فقه الحوار ونبذ العنف في حركة الإمام المهدي (عج)

الأحد 7 يناير 2018 - 07:52 بتوقيت مكة
فقه الحوار ونبذ العنف في حركة الإمام المهدي (عج)

أفكار ورؤى – الكوثر.. لغرض الوقوف على حركة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وما يصاحبها من عنف أو حوار وإمكانية توصيفها بأحد الوصفين ينبغي أن نقسّم الروايات الواردة في هذا الشأن إلى طائفتين: الطائفة الأولى: روايات العنف والانتقام والطائفة الثانية: وهي الطائفة من الروايات التي تتحدث عن اشاعة روح السلام والحوار عند ظهوره المبارك. ولغرض الوقوف على واقع هذا الاتجاه لابدَّ من استعراض هذه الروايات ومناقشتها دلالةً وسنداً.

بقلم: السيد محمد علي الحلو

 يحتل الحوار في حركة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه مساحة واسعة من الاهتمام الكبير ضمن أطروحته المباركة، ويعمل الحوار في هذه الحركة على تمتين الثقة بهذه الأطروحة لدى الأوساط من الناس الذين يعيشون هواجس الخوف والقلق من حلول هذه الحركة بين ظهرانيهم، وهم لا يزالون يعيشون حالة الخزين الإعلامي المعاكس الذي تحتفظ بها أذهانهم المشبعة بتلك الرؤية المتشائمة حيال الإمام.

لم أجد فيما أحسب تعريفاً واضحاً للحركة المهدوية سوى تعريفات العنف والقتل والانتقام، ويبدو أن هذا الاتجاه قد أخذ مساحاته من الذهنية العامة المتلقية لهذه الحركة المباركة، بل وجد هذا الاتجاه زحفه لدى الأوساط الثقافية التي تعثرت في قراءتها المتصفة ما لم تجد من حركة الإمام إلا حرفقه الحواركة البطش والتنكيل، حتى سار الاتجاه العام باتجاهٍ بأن تعصف لغته لغة العنف بكل مبتنيات الحركة المهدوية من خلال التركيز على لغة العنف التي تضبب هذه المفاهيم المهدوية، أو الهواجس التي تحيط بهذه الحركة ليصفها البعض بحركة الانتقام دون التركيز على الطابع العام الذي سيسود هذه الحركة الإلهية.

(حركة السلام) التعريف الأكثر واقعية لحركة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ونبذ العنف والانتقام هو المحور الأساس الذي ستسير على أساسه هذه الثورة المباركة، ولعل توصيفها بالثورة يتناقض مع تعريفنا بحركة السلام، إلاّ أن التأمل في تفاصيل هذه الحركة الإصلاحية يلمس أن الحوار هو الأسلوب السائد لهذه النهضة المهدوية، وسيكون الحوار هو التعاطي الأمثل مع الجميع وطابع العنف هو الأسلوب المرفوض من قبل الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.

إن حركته المباركة ستشهد قتماً عظيماً في تغيير جميع المباني الثورية في هذا الشأن، فالإنسان سيكون الشعار الأكمل في حين أن العنف ليس هو الأصل في هذه الحركة بل هو الطارئ والاستثناء، وعلى أساس ذلك قد يتساءل البعض ما الذي دعا الذهنية العامة أن تحيل حركة السلام هذه إلى حركة عنف وانتقام؟!

التقسيم الموضوعي:

لغرض الوقوف على حركة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وما يصاحبها من عنف أو حوار وإمكانية توصيفها بأحد الوصفين ينبغي أن نقسّم الروايات الواردة في هذا الشأن إلى طائفتين:

الطائفة الأولى: روايات العنف والانتقام

ولغرض الوقوف على واقع هذا الاتجاه لابدَّ من استعراض هذه الروايات ومناقشتها دلالةً وسنداً.

 

أولاً: الإمام لا يستتيب أحداً:

علي بن الحسين عن محمد العطار بن الحسن الرازي عن محمد بن علي الكوفي عن البزنطي عن ابن بكير عن أبيه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قلت له: صالح من الصالحين سمه لي _أريد القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف _فقال اسمه اسمي، قلت: أيسير بسيرة محمد صلى الله عليه واله؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه واله سار في أمته باللين كان يتألف الناس، والقائم عجل الله تعالى فرجه الشريف يسير بالقتل بذلك أمر؛ في الكتاب الذي معه: أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناوأه.

مناقشة السند:

محمد بن الحسن الرازي: مشترك بين الممدوح _دون الوثوق_ وبين المجهول.

ومحمد بن علي الكوفي: وهو ابن أخت خلاد بن عيسى وكان يلقب محمد بن علي أبا سمينة، ضعيف جداً، فاسد الاعتقاد لا يعتمد في شيء وكان ورد قم وقد اشتهر بالكذب في الكوفة ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مدة ثم اشتهر بالغلو فجفي وأخرجه أحمد بن محمد بن عيسى عن قم.. هذا ما ذهب إليه القهبائي في مجمع الرجال، إلاّ أن السيد الخوئي في معجمه استبعد أن يكون محمد بن علي الكوفي هو أبا سمينة نفسه واحتمل أن يكون متحداً مع محمد بن علي القرشي الثقة الذي روى في تفسير القمي، إلاّ أن اتحاده مع الثقة غير معلوم، ورجوع السيد الخوئي عن مبنى توثيقاته لبعض الرواة الذين وردوا في تفسير القمي يحتمل قوياً أن يكون توثيق القرشي هذا في غير محله، وقد ضعفه الفضل بن شاذان ووصفه من الكاذبين كما في رجال الكشي، وكاد أن يقنت عليه كما في خلاصة العلامة الحلي، ومهما يكن من شيء فإن محمد بن علي الكوفي أن ثبت تضعيفه وهو المشار إليه في قول الفضل بن شاذان أو ظهر غيره فإنه مهمل ليس بشيء فلا يعتمد على روايته.

وبذلك فإن الرواية ساقطة عن الاعتبار سنداً.

وأما دلالةً:

فإن الرواية لعلها حاكية عن ظرف طارئ سيمر به الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه، يلجئه إلى القتل واستعمال القوة مع مناوئيه الذي لا يكون لهم هم إلاّ قتله وإفشال أطروحته الإصلاحية، وهو أمر طبيعي في ظل مقتضيات معارضة عنيفة تُلجئ الإمام عجل الله تعالى فرجه إلى استخدام أمثل السبل في إنجاح حركته، وإلا ما الذي ينتظره الإمام عجل الله تعالى فرجه وهو يواجه حالة التمرد غير المبرر بعد أن يستنفد مع هؤلاء كل سبل الحوار؟!

والروايات تشير إلى أن حركته عجل الله تعالى فرجه لا تخلو من مواجهة حركات رافضة متصدية له بعنف، وليس للإمام إلاّ مواجهة هذه الحركات بنفس القوة والتحدي وإلا لا يمكن لأن تكتب لحركته المباركة نجاحها المرجو، والرواية التالية تشير إلى ما نذهب إليه من ضرورة وجود القوة واستخدام السطو على كل الحركات المسلحة التي من شأنها إسقاط أو إفشال هذه الحركة الإلهية.

فعن صفوان عن بشير قال: لما قدمت المدينة انتهيت إلى منزل أبي جعفر عليه السلام فإذا أنا ببغلته مسرجة بالباب فجلست حيال الدار فخرج فسلمت عليه فنزل عن البغلة وأقبل نحوي فقال لي: ممن الرجل؟ قلت: من أهل العراق. قال: من أيها؟ قلت: من الكوفة، قال: من صحبك في هذا الطريق؟ قلت: قوم من المحدثة، قال: وما المحدثة؟ قلت: المرجئة، فقال: ويح هذه المرجئة، إلى من يلجئون غدا إذا قام قائمنا؟ قلت: إنهم يقولون لو قد كان ذلك كنا ونحن وأنتم في العدل سواء، فقال: من تاب؛ تاب الله عليه، ومن أسر نفاقا فلا يبعد الله غيره، ومن أظهر شيئا يريق الله دمه.

ثم قال: يذبحهم والذي نفسي بيده كما يذبح القصاب شاته _وأومأ بيده إلى حلقه_ قلت: إنهم يقولون: إنه إذا كان ذلك استقامت له الأمور، فلا يريق محجمة دم، فقال: كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح وأنتم العرق والعلق، وأومأ بيده إلى جبهته.

وبسند آخر عن بشير _وهو بشير النبال_ مثله إلاّ أنه قال: لما قلت لأبي جعفر عليه السلام: انهم يقولون إن المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفوا ولا يريق محجمة دم، فقال: كلا والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفوا لاستقامت لرسول الله صلى الله عليه واله حين أدميت رباعيته، وشج في وجهه، كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته.

وعن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام وقد ذكر القائم عجل الله تعالى فرجه فقلت: إني لأرجو أن يكون أمره في كهوله فقال: لا يكون ذلك حتى تمسحوا العرق والعلق.

ومن هنا نعلم ان هناك قوى متصدية لحركة الإمام عجل الله تعالى فرجه تلجئه أن يستخدم القوة والسيف وهو أمر معقول في ظل الظروف السياسية المعارضة للإمام عجل الله تعالى فرجه.

إذن كان من المفروض أن تكون حركة الإمام السلمية مسددة بحالة التصدي لأية محاولة من شأنها أن تربك حركته المباركة، وسيأتي بعض الكلام في ذلك لاحقا.

 

ثانياً: الإمام عجل الله تعالى فرجه لا يسير بسيرة علي عليه السلام في الحرب:

محمد بن علي الكوفي عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن عليا عليه السلام قال: كان لي أن أقتل المولي وأجهز على الجريح، ولكن تركت ذلك للعاقبة من أصحابي إن جرحوا لم يقتلوا، والقائم له أن يقتل المولي ويجهز على الجريح.

السند:

محمد بن علي الكوفي: وقد مر الكلام فيه.

وعبد الرحمن بن أبي هاشم المتحد بين الثقة وغيره.

فالرواية غير معتبرة.

أما الدلالة:

فالرواية عللت بأن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إنما ترك الإجهاز على الجريح وعدم قتل المولي حفاظاً على أصحابه حينما يقعون بأيدي أعدائهم جرحى، وتعليل الإمام حقيقي وواقعي وليس من باب لعل المفيدة للتمني، فإن بناء الحكم الواقعي عند المعصوم لا يختص لأدنى احتمال بل هو الواقع بعينه ويستثنى من ذلك ما لا تدرك مقاصد المعصوم، والمعروف أن أعداء علي لم يكونوا بمستوى الوفاء والخلق الكريم إذ إنهم انتزعوا كل القيم والمبادئ التي يجب أن يتحلى بها الغيور، وما يوم كربلاء ببعيد فإنهم أسوأ من حفظ الذمار والأعراف، فضلا عن أن أصحاب أهل البيت عليهم السلام لم يولوا الأدبار فهذه معارك صفين وتحشدات الإمام الحسن عليه السلام قبالة معاوية، وهذه معركة الطف لم يبلغنا عن أحد أنه ولى دبره نعم -إلاّ متحرفاً لقتال- ومع ذلك حتى هذا الاستثناء لم يمارسه أصحاب علي والحسين، وعلي أعلم بأصحابه فلا معنى لأن يجعل لأعدائه مندوحة العفو عن أصحابه عند ذاك.

ولربما تبرير آخر دفع علي عليه السلام أن يعفي عن الجريح والمولي، أو هي من مختصاته عليه السلام. والرواية ساكتة عن سبب قتل الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه للمولي والجريح مع أنها أعذرت الإمام علي عجل الله تعالى فرجه عمله ولم تبرر إجراءات القتل للإمام عليه السلام سيما يجهز على الجريح والمولي.

نعم؛ ربما توجه الرواية بأن الإمام عليه السلام سيرى من المصلحة تصفية هؤلاء الخصوم الذين سيحملون بذور الفتنة والشقاق في مجتمع ينبغي أن يكون سليماً ومعافى من فتنة وخلاف.

 

ثالثاً: ليس هذا من آل محمد:

علي بن الحسين عن محمد العطار عن محمد بن الحسن عن محمد بن علي الكوفي عن البزنطي عن العلا عن محمد قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس أما إنه لا يبدأ إلاّ بقريش فلا يأخذ منها إلاّ السيف ولا يعطيها إلاّ السيف حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم.

مناقشة السند:

محمد العطار: لعله محمد بن يزيد العطار الكوفي من أصحاب الصادق عليه السلام مجهول.
محمد بن الحسن: مشترك؛ والتمييز إنما هو بالراوي والمروي عنه، كما عن السيد الخوئي في معجمه. ومحمد العطار هو مشترك بين الثقة وغيره.

ومحمد بن علي الكوفي في حاله معروف كما تقدم.

فالرواية غير معتبرة.

أما الدلالة:

فالرواية تشير إلى أن الإمام عجل الله تعالى فرجه سيكون اعتماده على السيف في تعامله مع قريش، وقريش مصطلح يشير إلى المخالفين لأهل البيت عليهم السلام ولعل هؤلاء سيقفون موقفهم العدائي مع حركة الإمام عجل الله تعالى فرجه الإصلاحية وسيقطعون الطريق على تقدم هذه الحركة المباركة ومن المناسب جداً أن يتخذ الإمام عجل الله تعالى فرجه إجراء القوة والتنكيل بهم حفاظا على أطروحته الإلهية.
إلاّ أن الرواية تشعر بأن أسلوب القتل والبطش هو السائد في حركته الإصلاحية وهو أمرٌ غير مقبول، إذ أشرنا إلى أن الإمام عجل الله تعالى فرجه سيدعو إلى فتح حوار يكلل حركة السلام هذه، والعنف لم يكن هو الأصل في حركته إذن، ومن غير الصحيح أن يواجه الإمام عجل الله تعالى فرجه في تعامله هذا نقدا من قبل الناس ليرفضوا هذا التحرك بقولهم -ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم- وهذا الموقف يصدر من أناس يعرفون آل محمد بالرحمة والتسامح وأعدائهم لم يزل لديهم هذا التصور، فلذا نتحفظ مما ورد في الرواية المشعرة أن الإمام سيكون أسلوبه فقط القتل حتى أن الناس يشكون في انتسابه لآل البيت عليهم السلام بسبب ما يمارسه من عنف وقتل. من هنا فإن الرواية بعيدة عن حركة الإمام السلمية وطابع الحلم والعفو.

 

رابعاً: لا يستتيب أحداً:

بنفس الإسناد المتقدم عن البزنطي عن عاصم بن حميد الحناط عن أبي بصير قال:

قال أبو جعفر عليه السلام: يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد على العرب شديد، ليس شأن إلاّ السيف، لا يستتيب أحدا ولا يأخذه في الله لومة لائم.

وسندها: كسابقتها، لا يمكن الاعتماد عليه لوجود محمد بن علي الكوفي الضعيف ومحمد بن الحسن المشترك وبذلك تسقط عن الاعتبار.

ودلالتها:

غير تامة إذ ورود عبارة -لا يستتيب أحدا- مشعر بأنه عجل الله تعالى فرجه لا يجد للحوار وإلقاء الحجة مكاناً في حركته وشأناً في أطروحته وإلا ما معنى أن الروايات تشير إلى أن الإمام عجل الله تعالى فرجه يبذل جهده في إلقاء الحجة قبل مقاتلتهم فإن أمل منهم الرشد استتابهم وفاؤا إلى الحق وهو مبتغاه (صلوات الله عليه)، وإن يأس من صلاحهم وخشي فتنتهم وضع فيهم السيف كما كان عليه آباؤه الطاهرون من قبل. وما ورد في الرواية أن أمره جديد وكتابه جديد وقضاءه جديد في محله إذ سيأتي بكل مالم يألفه الناس نتيجة لإعراضهم عن الحق بتركه أحكام الله وكتابه.

 

خامساً: ما هو إلاّ السيف:

وبنفس الإسناد عن محمد بن علي الكوفي عن ابن محبوب عن البطائني عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال: ما تستعجلون بخروج القائم؟ فو الله ما لباسه إلاّ الغليظ، ولا طعامه إلاّ الجشب، وما هو إلاّ السيف، والموت تحت ظل السيف.

والسند: فضلا عن سابقته ففيه البطائني وهو علي بن أبي حمزة البطائني كذاب متهم كما قاله ابن فضال وأحد أعمدة الواقفة بل أصلهم ولم يعترف بإمامة الرضا عليه السلام، والتفصيل في معجم رجال الحديث للسيد الخوئي قدس سره، فراجع.

ودلالتها:

توحي بأن لا هّم للإمام عجل الله تعالى فرجه إلاّ السيف نافية بذلك الحوار الذي يسعى إليه الإمام عجل الله تعالى فرجه لإلقاء الحجة على الناس، والرواية فيها من التشاؤم ما لا ينبغي له في حركةٍ هي للسلام أقرب منها إلى القتل، وللعفو أقرب منها إلى عدم الاستتابة، وللسعادة أقرب منه إلى الحرمان، كما أن خروج الأرض بركاتها كما في نصوص بعض الروايات لا يستقيم أمرها مع ما ورد هنا من أن الحرمان والفاقة تسيطران على الوضع الاقتصادي لعصره الشريف،

ولعل ذلك دفع به حكام الأمويين والعباسيين الذين يصورون حركة الإمام عجل الله تعالى فرجه إلى اليأس والقنوط، ويضمرون طابع الحرمان والعوز والفقر، مع أن الروايات التي تشير بأنه عجل الله تعالى فرجه يحثو المال حثواً لا يستقيم مع ما أوردته هذه الرواية، نعم إلاّ أن يقال إن الزهد هو الأنسب في سلوكية الإمام عجل الله تعالى فرجه وأصحابه الميامين ولمصلحة تقتضي إظهار الأصلح وهو الزهد، لكن يبقى التساؤل وهو هل أن الزهد هو الأوفق في حركة الإصلاح العالمية التي يرنو إليها الملايين من محرومي القوت وكل متطلبات العيش والحياة الكريمة أم أن الحرمان هو ما يصبو إليه الحكام لإفشال حركة الإمام عجل الله تعالى فرجه وإحباط أمل المستضعفين المحرومين؟!!

 

سادساً: قتل بعض أصحابه:

ابن عقدة عن علي بن الحسن التيملي عن أبيه عن الحسن بن علي بن يوسف ومحمد بن علي عن سعدان بن مسلم عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: بينا الرجل على رأس القائم عجل الله تعالى فرجه يأمره وينهاه إذ قال أديروه فيديرونه إلى قدامه فيأمر بضرب عنقه فلا يبقى في الخافقين شيء إلاّ خافه.

السند: علي بن يوسف: مجهول، ومحمد بن علي مشترك بين الثقة وغيره، فضلا عن إرسالها ببعض رجال سعدان بن مسلم الثقة. وبذلك لا يمكن الاعتماد على الرواية سنداً.

 

الجبهات الرافضة

لا يعني قولنا إن الإمام عجل الله تعالى فرجه حركته حركة السلام والحوار بأن هناك حالة من الترحيب تنتظر الإمام عجل الله تعالى فرجه من لدن الجميع دون استثناء، بل إن هناك رفضاً لهذه الأطروحة المهدوية من البعض خصوصاً إذا عرفنا أن حالة الرفض هذه ستنطلق من تلك الحركات المناوئة في فكرها لآل البيت عليهم السلام، وإذا عرفنا أن العالم ستعمه هذه الحركات بكل صراعاتها الفكرية والسياسية المخالفة لأهل البيت عليهم السلام، ومن غير المتصور أن تقبل هذه الحركات بأية أطروحة إصلاحية خصوصاً وأطروحة الإمام عجل الله تعالى فرجه هي أطروحة البديل التي من شأنها أن تلغي كل هذه الحركات وتظهر زيفها بكل قوة،

ولابد لهذه العملية <عملية البديل> تتطلب جهدا وتضحية متميزين يقدمه أصحاب أطروحة الإصلاح فضلا عن التضحيات الجسام التي يتكبدها جيش الإمام عجل الله تعالى فرجه إثر تلك المعارضات السياسية المناوئة، والتغيير الإصلاحي سوف لا يكون مقبولاً في ظل الحملات الإعلامية المزيفة والكاذبة التي من شأنها التمويه على الحقائق وستقوم الأنظمة السياسية المناوئة للإمام بهذا الجهد الإعلامي الذي يحمل معه الأكاذيب المعادية لأطروحة أهل البيت عليهم السلام والتي من شأنها تزييف الحقائق وقلبها بما يضمن التقييم غير المبرر على كثير من الناس، وهو الداعي الذي يدفع البعض للوقوف ضد حركة الإمام عجل الله تعالى فرجه، فضلاً عن عدم تقبل الأطروحة المهدوية في ظل هذه الظروف الفكرية المتطرفة التي تسيطر على أكثر المجتمعات البعيدة حقيقة عن أهل البيت. والروايات تشير إلى هذا الاتجاه.

روى ابن عقدة بسنده عن الفضيل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول الله صلى الله عليه واله من جهال الجاهلية فقلت: وكيف ذلك؟ قال كان رسول الله صلى الله عليه واله أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، ويحتج عليه به، ثم قال: أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر.

ومعنى ذلك أن المعارضة التي يواجهها الإمام عجل الله تعالى فرجه هي المعارضة التي واجهها جده رسول الله صلى الله عليه واله من قبل جهال قومه، بل المعارضة التي تنتظر الإمام عجل الله تعالى فرجه هي أشد من تلك المعارضة التي عاناها النبي صلى الله عليه واله، ذلك لأن معارضة الجاهلية إبان عهد البعثة المباركة كانت معارضة بدائية ساذجة لا تجد غير الرفض المبرر وأن دين محمد هو تحول عن دين الآباء وإصباءٌ عن اعتقاد أجدادهم وهو شيء يرونه غير صحيح على أساس الفهم القبلي والتعصب الذي يحمله الشخص الجاهلي إزاء عقيدة آبائه كون أن ذلك يُعد تجاوزا لعقيدة أكابر القوم وأسلافهم وهو أمر غير أخلاقي حين يخالف الولد أباه في عقيدته، وكون العدول إلى عقيدة غير عقيدة الآباء يعد تخطئة لآبائهم،

إذن النفس القبلي والعصبية الأسرية تدعو هؤلاء الجهال إلى عدم قبول أطروحة النبي صلى الله عليه واله السماوية وسيكون رد هذه المعارضات (القبائلية) أيسر من المعارضات الفلسفية والفكرية التي يلتزمها معارضو الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه، إذ إن الحركة التأويلية هي حركة متمردة في واقعها غير يسيرة في الخضوع إلى الغير، أو قل: إن المعارضات التي يواجهها الإمام عجل الله تعالى فرجه هي معارضات تنظيمية غير خاضعة لإرادة المبادئ والقيم بل خاضعة لإرادة السياسة والمنصب فقط، والتأويل هو أحد الأطر التي تؤطر هذه المعارضات، علماً أن هذه الحركات أطروحات تنظيرية وضعت من أول الأمر للتصدي لحركة الإمام عجل الله تعالى فرجه وعملت منذ عقود طوال على احباط المشروع المهدوي،

وبذلك فستكون ناضجة بشكل كبير من حيث التنظيم والمعارضة وستعمل على تعزيز الجبهات خصوصاً وهي تعمل على المستوى الإعلامي لتهيئة النفوس للوقوف أمام حركة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، في حين لم تعهد الجهود الرافضة لدعوة النبي صلى الله عليه واله الثقافة التنظيمية المعارضة، بل هي حركات وأفكار بدائية ساذجة لا تتعدى عن التساؤلات والرفض القبلي غير المبرر كما قلنا، ولذلك في تعبير الإمام الصادق عليه السلام وردت كلمة (أشد) إشارة إلى قوة الجهد المضاد الذي سيواجهه الإمام عجل الله فرجه في حركته، ولعل ذلك يبرره الإمام عجل الله تعالى فرجه بقوله إنه <ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم> إشارة إلى عنف التغيير الذي سيلاحق هؤلاء ليقتص منهم بالعدل كل مظلمة وحق.

وفي رواية ابن حمزة نفس اللفظ إلاّ أنه بدل قوله -أشد- أن القائم يلقي في حربه ما يلقى رسول الله صلى الله عليه واله، والرواية تنفي أساليب المعارضة التي عاناها رسول الله صلى الله عليه واله مما سيعانيه ولده القائم لنفس السبب وهو مشكلة التأويل والإصرار على رفض التغيير.

بل رواية أبان أصرح من سابقها إذ لم يكتف هؤلاء الرافضون للإمام عجل الله تعالى فرجه بالوقوف أمامها وعدم قبولها بل ستكون هنا حالة التكفير والبراءة الذي يوجب اللعن بعد ذلك من هؤلاء الرافضين لحركة الإمام عجل الله تعالى فرجه وإشاعته بين أوساط الناس، تماماً كما يفعل هؤلاء الرافضون لأطروحة أهل البيت عليهم السلام والذين يكفرون ويلعنون أتباعهم بحجية انحرافهم وخروجهم عن الإسلام بل يستحلون دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وإليك نص هذه الرواية.

روى علي بن أحمد بسنده عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا ظهرت راية الحق لعنها من أهل الشرق والغرب، أتدري لم ذلك؟ قلت: لا، قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه.

وعلة اللعن هنا لا تعني أنها مشروعة يقرها الإمام ويعطي تبرير لهذا الرفض، بل إن الإمام عجل الله تعالى فرجه أراد أن يشير إلى أن حالات خرق فكري لبعض الحركات المنتسبة لآل البيت عليهم السلام تعطي انعكاسا سيئاً للذهنية العامة حتى أنها لا تود استقبال الإمام عجل الله تعالى فرجه بحركته الإصلاحية هذه، وهو أمرٌ مرفوض إذ من غير الصحيح أن تُلقى لائمة الانحراف السلوكي لبعض التيارات والاتجاهات على الحركات الإصلاحية التي يتزعمها الإمام عجل الله تعالى فرجه والتبرؤ بسبب ذلك غير مبرر وإن كان السبب يرجع إلى أولئك المنتسبين لآل البيت عليهم السلام في فكرهم وأطروحاتهم إلاّ أن انحرافهم السلوكي سيكبّد الناس حالة إحباط شديد يرفضون بسببه حركة الإمام عجل الله تعالى فرجه.

ورواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إذا رفعت راية الحق لعنها أهل الشرق والغرب، قلت له: مم ذلك؟ قال: مما يلقون من بني هاشم.

ويمكن تعليل الرفض المعبر عنه باللعن لأن بني هاشم أو المنتسبين في أطروحتهم لبني هاشم (أي أتباع أهل البيت عليهم السلام) لشدة ما يمارسونه من العدل والإنصاف فإن كثيرا من أهل الشرق والغرب يرفضون هذا الاتجاه و هؤلاء من أهل الشرق والغرب – هم أولئك الرافضون لأطروحة آل البيت عليهم السلام.

ولعل رواية يعقوب السراج ستكون أكثر وضوحا إذا ما عرفنا أنها تعتمد إلى تسمية هذه الجبهات الرافضة وسيزيدنا ذلك قناعة بأن هذه التوجهات الرافضة، هي توجهات تقليدية رافضة لأطروحة أهل البيت عليهم السلام بل توجهات معادية لثقافتها الأخلاقية والفكرية.

روى علي بن أحمد بسنده إلى يعقوب السراج قال: سمعت أبا عبد الله عليهم السلام يقول:
ثلاثة عشر مدينة وطائفة يحارب القائم أهلها ويحاربونه: أهل مكة، وأهل المدينة، وأهل الشام، وبنو أمية، وأهل البصرة وأهل دميسان، والأكراد، والأعراب، وضبة، وغنى، وباهلة، وأزد، وأهل الري.

ومعلوم أن أهل مكة يرفضون الإمام وحركته وهو ما صرحت به روايات النفس الزكية بقوله عجل الله تعالى فرجه: (إن أهل مكة لا يقبلونني..) فيرسل إليهم الغلام الذي سيحاورهم إلاّ أن مصيره سيكون القتل، واما أهل المدينة فهم نفس الوسط الثقافي الذي يرتضع من ثقافات موحدة هي في طبيعتها معادية لأهل البيت عليهم السلام ولأتباعهم، والواقع العملي الحالي شاهد على ذلك وهو ما يؤسفنا حقاً كما أن أهل الشام يتميزون في عدائهم لآل البيت ولأتباعهم، والحركات الشامية التي استباحت أتباع آل البيت عليهم السلام _خصوصاً في العراق_ وممارساتهم العدائية شاهدة على ذلك، كما أن ضبة وغنى وباهلة هي قبائل موالية للحركات المناوئة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ففي حرب الجمل كان لهذه القبائل حضورها في الجانب المعادي للإمام علي عليه السلام ومن غير المستعبد أن تبقى هذه الثقافة أو تترعرع في أوساط الاجيال القادمة.

ولعل تساؤلاً يطرحه البعض عن شأن المدن التي عرفت بولائها لأهل البيت عليهم السلام كالبصرة والري _وميسان وهي الأقرب من لفظ دميسان ولعل دميسان تصحيف ميسان_ وبالرغم من مشهورية هذه المناطق في فكرها وثقافتها الموالية لآل البيت عليهم السلام إلاّ أن تحولاً لعله سيحصل فيما بعد لدى البعض ممن يمارسون ثقافات تقريبية غير مبنية على قواعد وأصول الفكر الإمامي الرشيد والذي أوصى به أهل البيت عليهم السلام ليواجهوا الإمام عجل الله تعالى فرجه بالرفض وهذا التحول ناتج عن الفراغ الفكري الذي ستعانيه هذه الأوساط وحالة الجهل والإصرار على رفض قبول الأطروحات الإصلاحية تنشأ من أوساط هذه المدن ثقافات رافضة لدعوة الإمام وحركته،

ولعله لجهل وليس لوعي وتكامل في الرؤية فالإصرار الذي سيستشري بين هؤلاء يدفعهم إلى العناد والرفض والانصياع إلى دعوات الإمام عجل الله تعالى فرجه، وبالرغم من أن الإمام عجل الله تعالى فرجه يرفض البدء بالقتال ويحرص على حوارهم وإقناعهم أملاً منه برجوعهم إلاّ أن جهلهم يؤدي بهم بعدم القبول والمواجهة غير المشروعة للإمام عجل الله تعالى فرجه.

 

الحوار في حركة الإمام عجل الله تعالى فرجه:

يحتل الحوار في حركة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه مساحة واسعة من الاهتمام الكبير ضمن أطروحته المباركة، ويعمل الحوار في هذه الحركة على تمتين الثقة بهذه الأطروحة لدى الأوساط من الناس الذين يعيشون هواجس الخوف والقلق من حلول هذه الحركة بين ظهرانيهم، وهم لا يزالون يعيشون حالة الخزين الإعلامي المعاكس الذي تحتفظ بها أذهانهم المشبعة بتلك الرؤية المتشائمة حيال الإمام، وسيلعب الإعلام المضاد دور المحّرض كذلك وليس المثبّط فقط ضد هذه الأطروحة ولذا فإن تحركات الإمام عجل الله تعالى فرجه ستتوج بحالة من التعريف يقدمه الإمام لبيان مبررات الثورة ومقتضيات الإصلاح.

ففي بيانه الأول يقدم الإمام عجل الله تعالى فرجه رؤية متكاملة إزاء ثورته ودواعي حركته، وسيتمكن من حوار يميط من خلاله كل هواجس المحذور التي تأخذ بهؤلاء إلى مدياتٍ واسعة من التحرك غير المبرر ضد الإمام، وسيبين علاقته بالأنبياء عليهم السلام وأن ثورته هذه تنتسب إلى حركتهم كما ينتسب هو إليهم فكراً ومنهاجاً.

يتبع.. الطائفة الثانية: وهي الطائفة من الروايات التي تتحدث عن اشاعة روح السلام والحوار عند ظهوره المبارك

_____________
كتاب: فقه الحوار.. ونبذ العنف في حركة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

المصدر: الاجتهاد

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأحد 7 يناير 2018 - 07:52 بتوقيت مكة