وكما كان متوقَّعاً، دخلت تل أبيب سريعا على خط العمليات الدائرة لمؤازرة “نصرتها” التي باتت في وضع عسكري لا تُحسد عليه أمام زحف الجيش والحلفاء، وشنّت طائراتها 3 هجمات جوية متلاحقة فجر الثلاثاء على منطقة القطيف بريف دمشق، بدأتها من فوق الأراضي اللبنانية، لتتبعها بصاروخَي أرض – جو أطلقتهما من الجولان، قبل أن تعاود للمرة الثالثة إطلاق أربعة آخرى من منطقة طبريا. ومرة جديدة سارعت الدفاعات الجوية السورية للرد على الطائرات المعادية، لتصيب إحداها وتدمّر صاروخين، فيما ذهبت مصادر صحفية لبنانية إلى تأكيد إصابة طائرتين معاديتين، كاشفة أن الرد الدفاعي التصاعدي للجيش السوري على الغارات “الإسرائيلية” سيصل قريباً إلى درجة تهديد كامل أجواء فلسطين المحتلة، دون الكشف عن تفاصيل.
غاب عن بال قادة تل أبيب أن دمشق تترصد تدخُّلاً “إسرائيلياً” مباغتاً منذ سدد الجيش السوري وحلفاؤه ضربات قاسمة بحق مسلحي “جبهة النصرة”، أفضت إلى انتزاع نقاط هامة، أبرزها بيت جن والتلال الحُمُر الاستراتيجية بريف القنيطرة، أتت بمنزلة أهداف سورية وإيرانية ذهبية في الشباك “الإسرائيلي”، وأن الدفاعات الجوية السورية في حال استنفار على مدار الساعة، رفعت إلى درجة “الاستنفار القصوى” منذ أربعة أيام ترقُّباً لانتقام “إسرائيلي”، بعد أسر قائدين ميدانيَّين بـ”جبهة النصرة” في بلدة سنجار الاستراتيجية خلال دخول القوات السورية والحليفة إليها، وتبيّن عند التحقيق معهما أنهما ضابطان في جهاز أمان “الإسرائيلي”، وأيضاً لصدّ زحف تلك القوات نحو مطار أبو الظهور العسكري، الذي زرعت فيه عدداً من ضباطها الاستخباريين، إلى جانب نظراء أتراك، منذ مهاجمته على أيدي ميليشيات “النصرة” ومقاتلي “الحزب الإسلامي التركستاني”، وفق ما كشف حينها موقع “يور نيوز واير” الأميركي.
اللافت الذي أبرزته العمليات العسكرية للجيش السوري وحلفائه في الطريق إلى مطار أبو الظهور، يكمن في دقة التخطيط العسكري وقوة التنسيق بين أضلع القيادة العسكرية السورية وكافة حلفائها، في وقت طرح مراقبون وخبراء عسكريون أكثر من علامة استفهام حيال الرد الإيراني المقبل وحجمه ومكانه، على الثالوث “الإسرائيلي” – الأميركي – السعودي، والذي اتّهمته طهران بالوقوف وراء مخطط زعزعة أمن إيران، من خلال تظاهرات الشغب التي عمّت عدداً كبيراً من المدن الإيرانية، سيما أن وكالة فارس للأنباء نقلت عن مصادر صحافية إشارتها إلى أن الجنوب السوري سيكون أمام مرحلة عسكرية غير مسبوقة، ممهورة بـ”زلزال” عسكري في الجولان، إلا أن الأبرز هو في ترجيح المصادر أن يكون عمق “إسرائيل” هو رحى المنازلة الفضلى التي سيتمّ نقل المعركة إليه خلال هذا العام، “على وقع رزمة مفاجآت كبرى في المنطقة، ستكون بانتظار الرياض وأبو ظبي”.
أما على الضفة الروسية، فلموسكو أيضاً رسالتها النارية القادمة رداً على الهجمات الإرهابية التي استهدفت في السادس من الجاري قاعدتي حميميم وطرطوس، عبر 13 طائرة مسيّرة بادرت صواريخ “بانتسير” إلى التعامل معها بما يلزم، في وقت أجمع خبراء عسكريون روس على أن الردّ على الإستفزازات الأميركية المتواصلة لروسيا – والتي تجاوزت مؤخراً كل الخطوط الحمر – لن يكون اعتيادياً، خصوصاً بعد اتهام وزارة الدفاع الروسية للأميركيين بالوقوف وراءها، معلنة في بيان لها أن “طائرة استطلاع أميركية حلّقت فوق المتوسط أكثر من 4 ساعات بين طرطوس وحميميم خلال شنّ الهجمات”.
إلا أن موسكو لم تُسقط من حساباتها تورطاً تركياً أيضاً بتلك الهجمات، أو على الأقل معرفة مسبقة بتوقيت حصولها، سيما بعدما حددت صحيفة “كوميرسانت” الروسية أن حركة “أحرار الشام” التابعة لأنقرة هي مننفّذتها، مسبوقة بإعلان روسي صريح أكد أن المدفع الذي قصف قاعدة حميميم ليل 31 كانون الأول الفائت، وأودى بحياة اثنين من الجنود الروس، عَبَرَ من الحدود التركية، وعليه قد تكون رسالة تركية غير مباشرة لروسيا، ربطاً باندفاعة العمليات العسكرية السورية والحليفة باتجاه إدلب، والتي تسير بمؤازرة جوية روسية لافتة، وما ستحققه من نصر استراتيجي كبير لدمشق وموسكو وطهران، مقابل هزيمة تركية مدوّية في أبرز معاقلها السورية، حيث ستُفضي حتماً إلى “تقزيم” شروط أنقرة إلى الحدود الدنيا على طاولة المفاوضات المقبلة في سوتشي، ولذلك بدت باكورة أول ردّ روسي عقب الهجمات على القاعدتين الروسيتين غير مسبوقة، إذ سارعت المقاتلات الروسية إلى شنّ غارات عنيفة لامست الحدود التركية، ونسفت مقرات لـ”جبهة النصرة” في إدلب، سُمع صداها بقوة في الداخل التركي.
أما المقبل من الأيام، فتشير معلومات صحافية روسية إلى رغبة قوية أبداها الرئيس فلاديمير بوتين تجنح باتجاه تسديد الضربة القاضية على رأس “جبهة النصرة” في إدلب خلال فترة زمنية قياسية: “المهم أن يبلغ القيصر في مكتبه نبأ دخول طلائع الجيش السوري إليها، مهما كلف الأمر”، حسبما نقلت المعلومات عن مصدر وصفته بـ”الموثوق” في الكرملين.
بقلم :ماجدة الحاج / الثبات