكية لأن ترامب مصرّ على خطوته ويبدو أنه يريد من خلال ذلك أن يؤدب تركيا في المقام الأول ويكبح جماحها لأنه كما يبدو يرى أن تركيا بدأت ترفع مستوى غرورها في المنطقة ويأتي هذا التأديب إما بتوصية من الإمارات الدولة التي تريد هي الأخرى أن تعاقب تركيا على تصريحاتها الأخيرة واستفزازاتها لعبد الله بن زايد ومحمد بن زايد أو لكسر هيبتها وتمريغ أنفها في التراب بعد مشاركتها ضد قرار ترامب.
لتبقى تركيا في النهاية أمام مأزق مع الولايات المتحدة الأمريكية، لا تدري ما الذي تفعله أتواجه هذه القوة بمفردها كما توعّد ذلك أردوغان أم أنها تستنجد بقوات أخرى تشاطرها الرأي، فهي في وضع لا تحسد عليه، وليس أمامها سوى ذلك، لأنها تعتبر الأكراد إرهابيين ولا حوار مع هذه القوة مهما كانت قوتها، فهل تتدخل أمريكا وتحاول أن تقنع تركيا بأن هذه القوة لا تشكل خطرا عليها وإنما أسستها لمواجهة النظام السوري؟ أو أن تدخل تركيا في حرب لا يعرف مداها ولا أخطارها في المنطقة في وقت مازالت الجبهة السورية ساخنة؟ أو تستنجد تركيا بالحليف الروسي لإخراجها من هذه الأزمة وربما أيضا بالرئيس بشار الأسد للتفاوض مع الأكراد لأنه ربما يقدر على أن ينهي هذا الملف بالتعاون مع الجانب الروسي في إطار صفقة سياسية وعسكرية مع أمريكا.
وفي كل الأحوال فإن تركيا اليوم لا يهدأ لها بال إلا بعد أن ترى هذه القوة تتفتت أمام عينيها، لأنها مسألة قومية بالدرجة الأولى، ولأن المحيط الذي تعيش فيه ساخن يستدعي اليقظة والحيطة والحذر، خاصة وأن تركيا اليوم ليست كتركيا الأمس.
المصدر: صحيفة رأي اليوم