فتبادل «الرسائل النارية» مستمر بين التيار الوطني الحر وحركة امل، وتقدمت النقاشات الحادة حول تعديل قانون الانتخاب على «حرب المرسوم»، وفيما بدأت تخرج من بعبدا مؤشرات سلبية حول الحل الذي اقترحه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الموجود في طهران، تلقى رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري «رسالة» تحد بالغة الدلالة من طرابلس، من خلال مؤتمر صحافي لوزير العدل السابق اشرف ريفي الذي رفع سقف انتقاداته وشن هجوما حادا على كل من الحريري والمشنوق.. وذلك بعد أقل من اسبوع على لقائه السفير السعودي في لبنان وليد اليعقوب.
في هذا الوقت عاد الملف الامني الى الواجهة من جديد مع تحذير السفارة الكندية في بيروت رعاياها من السفر الى لبنان، وذلك في سياق ما اعتبرته اوساط مطلعة بداية رفع سقف الضغوط على حزب الله، خصوصا انها حددت مناطق في الضاحية الجنوبية، وحذرت الكنديين من زيارتها تخوفا من وقوع اعتداءات ارهابية..؟ هذا التحذير جاء بعد ساعات على تفجير صيدا الذي استهدف احد قياديي حماس محمد حمدان، ووفقا للمعلومات فقد بدات تتجمع «خيوط مهمة» في هذا الاستهداف الذي يحمل «بصمات» اسرائيلية، وتتابع الاجهزة الامنية عملها للكشف عن المتورطين «العملانيين» على الارض بعد ان اتضح ان التفجير حصل عن بعد...
«ضغوط اميركية»
هذه المناخات «الملبدة» لم تكن مفاجاة لاوساط وزارية بارزة، أكدت ان هذه الاجواء المتوترة داخليا سبقتها مؤشرات اميركية مقلقة، وفي هذا السياق، وبعد ساعات على قرار القضاء الاميركي بانشاء وحدة خاصة للتحقيق حول تورط حزب الله في الإتجار بالمخدرات، وتسريب معلومات عن ارسال وحدة تحقيق تضم اكثر من 10 اعضاء لجمع معلومات حول ما تعتبره شبكات تجارة المخدرات التي يستفيد منها الحزب لتمويل نشاطاته داخل لبنان وخارجه، تمهيدا لرفع تقرير الى القضاء الاميركي لاتّخاذ الاجراءات المناسبة لتفكيكها، افصح الاميركيون عن الاسباب الكامنة وراء رفع الضغوط على الحزب، وجاء شرح الاسباب على شكل «تهديدات مبطنة» حملت من جهة الحرص على استقرار لبنان في ظل ما يسميه الاميركيون رغبة اسرائيلية في التصعيد، ولكنها من جهة اخرى حملت نوعا من «الشروط « الاسرائيلية لكبح جماح الحزب في سوريا وعلى امتداد الجبهة الشمالية وصولا الى فلسطين.. «والا» .
«مطلب وضمانتين»
وتفيد تلك الاوساط التي اطلعت على فحوى لقاءات للسفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد، ووفود اميركية غير مدنية، مع عدد من المسؤولين اللبنانيين، جرى بعضها بعيدا عن الاضواء، ان اللهجة الاميركية تبدلت واصبحت اكثر حدة من قبل.. ولفتت الاوساط الى ان الاميركيين يحصرون مطالبهم هذه المرة بعيدا عن الداخل اللبناني، فالمعطيات لديهم ان الانتخابات النيابية ستعزز وضع الحزب في الداخل، ولا جدوى من اي تجميع «للاعداء» في مواجهته لانه محصن ضمن طائفته ونجح في تشكيل «شبكة» من العلاقات مع الاطراف الاخرى يصعب خرقها... ولذلك فان الضغط على الحزب ينحصر في سوريا وعلى الحدود الجنوبية ودوره داخل فلسطين ...
ونقل الاميركيون مطلبا واضحا لوقف حزب الله العمل مع الحرس الثوري الإيراني جنوب سوريا وبالقرب من خاصرة اسرائيل فالمعطيات الأمنية الاميركية المتطابقة مع معلومات استخباراتية عربية تتحدث عن عمل منهجي يتم العمل عليه لاستنساخ حزب الله جديد بنسخة سورية بالقرب من المثلث الاردني ـ السوري- الاسرائيلي، وهو ما تعتبره اسرائيل خطرا استراتيجياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولم تنجح في هذا السياق ترتيبات خفض التوتر التي دخل فيها الاردن بشراكة مع روسيا، ورضا اميركي في منع حزب الله من مواصلة العمل في تلك المنطقة، ولم تنجح الغارات الاسرائيلية المنتقاة بعناية في خلق جدار من الردع هناك، والعمل مستمر، فيما يستعد حزب الله مع الجيش السوري بعد استعادة السيطرة على معظم «سوريا المفيدة» والتقدم نحو مدينة إدلب في شمال سورية، لشن هجوم وشيك لضرب المتمردين واقتلاعهم من المناطق المحاذية لإسرائيل في هضبة الجولان، هذا ما قاله الاميركيون حرفيا، اضافة الى بحثهم عن ضمانتين لصالح الاسرائيليين.
تقديرات «خاطئة»
وفي هذا الاطار، يعتبر الاميركيون انه اذا كانت تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية عام 2018 قد أكدت ان احتمالات تعرض إسرائيل الى هجوم وشيك هي احتمالات ضئيلة تصل إلى «الصفر» تقريبا، فان الاميركيين يملكون تقديرات مختلفة تشير الى ان ازدياد خطر التدهور إلى درجة الوصول إلى حرب احتمال قائم، فالاستخبارات الاميركية قلقة جدا من سيناريوهين محتملين، أولا حصول تدهور مفاجىء على الجبهة الشمالية نتيجة رد حزب الله على الغارات الإسرائيلية في سوريا، والثاني اشتعال الساحة الفلسطينية مجددا بعد عودة «الحياة» الى «الشريان الحيوي» الممتد من طهران وصولا الى غزة، وقد عادت «بصمات» حزب الله لتظهر بشكل جلي في الاراضي الفلسطينية، سياسيا، وعسكريا..
وقد اشاروا الى ان ما اشعل «الضوء الاحمر» في اسرائيل، وبصورة استثنائية عودة كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكرية لفتح الى التحرك، في ظل معلومات عن عودة التواصل مع حزب الله.. ولفت الاميركيون انهم يبذلون جهودا مضنية ايضا في قطاع غزة من أجل احتواء العنف والامتناع عن تدهوره إلى مواجهة عسكرية... بعد ان ازداد عدد الطائرات من دون طيار والتي يطلقها الفلسطينيون، وهو امر تعتبره اسرائيل جزء من حاولة لجمع معلومات تمهيدا لعمليات عسكرية، وهذه التكنولوجيا يستخدمها بكفاءة عالية حزب الله في سوريا وبات الآن في متناول حركتي «الجهاد» و«حماس» في القطاع..
«تهديد مبطن»
وتم ابلاغ الجانب اللبناني، ان الولايات المتحدة لم تعد قادرة على «كبح جماح» الاسرائيليين في التدخل اكثر بشكل منهجي ومتدرج صعودا في سوريا بسبب تدهور الوضع الاستراتيجي على الجبهة الشمالية، وكلما زادت هجمات إسرائيل يزداد الاحتكاك المحتمل خصوصا مع حزب الله ويزداد الخطر الذي قد يستدعي ردا اكثر عنفا....وقد سرب الاميركيون معلومات مقصودة عن توجهات اسرائيلية لتوسيع رقعة الهجمات وتكثيفها واشاروا الى ان اجتماع المجلس الوزاري الاسرائيلي يوم الاحد الماضي خلال الجلسة المطولة التي عقدت للبحث الوضع في الجبهة الشمالية، انتهى الى اتخاذ قرار بالتحرك اكثر على الجبهة الشمالية ولن يقتصر الامر على الاراضي السورية، ويبدو ان لدى الاسرائيليين توجه لتجاوز الحدود السورية واستهداف مناطق «نائية» داخل لبنان يشتبه بوجود اسلحة «كاسرة للتوازن»،لايصال «رسالة» «رادعة» لحزب الله...
وذكر الاميركيين محدثيهم انه بعد ساعات من الجلسة، فجر يوم الثلاثاء شن الاسرائيليون هجوما استهدف مخازن أسلحة للجيش السوري وحزب الله في ضواحي دمشق بالطائرات وبصواريخ أرض ـ أرض اسرائيلية.. وفهم الجانب اللبناني ان الاميركيين يحاولون «ابتزاز» الحزب والمقايضة على هذا الملف من خلال تفعيل الاتهامات المفبركة بتورط الحزب بتجارة المخدرات..!!
طبعا الجانب اللبناني الرسمي يتعامل بجدية مع هذه المعطيات الاميركية، ويدرك الاميركيون ان المطلوب من الدولة اللبنانية لعبت دور «صندوقة البريد» لا اكثر ولا اقل، دون توقعات كبيرة ازاء ما يمكن ان تقدمه من ضمانات او وعود خصوصا ان حزب الله سبق ورفض مقايضات اميركية سابقة، لكن الخطير هذه المرة ان الاميركيين اوحوا في كلامهم انهم قدموا ما عليهم من «نصائح» وعلى الطرف الاخر تحمل المسؤولية.. خصوصا ان البيت الابيض عمم قرارا عبر وزارة الخارجية يقضي بالتركيز في هذه المرحلة على «اذرع» إيران في المنطقة بعد تاجيل الرئيس دونالد ترامب قراره بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني.
«حرب المرسوم»
على الصعيد الداخلي ومع توقف الوساطات، برز عدم تحرك رئيس الحكومة سعد الحريري اتجاه تسويق مباردة الرئيس بري لحل أزمة المرسوم، وتعزو أوساط في «المستقبل» تريث رئيس الحكومة الى تلقيه «اشارات» سلبية من بعبدا حيال اقتراح دمج المراسيم، وهو يريد انضاج الفكرة اكثر قبل «حرق المراحل» وهو قد يرجىء تحركه الى يوم الخميس المقبل قبيل جلسة الحكومة، ما لم يطرأ تطور يدفعه الى زيارة القصر الجمهورية.. وفي هذا الاطار رد رئيس مجلس النواب من طهران التي وصلها للمشاركة في مؤتمر اتحاد مجالس دول منظمة التعاون الاسلامي على سؤال عن مسألة مرسوم الضباط، فقال: «تقدمت باقتراح اعتقد انه مفيد للجميع وللبنان ولا يضر اي شخص ولا يعطي غلبة لأحد وآمل ان يقبل. في حال عدم القبول، اجد صعوبة» ...وسئل ايضا عن دعوة البعض الى تعديلات لقانون الانتخاب، فأجاب: «دعني من الازمة اللبنانية، الآن اتكلم على شيء أهم»...
حراك.. وسجالات انتخابية
ومع انطلاق «الورش» الداخلية لدى كافة الاحزاب السياسية لرسم خريطة التحالفات المقبلة، عقد اول لقاء جدي بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر في سن الفيل في اجتماع ضم الوزير جبران باسيل والنائب ابراهيم كنعان ووزير الاعلام ملحم رياشي، في محاولة «لرأب الصدع» بين الجانبيين، وفيما أكد كنعان انه لا عودة الى الوراء في العلاقة بين «التيار» «والقوات»، واكد وزير الاعلام من جانبه ان المصالحة المسيحية- المسيحية ايضا مستمرة، لفتت اوساط مطلعة على اللقاء ان البحث لا يزال جاريا في الملفات الخلافية التي لم تحل بمعظمها في ظل تعقيدات انتخابية خلقتها «القوات» في بعض الدوائر وتريد فرضها كأمر واقع، فيما الملف السياسي يحتاج الى المزيد من البحث والتعمق وايضا الوقت... من جهته شن وزير العدل السابق أشرف ريفي هجوما حادا من طرابلس على الرئيس الحريري واتهمه بانه الان في العودة الى «سجن» حزب الله، كما انتقد بشدة وزير الداخلية نهاد المشنوق.
* ابراهيم ناصرالدين/ الديار