وهذا ما جعل أنقرة تهدد وتنفذ تهديدها باستهداف قاعدتي حميميم وطرطوس الروسيتين في الساحل السوري عبر دعم جماعاتها بطائرات بدون طيار متطورة إلى حد كبير ومحملات بقذائف لاستهداف المواقع الروسية، في رسالة واضحة لموسكو أن قطع يد أنقرة في سوريا يساوي تهديد اليد الروسية في سوريا أيضا، وبالرغم من نفي زعيم الكرملين فلاديمير بوتين، وجود أي علاقة بين أنقرة والطائرات التي استهدفت القاعدتين، إلا أنه نفي يوحي بالعكس، فالطائرات خرجت من محافظة إدلب التي تهيمن عليها أنقرة، التي تعلم بكل رصاصة دخلت أو ستدخل إليها، وإذا لم تكن هي من زودت الفصائل المسلحة بهذه الطائرات، ولكن سهلت وصولها لهم وغضت الطرف عن دخولها لنفس الهدف.
وقالت موسكو إن من استخدمها تلق تدريباً في الخارج، أين مثلا تلقوا هذا التدريب في أكاديمية ساندهيرست البريطانية أم في الأكاديمية العسكرية الأميركية؟ أم تلقوا هذا التدريب على يد ضباط دولة جارة؟ واللافت في الهجوم أنه جاء في نفس وقت معارك إدلب وتوقفت بعد مكالمة إردوغان بوتين، ولكن أنقرة ليست خلفها!!!
ما يجري الآن في إدلب يشبه إلى حد كبير ما جرى في محافظة حلب في الشهر الثاني من عام 2016 وبعيد فك الحصار عن نبل والزهراء، حيث أحرز الجيش السوري تقدماً كبيراً باتجاه الحدود مع تركيا ووصل إلى مدينة تل رفعت، وكانت شبه محررة وساقطة نارياً حالها حال مطار أبو الضهور الآن، ولكن لجوء أنقرة إلى موسكو ومطالبتها بإيقاف الهجوم أنهى كل شيء في تلك المنطقة.
إن توقف الهجوم الآن في إدلب سيكون من الصعب تحريك الجبهة مرة أخرى، لأن الجماعات المسلحة وحتى اللحظة لم تستوعب الهجوم، إضافة إلى أن الخلافات تضرب أوساط المسلحين بشكل كبير وهو ما يسهل هذه العملية تحديدا.
اللافت في هجوم النصرة ومن معها على مواقع الجيش السوري في ريفي إدلب وحماة، هو وجود عربات مدرعة من نوع "بانثير" تمتلكها أنقرة، فكيف وصلت ليد النصرة الإرهابية؟
خلال أسابيع معدودة تهاوت مواقع جبهة النصرة وأحرار الشام والحزب التركستاني في أرياف حماة وادلب وحلب المتصلة فيما بينها، وبات الجيش السوري على أبواب مطار أبو الضهور العسكري أحد أهم القواعد العسكرية في الشمال السوري، ويشكل في حال تحريره نقطة ارتكاز مهمة للعمليات في غرب محافظة إدلب وخصوصاً على اتجاه بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين إضافة إلى مدن سراقب ومعرة النعمان وأريحا وإدلب.
بعد هذه المعطيات هل لاتزال موسكو تعتقد أن أنقرة هي شريك في مكافحة الإرهاب أو طرف ضامن وليست شريك أساسي في تغذية الإرهاب؟ وهناك سؤال مهم يطرح نفسه هل ستتحول الحرب المفروضة على سوريا إلى حرب أفغانية أخرى أو عشرية حمراء جزائرية وتستمر عشر سنوات مثل البلدين؟
ربما على موسكو أن تعي أن الحرب في سوريا لا يوجد بها لون رمادي، فإما معنا أو علينا، وقد تعرضت روسيا لعدة طعنات من قبل واشنطن وأنقرة خلال تواجدها في سوريا، والسؤال هل تنتظر طائرة أخرى تسقط بنيران تركية أو أميركية لتعي ما يحصل؟
* إبراهيم شير