نتانياهو يحكم بأن إيران تسقط من الداخل وليس من الخارج، في إشارة إلى العجز الأميركي- الإسرائيلي عن غزو إيران. لكن ترامب يتخيّل أن المظاهرات تدقّ ساعة تغيير النظام في إيران، داعياً دول العالم إلى تأييدها للتعبير عن دعم الشعب الإيراني في الحرية، بحسب تعبيره.
ولم تسلك هذه الأماني العارية أبعد من بعض المريدين حول ترامب مثل السناتور الجمهوري لاندسي غراهام، فضلاً عن حفنة مقالات صحفية في واشنطن تفتقد الصدقية والجدّة. فترامب كما نتانياهو هو الأكثر اشمئزازاً للشعب الإيراني بأسره بحيث ينقلب تعاطفه المعسول نقمة فاضحة للدجل، وفق رئيس الأركان السابق الأدميرال مايك مولن.
وهو ما ألمح إليه عدد من المسؤولين المعنيين في أوروبا الذين يأخذون على ترامب بأنه أطاح بحبل التواصل مع إيران وقطع بذلك إمكانية التأثير في الأحداث وحتى تحريفها في اتجاه الدول الغربية حين تدعو الحاجة.
المفارقة أن الدول الغربية التي اجتمعت بين الاتحاد الأوروبي وإدارة باراك أوباما على توقيع الاتفاق النووي مع إيران، لم يكن هدفها التوصل إلى علاقات متكافئة في تبادل المصالح والمحافظة على الاستقرار والسلم العالمي وغير ذلك من الأسس العادلة بين الدول. فمثل هذه البديهيات لا تقرّ بها الدول الغربية مع العالم الآخر ولا سيما إذا كان ندّيّاً.
لكن هذه الدول بعدما استعصت إيران على التطويع، ارتأت الدول الغربية احتواءها لتفريغها من محتواها الندّي على المدى الطويل. وعلى الرغم من المحافظة على الاتفاق النووي والمباحثات الثنائية المتوالية، لم تتقدم خطوة ملموسة في توطيد العلاقات البينية ولم تفتح أفقاً لفتح صفحة ملموسة أكثر نصاعة من الماضي.
ما كانت تسعى إليه هذه الدول تحت تسمية بحث كل الملفات الإقليمية بموازاة الاتفاق على الملف النووي، هو العنوان الذي أصرّت عليه أميركا وأوروبا لأن تنضوي إيران لدعم الغرب، فيما يراه مصالحه الحيوية في الشؤون الإقليمية مقابل السماح لإيران ببعض الحقوق في الملف النووي. وقد تشمل الملفات ما تسميه إسرائيل مباحثات السلام. إضافة إلى ما تسعى إليه الدول الغربية في سوريا والعراق وليبيا فضلاً عما يسمى نبذ العنف لإدانة المقاومة في فلسطين ولبنان وحتى إدانة الحركات الشعبية التي تحارب الجماعات الإرهابية إلى جانب جيوش الدول.
في هذا السياق أرست الدول الغربية الوجه الآخر في فرض الإنضواء تحت المظلة الغربية، في تجريم دعم إيران لأي مقاومة تواجه إسرائيل. وتجريم دعم أي بلد يدافع عن نفسه ضد الإرهاب وضد التفتيت والقتل والغزو، كل ذلك بذريعة أن هذه الأمور الكبيرة هي شأن الدول الغربية وحدها. وأن البلد الذي يصغي إلى حكمة الدول الغربية في الالتفات إلى شؤونه الخاصة لا يلبث أن تغدق عليه نعم الحرية والازدهار بكسب رضى الدول الحكيمة في أميركا وأوروبا صاحبة الشرائع الدولية.
ما يتوجه إليه ترامب للشعب الإيراني في دعوته للإنكفاء على ذاته سبيلاً للحرية والقضاء على الأزمة الاقتصادية، هو وليد وصفة سحرية في الدول الغربية قبل ولادة ترامب والرؤساء الآخرين. لكن هذه الدول تصف لنفسها وصفة نقيضة عما تصفه للدول الاقليمية أملاً بتخفيف أزماتها الاقتصادية الداخلية والحدّ ما أمكن من البطالة والتهميش الاجتماعي.
وعلى الرغم من ذلك تعاني الدول الغربية القوية مثل فرنسا وبريطانيا وأميركا وألمانيا، الظاهرة التي تتفشّى في كل بلدان العالم ومن ضمنها إيران. وقد تكون الأسباب عائدة لتحوّل العالم بشكل عنيف وسريع من الاعتماد على عمل الإنسان إلى الاعتماد على الآلة والتقنيات المعزولة عن دور البشر، كما تبجّل الدول الغربية الحضارة المعاصرة من دون الالتفات إلى المآسي التي تجرّها معها.
الرئيس الإيراني يستخلص من الاحتجاجات في إيران، أن تكون الاعتراضات والانتقادات فرصة وليس تهديداً. وقد يكون الطريق معقداً في ظل ظروف تتفرّد بها إيران. لكن في بعض الأحيان يقول أحد الحكماء إذا ارتبكت عليك الاختيارات، انظر ما تدعو إليه أميركا واختر النقيض.