الشيخ حسين الخشن
أستهل كلامي بنقل آخر توقيع صدر عن الإمام الحجة (عجل الله فرجه)، وهو ما رواه الشيخ الصدوق، قال: وأخبرنا جماعة ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، قال : حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال : كنت بمدينة السلام، في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري - قدس الله روحه -. فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعا، نسخته : " بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام. فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية، فلا ظهور إلا بعد إذن الله (عز وجل). وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا. وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن إدعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".[1]
لا يخفى أن ثمة ظاهرة مثيرة للاهتمام منتشرة في الأوساط الإسلامية، ولا سيما الشيعية منها. وهي ظاهرة إدعاء المهدوية أو السفارة عن الإمام المهدي (ع)، أو الاتصال به بشكل أو بآخر. وهذه الظاهرة توجب الكثير من الإرباك ويترتب عليها الكثير من المفاسد والسلبيات، ولهذا علينا إيلاؤها أهمية وعناية بالنظر والدرس، لنتعرف على أسبابها وتاريخها وكيفية معالجتها.
ولا يخفى أن ادعاءات كهذه مغرية وجذابة، فهي مغرية للكثيرين من أهل المطامع والمصالح، ممن يعملون على التلبيس على الناس وخداعهم وتضليلهم. وهي ادعاءات جذابة، لأنها تتصل بقضية غيبية وحساسة ترتبط بعالم النهايات، وهو عالم يتطلع وينشد إليه الإنسان بطبيعته، ولا سيما المؤمن
بالفكرة المهدوية، الأمر الذي يفسر سر هذا الانخداع من قبل الكثيرين من البسطاء.
1.ادعاءات متعددة
في البداية، نشير إلى أن دعاوى التواصل مع المهدي المنتظر (ع) إتخذت أشكالاً مختلفة ومتعددة:
1.دعوى السفارة والوكالة، بحيث يزعم الشخص أنه سفير أو وكيل عن الإمام(ع) أو باب إليه، ومأمور بنقل توجيهات الإمام إلى الأمة.
2.دعوى النسب والمصاهرة، وهذا ما لاحظناه مؤخراً حيث ادعى بعضهم أنه إبن الإمام المهدي (ع)، أو أن الإمام (ع) متزوج بأخته.
4.دعوى أن الشخص هو أحد الشخصيات التي لها دور في حركة المهدي (ع)، أو في التمهيد له، كدعوى البعض أنه اليماني، وهذا لعله أمر جديد.
5.هذا ناهيك عن دعوى المهدية نفسها. وفي الغالب، فإن دعوى الوكالة تجر إلى ادعاء المهدوية، وربما ترقى إلى ادعاء النبوة، وبحسب ما يقول الشيخ الطوسي: "وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولاً على الإمام(ع) وأنهم وكلاؤه، فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم، ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية، كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائهم .."[2].
6.وهناك شكل خامس من أشكال التواصل التي تدعى، وهو دعوى الرؤية أو الاجتماع بالإمام المهدي (ع). وهذا الشكل من التواصل لا ينكر إمكانه الكثير من الفقهاء، بل لا ينكرون وقوعه، ولذا سوف نعود إليه لاحقاً.
2) الظاهرة قديمة جديدة
وبالمناسبة، فهذه الظاهرة ليست جديدة، بل إنها قديمة جداً. فقد إدعى الكثيرون أنهم سفراء الإمام (ع) أو نوابه، إن بالنسبة للإمام الحجة(ع) أو بالنسبة لمن سبقه من الأئمة (ع). وقد عقد الشيخ الطوسي (رحمه الله) باباً خاصاً لذكر المذمومين من مدعي السفارة، والنيابة عن الإمام المهدي (ع)؛ ولذا
فادعاء الاتصال - بشكل أو بآخر - مع الإمام المهدي (ع) ليس بالجديد. ولكن الجديد في الأمر، هو أن وسائل الإعلام تستغل الحدث وتعمل على نشره. قال الشيخ الطوسي: "ذكر المذمومين الذين إدعوا البابية والسفارة كذبا وافتراءً لعنهم الله: أولهم المعروف بالشريعي.. ومنهم محمد بن نصير
النميري .. ومنهم أحمد بن هلال الكرخي .. ومنهم : أبو طاهر محمد بن علي بن بلال .. ومنهم الحسين بن منصور الحلاج .. ومنهم ابن أبي العزاقر "، ثم يذكر منهم : أبا دلف الكاتب.[3]، هؤلاء بعض الأشخاص الذين ادعوا السفارة في زمن الغيبة الصغرى وما قاربها، وهو زمان إمتحان شديد، مر به أتباع أهل البيت (ع)، لأنهم لم يكونوا معتادين لظاهرة الغيبة؛ ولذا كثر الدجالون ومدعو السفارة في تلك الحقبة. أما بعد حصول الغيبة الكبرى، فلم تتوقف هذه الظاهرة بل توالت الادعاءات. وقد أحصى السيد المرعشي النجفي (رحمه الله) في بعض رسائله جمعاً من مدعي النيابة، فبلغوا ما يزيد على عشرين شخصاً. وفي زماننا شاهدنا وسمعنا عن عشرات الأشخاص من مدعي التواصل مع الإمام (ع).
3) سلبيات هذه الظاهرة
وهذه الظاهرة – بطبيعة الحال – لها سلبيات خطيرة، ومن أبرزها:
أولاً: أنها تمثل مادة خصبة لمنكري العقيدة المهدوية لاستغلال هذه الادعاءات، في سعيهم ومحاولاتهم لتشويه صورة العقيدة المهدوية، وصورة المعتقدين بها. فهذا الاستغلال لاسم المهدي(ع)، وتوظيفه بهذه الطريقة الرخيصة، يدفع أولئك إلى تسخيف العقيدة المهدوية نفسها. وقد لاحظنا كيف تعمل بعض وسائل الإعلام المغرضة أو التي تهدف إلى الإثارة واجتذاب المشاهدين إلى الترويج لهؤلاء ونشر مزاعمهم وبث آرائهم، ناهيك عن أن الفرصة قد أصبحت متاحة لهؤلاء لنشر أفكارهم والترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ثانياً: إن هذه الادعاءات الكاذبة تخلق الكثير من الإرباك في أوساط المؤمنين، وتثير الكثير من الشكوك في نفوس الجماعة المؤمنة، وربما يصل الأمر إلى حد ضلال بعض المؤمنين وانحرافهم عن العقيدة السوية؛ ولهذا لا تجوز الاستهانة بهذه الظاهرة أو الاستخفاف بها، لأنها قد تؤدي إلى
التأسيس لحركات هدامة وخطيرة. ألم تبدأ الحركة البهائية بدعوى البابية، ثم ترقت الأمور ووصلت إلى ما وصلت إليه؟!.
4) الخلفيات والدوافع
ومن المهم في دراسة هذه الظاهرة أن نقف عند خلفياتها ودوافعها، فإن ذلك يسهل عملية إحتوائها ويساعد على مواجهتها والتعامل معها. وما نقدر أنها الأسباب والعوامل الأساسية وراء هذه الظاهرة - وذلك بحسب تتبعنا لتاريخها - هي الأمور التالية:
الأول: السعي الواعي والمقصود إلى تخريب الدين، وإرباك الساحة الإيمانية، وإضعاف الجماعة المؤمنة بإثارة القلاقل في أوساطها من خلال هذا الخداع والتضليل. وهذا ما يفسر لنا أن أحد مدعي السفارة وهو أبو دلف الكاتب - مثلاً - يكون ملحداً، ومن ثم يظهر الغلو كما يذكر بعض علمائنا الأجلاء ممن عاصره،[4] ولعل محمد بن نصير النميري كان واحداً من هؤلاء الذين رموا بادعائهم البابية إلى تخريب الدين[5].
الثاني: السذاجة والجهل المركب، فإن بعض الأشخاص قد يكونون من أصحاب النوايا الطيبة في بادىء الأمر، ويخيل إلى أحدهم أنه يتواصل مع الإمام(ع)، أو أنه اليماني أو ربما المهدي نفسه. فينخرط في هذا الأمر ويدعي ذلك، وربما انقاد له بعض السذج أو زين له بعض الخبثاء، وأصحاب الأغراض الخاصة هذا الادعاء، وأغروه وشجعوه، ما يجعله يتمادى في وهمه ولا يصغي للنصائح والمواعظ، ولا يعير بالاً للحجج التي تفند مزاعمه وتبطل أوهامه.
الثالث: حب الظهور والسلطة، وهذا العامل هو من العوامل الأساسية والتي نجدها حاضرة في معظم إدعاءات المهدوية، أو السفارة أو التواصل بشكل أو بآخر مع المهدي (ع). وقد حدثتنا بعض الروايات عن أن رجلاً في الزمن الأول أراد أن يكون ذا شأن ويشار إليه بالبنان، فأقدم على ادعاء النبوة. ففي الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « كان رجل في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها وطلبها من حرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: يا هذا إنك قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها أفلا أدلك على شيئ تكثر به دنياك وتكثر به تبعتك ؟ فقال: بلى فقال: تبتدع دينا وتدعو إليه الناس ففعل فاستجاب له الناس فأطاعوه فأصاب من الدنيا ثم إنه فكر فقال ما صنعت ابتدعت دينا ودعوت الناس إليه وما أرى لي توبة إلا أن آتي من دعوته فأرده عنه فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه فيقول إن الذي دعوتكم إليه باطل وإنما إبتدعته فجعلوا يقولون كذبت هو الحق ولكنك شككت في دينك فرجعت عنه فلما رأى ذلك عمد إلى سلسلة فوتد لها وتدا ثم جعلها في عنقه وقال لا أحلها حتى يتوب الله علي، فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء قل لفلان: وعزتي وجلالي لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك ما استجبت لك حتى ترد من مات على ما دعوته ويرجع عنه»[6].
الرابع: السعي إلى جني المال، ومن العوامل التي يمكن رصدها وراء هذه الظاهرة، هو استغلال هذا الادعاء في محاولة لجني الأموال وجمعها من خلال استغفال الناس وخداعهم. فإن الشخص المدعي عندما يزعم أنه وكيل الإمام (ع)، فمن الطبيعي وفقاً لما هو المعروف لدى الشيعة الإمامية أن
الأموال لا بد أن تجبى إليه. يذكر الشيخ الطوسي أن مدعي البابية أبا طاهر محمد بن علي بن بلال، له قصة معروفة في هذا المجال، وذلك "فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (نضر الله وجهه)، وتمسكه (أي ابن بلال) بالأموال التي كانت عنده للإمام، وامتناعه من تسليمها، وادعائه أنه الوكيل حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه، وخرج فيه من صاحب الزمان (ع) ما هو معروف"[7].
الخامس: الحسد، وهو عامل نفسي خطير يدفع بعض الناس إلى ادعاءات كاذبة وتلفيق مزاعم واهية، حنقاً وحسداً منهم لبعض من يقدرون أنهم أولى منه في تسنم منصب معين من المناصب الدينية أو السياسية أو الإدراية. وهذا السبب نجده حاضراً في المقام، فبعض مدعي الأشخاص دفعه الحسد
لادعاء النيابة. يقول الشيخ النجاشي: "محمد بن علي ( بن ) الشلمغاني، أبو جعفر المعرف بابن العزاقر، كان متقدماً في أصحابنا، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب، والدخول في المذاهب الردية حتى خرجت فيه توقيعات، فأخذه السلطان، وقتله وصلبه"[8].
ويظهر من بعض الروايات اعتراف الشلمغاني بالخطأ، وأن حب الدنيا هو الذي دفعه وغيره إلى ادعاء هذه المزاعم، حيث قال فيما روي عنه: "ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح في هذا الامر إلا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه، لقد كنا نتهارش على هذا الامر كما تتهارش الكلاب على الجيف.."[9].
السادس: وعلينا أن لا نغفل في هذا المقام عاملاً مهماً وخبيثاً يقف وراء بعض هذه الادعاءات أو أنه يعمل على استغلالها ودعمها، وهذا العامل هو أجهزة الاستخبارات المعادية لأمتنا والتي تعمل على تخريب الساحة الإسلامية، فتدخل على خط هذه المزاعم، كونها تشكل أرضية خصبة لإثارة
القلاقل والفتن، بما يثلم وحدة الجماعة المؤمنة، وهذا ما حصل مع الحركة البهائية، فقد كان لأصابع أجهزة السفارة الروسية أنذاك دور في حماية رموزها، ثم تحول مقرها إلى عكا في فلسطين المحتلة، وأصبحت لاحقاً في رعاية الكيان الصهيوني، وفي الموازاة فقد رعت قوات الاحتلال البريطاني
في الهند حركة أخرى في الوسط السني وهي حركة القاديانية .
باختصار: إن بعض الأشخاص تقصر همته عن نيل المراكز العالية، والدرجات العالية في هذه الدنيا بالطرق المألوفة والمعهودة؛ لأنها تحتاج إلى استقامة وبذل الجهد، مضافاً إلى توفر كفاءات خاصة، فيلجأ إلى الوسائل التي لا تخلو من خداع وتلبيس، ويستعيض عن عجزه في نيل المعارف
والمراتب العلمية باللجوء إلى ادعاءات علم الباطن والتأويل.
6) في العلاج والموقف
أعتقد أنه إذا لم يكن بالإمكان إيقاف ظاهرة ادعاءات المهدوية أو البابية أو نحوها بشكل كلي وحاسم، فلا ريب أن بإمكاننا واستطاعتنا الحد منها وتطويق تأثيراتها السلبية، وذلك:
أولاً: بالعمل الجاد والدؤوب وبشتى الوسائل على فضح التزييف وبيان التدليس وتزييف الخداع، فثمة مسؤولية كبيرة لا بد أن يتحملها أهل العلم والمعرفة في هذا الصدد وأن لا نتعامل باستخفاف ولا مبالاة بحجة أن هذا المدعي للبابية أو نحوها هو شخص تافه أو ساذج فما أكثر ما انخدع الناس بدعوات السفهاء أو السذج وانحرفوا عن الصراط السوي.
ثانياً: والأمر المهم في المقام هو العمل على تثقيف جمهور المؤمنين على ثقافة الاستعداد للظهور والانشغال بإصلاح النفس وتهذيبها بدل الانشغال والانهماك بعلامات الظهور ورسم خارطة ناجزة لحركة الظهور، إن طريقة مقاربتنا لعلامات الظهور مسألة حساسة ومهمة، فإن القراءة الإسقاطية
لهذه العلامات على واقعنا، فضلاً عن أنها لا تخلو من التوقيت المنهي عنه في الروايات وفضلاً عن كونها مجرد إسقاطات ظنية لا تمتلك عناصر موضوعية تبعث على الوثوق بها، فإنها تغري وتغذي ظاهرة ادعاء البابية والسفارة أو التواصل مع الإمام (ع) بشكل أو بآخر وتدفع باتجاه وقوع الكثيرين من البسطاء في هذا الفخ وسرعة تصديقهم لهذه الادعاءات.
7) دعوى الرؤية
وتبقى لنا كلمة أخيرة حول نوع من أنواع الاتصال بالإمام المهدي (عجل الله فرجه) وهو ادعاء الرؤية، فهذا الادعاء لا يمكن رميه عرض الحائط واتهام أصحابه بالدجل والتضليل أو السذاجة، فقد صدر ذلك عن كبار العلماء الذين لا يشك أحد في ورعهم وعلمهم وصدقهم، وقد كتبت في ذلك العديد من المؤلفات والكتب ونقلت فيها العديد من القصص التي تنص على تشرف هذا العالم أو ذاك المؤمن بلقاء الإمام (ع) والتكلم معه (ع). ولكن دعاوى الرؤية هذه قد اعترضها إشكال، وهو أن الحديث المتقدم في مستهل الكلام نص على أن "من ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر"، إن تكذيب مدعي الرؤية يرمي إلى وضع حد إلى مزاعم ودعاوى الاتصال بالمهدي (ع) فضلاً عن دعاوى النيابة والسفارة. ناهيك عن أنه قد يقال: إن دعوى الرؤية مخالفة لمبدأ الغيبة نفسها.
ولكن العلماء في مواجهة هذا الإشكال أخذوا بتوجيه الحديث المذكور، وأبرز توجيه طرح في كلماتهم هو أنه ناظر إلى ادعاء المشاهدة المتضمنة لدعوى السفارة والنيابة، يقول المجلسي تعليقاً على الحديث المذكور:" لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الاخبار من جانبه عليه السلام إلى الشيعة ، على مثال السفراء لئلا ينافي الاخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه عليه السلام والله يعلم ". [10]وسئل السيد الخوئي: " ما تفسير هذا الحديث "من ادعى الرؤية فكذبوه" وهل يختلف تفسيره بالنسبة للغيبة الصغرى والغيبة الكبرى ، وهل صحيح أنه ينسب للإمام الحجة( عجل الله فرجه ) ؟
وأجاب الخوئي: التكذيب راجع إلى من يدعي النيابة عنه (ع) نيابة خاصة في الغيبة الكبرى ، ولا يكون راجعا إلى من يدعي الرؤية بدون دعوى شيئ والله العالم". [11].وربما يعتبر البعض أن قوله (ع):" سيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة.." يشكل قرينة على أن نظر الإمام (ع) هو إلى إدعاء السفارة والنيابة، لأن التعبير يوحي بأن المدعي ليس من شيعته، وإنما يأتي شيعته، فإن من كان من شيعته لا يمكن أن يدعي دعوى باطلة تستوجب تكذيبه.
هذا ولكن ربما يعترض البعض على ذلك بأنه إذا أراد هؤلاء العلماء بتوجيههم هذا القول: إن الرواية نفسها ظاهرة في النظر إلى تكذيب مدعي السفارة فهذا مخالف للظاهر، فالمستفاد منها - بحسب المتفاهم العرفي - هو تكذيب كل من ادعى المشاهدة سواء ترافق مع دعوى النيابة أم لا. والتعبير عن
المدعي بأنه "يأتي شيعتي" ليس ظاهراً في النظر إلى إدعاء السفارة، أو أن المدعي من خارج شيعته. وأما إن أريد القول: إن الرواية وإن لم تكن ظاهرة في النظر إلى مدعي السفارة، لكن يتحتم علينا حملها على ذلك، لعلمنا بأن بعض ادعاءات الرؤية صادقة وصادرة عمن لا يطعن فيه، فهذا قد يعترض عليه بأن صدق هؤلاء الأعلام وورعهم لا يعني مطابقة دعواهم للواقع، فهم قد يتصورون أن هذا الشخص الذي إلتقوا به في مكان معين أو أرشدهم إلى طريق هدى، أو أنقذهم من معضلة معينة هو المهدي(ع)، ولكن ربما كانوا مشتبهين فيما إعتقدوه، فلا ملازمة بين صدقهم في أنفسهم وبين مطابقة كلامهم للواقع، ويؤيد ذلك عدة شواهد منها:
1. أننا نلاحظ أن القصص المنقولة تختلف في توصيف من يفترض أنه الإمام المهدي (ع) إن لجهة تحديد عمره التقريبي، أو بيان خصائصه البدنية من الطول والعرض ولون البشرة .. فلو كانت هذه الدعاوى مطابقة للواقع، فيفترض أن لا تختلف في بيان أوصافه إلى هذا الحد.
2. أن هذه القصص لا يصرح فيها الشخص الذي رؤي بأنه هو المهدي (ع)، بل يرجح الرائي أو يعتقد أن الشخص الذي التقاه أو رآه هو المهدي(ع).
ولكن قد يقال: إن الحديث دعانا إلى تكذيب مدعي الرؤية، فهل نكذب هؤلاء الأعلام الأجلاء الذين لا مجال للطعن في دينهم وعلمهم؟!والجواب على ذلك:
أولاً: إن تعبير الرواية "وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة"، يوحي بأن المقصود هو التصريح بالمشاهدة وإعلانها، ومن المعلوم أن أهل العلم والورع الذين تنسب إليهم دعاوى الرؤية لا يعلنون ذلك فهم لا يأتون الناس ويعلنون لهم أنهم شاهدوا الإمام (ع)، وإنما ينقل عنهم ذلك وينسبه الآخرون
إليهم.
ثانياً: إن تكذيبهم لا يعني أنهم كاذبون، أي أن وظيفتنا هي تكذيب مدعي الرؤية، وذلك لمصالح شتى، ومن أهمها ما أشرنا إليه من الحؤول دون تفشي هذه الظاهرة، ولكن التكذيب لا يعني أنه كاذب واقعاً.
الهوامش:
[1] الغيبة ص 395، وكمال الدين ص 516، ورواه الطبرسي في الاحتجاج ج 2 ص 297.
[2] الغيبة للطوسي ص397.
[3] الغيبة للطوسي ص398.
[4] الغيبة للطوسي ص 412.
[5] روى الشيخ عن سعد بن عبد الله قال: كان محمد بن نصير النميري يدعي أنه رسول نبي وأن علي بن محمد عليه السلام أرسله، وكان يقول بالتناسخ ويغلو في أبي الحسن عليه السلام ويقول فيه بالربوبية، ويقول بالإباحة للمحارم ، وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضا في أدبارهم ، ويزعم أن ذلك من التواضع والاخبات والتذلل في المفعول به ، وأنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات ، وأن الله عز وجل لا يحرم شيئا من ذلك". أنظر: الغيبة للطوسي ص 398.
[6] الوافي للفيض الكاشاني ج 5 ص 847.
[7] الغيبة ص 400
[8] رجال النجاشي ص 378.
[9] معجم رجال الحديث ج 18 ص 52.
[10] بحار الأنوار ج 52 ص 151.
[11] صراط النجاة ج 2 ص 449، وذكر النوري توجيهات أخرى للحديث، أنظر: النجم الثاقب