وتأتي التسريبات في موازاة صدور التقدير الاستراتيجي السنوي عن مركز أبحاث الأمن القومي، وما يرد فيه عن إمكان التدهور إلى مواجهة واسعة أو حرب في الجبهة الشمالية قياساً بالعام الماضي، وبما سماه تقدير المركز بـ«حرب الشمال الأولى» بين جيش العدو وثلاثي أعداء إسرائيل: سوريا وإيران وحزب الله.
ما سُرِّب من التقدير الاستخباري العسكري للجيش الصهيوني، مقارنة بما ورد في التقدير الاستراتيجي لمركز أبحاث الأمن القومي، يظهر أن الفروق غير جوهرية جداً، وإن كانت في الشكل متباينة توحي باختلاف المضمون. تقدير الجيش يرى زيادة في احتمال التصعيد الأمني نتيجة حادث ما، مقارنة مع العام الماضي، لكن مع التشديد على أن اندلاع حرب مبادر إليها يكاد يكون معدوماً. فيما يرى تقدير المركز أن تطورات عام 2018 ستكون معقدة، وأن «حرب الشمال الأولى» ستكون على ساحتين: سوريا ولبنان، وضد سوريا وإيران وحزب الله مجتمعين، مع الإيحاء بأن معقولية هذه الحرب مرتفعة نسبياً، قياساً بعام 2017، حيث كانت شبه معدومة في العام الماضي.
في تفصيل التهديد و«معقوليات» التصعيد، يشرح التقدير العسكري للجيش الصهيوني أن احتمال تصعيد أمني ما، يتطور جراء حادثة بين الجانبين، أي بين "إسرائيل" وحزب الله وإيران وسوريا في الساحتين السورية واللبنانية، أو بينها وحركة حماس في قطاع غزة، هو تطور معقول، وربما كبير مقارنة بالعام الماضي. لكن التقدير نفسه يؤكد أن احتمال نشوب حرب هو احتمال لا يكاد يذكر. وللتفصيل أكثر، يشير التقدير إلى أنّ حادثاً موضعياً، مثل كشف نفق في غزة، أو عملية هجومية تنسب إلى "إسرائيل" في سوريا، قد تؤدي إلى رد من الجانب الثاني، تتطور في أعقابها الأمور إلى ضربات متبادلة قد تستغرق أياماً، مع استبعاد أن تتطور هذه الضربات والردود إلى حرب ومواجهة شاملة.
تقدير الجيش الصهيوني يرى أنه لا نيات لدى أي جهة في المنطقة للمبادرة إلى شنّ حرب على كيان الاحتلال في العام الجديد: لا سوريا ولا حزب الله في الشمال، ولا حركة حماس في الجنوب، رغم أن إمكان التدهور الأمني (المحدود) وارد أكثر قياساً بالعام الماضي، ضمن فرضية حادث موضعي. بحسب التقدير نفسه، «حماس» ستكون مشغولة بالمصالحة الفلسطينية، فيما سوريا وحزب الله مشغولان في ترميم قدراتهما العسكرية بعد سنوات من الحرب التي خاضاها.
ورغم أن التقدير الاستخباري يعنى بتقدير موقف الطرف الثاني فقط، وهو ما يفسر الصمت حيال تقدير نيات "إسرائيل" العدائية تجاه الجبهة الشمالية بساحتيها اللبنانية والسورية، وكذلك الجبهة الجنوبية قبالة قطاع غزة، إلا أن التقدير العسكري عمد إلى التشديد أمام صانع القرار في "تل أبيب"، على أن إمكانات الرد من قبل الجانب الثاني (في الساحة السورية) باتت أكبر قياساً بالعام الماضي، ما يعني بحسب تقدير الجيش، أن على "إسرائيل" أن تختار أهدافها بعناية ودراسة اكثر، وعليها أن تدرس مسبقاً ردودها على الردود، بحيث «لا تكسر الأواني»، مع التشديد على ضرورة العمل على منع تدحرجها باتجاه مواجهة واسعة وحرب.
ولم يخل تسريب التقدير الاستخباري العسكري من رسائل للطرف الثاني. إذ يرد فيه، أو بشكل دقيق ما ورد عنه من تسريبات في الأعلام العبري، أن الاستخبارات العسكرية تنظر بقلق إلى عمليات التعزيز والتعاظم العسكريين في لبنان وقطاع غزة، وهو الأمر بحسب التقدير يشير إلى إمكانات معقولة، من شأنها أن تجرّ الجانبين إلى تصعيد أمني. وضمن هذه الدائرة من المعقولية، تؤكد الاستخبارات الصهيونية أن تصميم حزب الله وحماس على تعزيز قوتهما العسكرية، في مقابل تصميم "إسرائيل" الموازي على منع ذلك، سيؤدي إلى تصعيد أمني، خاصة أن "تل أبيب" لن تساوم على ذلك خوفاً من أن الأسلحة التي تُنقَل حالياً إلى لبنان أو غزة، ستستخدم ضدها في السنوات المقبلة.
في موازاة تقدير الجيش الصهيوني، سلّم مركز أبحاث الأمن القومي النسخة الأولى للتقدير الاستراتيجي الصادر عن المركز للرئيس رؤوفين ريفلين، برز فيه ميل واضح إلى التحذير من إمكان نشوب مواجهة في الجبهة الشمالية بين كيان الاحتلال من جهة، وسوريا وإيران وحزب الله من جهة ثانية، وضمن الساحتين اللبنانية والسورية. التحذير من المواجهة، كما يرد في تقدير المركز، غير مبني على احتمال كبير، لكنه لافت قياساً بالعام الماضي. رئيس المركز، اللواء عاموس يدلين، أشار في تصريح لافت إلى أنه «وقفت على مدى خمس سنوات في الكابينت (المجلس الوزاري المصغر) وقلت إن الحرب لن تندلع. لكن هذه السنة، أنا غير قادر على أن أقول ذلك بشكل مؤكد، وذلك بسبب التمركز الإيراني في سوريا».
وبحسب يدلين، إن كانت المواجهة مقدرة للعام الماضي بنسبة 1 في المئة، فهي للعام الجديد، مقدرة بنسبة 10 في المئة.
وعرض المركز عدة جبهات تهديد للكيان الصهيوني في عام 2018، أبرزها وفي مقدمتها، الجبهة الشمالية في مواجهة سوريا وإيران وحزب الله، لافتاً إلى أن «حرب الشمال الأولى»، لا «حرب لبنان الثالثة»، ستكون على ما يبدو غير مقيّدة بجهة واحدة، بل ستؤدي إلى مواجهة في الساحتين السورية واللبنانية مع اندماج لقوى حزب الله والقوات السورية، مع الإقرار بأن فاعلية الوجود الروسي وتأثيره سيكونان حاضرين، ورغم أنها ستكون محايدة، لكن ستفرض في الموازاة قيوداً على حرية العمل الإسرائيلية في المعركة، في حال نشوبها.
في مقابل الجبهة الشمالية التي تُعَدّ أخطر التهديدات التي تواجهها "إسرائيل" في العام الجديد، وضع تقدير المركز قطاع غزة في المرتبة الثانية في سلم التهديدات، لكن مع التأكيد أن الطرفين، "إسرائيل" وحماس، غير معنيين بمواجهة أو التسبب بها.
كان لافتاً في تقدير المركز، الإشارة إلى «حتمية صدام المصالح مع روسيا» على خلفية التباين بين موسكو و"تل أبيب" في الساحة السورية. وبحسب التقدير «ضمنت روسيا لنفسها سيطرة استراتيجية لسنوات طويلة في سوريا، وهي تعرف كي تحافظ على علاقات جيدة مع كل اللاعبين في الشرق الأوسط، لكن في نظرة واسعة وأكثر شمولية، يوجد تصادم في المصالح، وبشكل جوهري وحتمي، بين روسيا والكيان الصهيوني لعدة اسباب.
يحيى دبوق
الاخبار
105-101