الظروف الاقتصادية الصعبة نسبيا التي يعيشها الشعب الايراني ناتجة بخاصة من العقوبات الاميركية الكبرى على ايران والتي شملت اي شركة في العالم تتعامل مع ايران، ذلك ان الكونغرس الاميركي الذي اقر قانون العقوبات على ايران، واقره الرئيس الاميركي دونالد ترامب ونشره، جاء فيه ان اي شركة في العالم تقوم بالاستثمار في ايران، لن يكون لها الحق في أي عمل تجاري او مالي او مع المصارف الاميركية او بيع بضائعها بل يتم فرض عقوبات اميركية عليها وتتم محاصرتها. ولذلك بعدما كانت اوروبا قد قررت استثمار حوالى 450 مليار دولار في ايران فان العقوبات الاميركية المتلاحقة اوقفت تعاطي 27 دولة اوروبية مع ايران، كذلك اوقفت استثمارات يابانية وكورية جنوبية واندونيسية وهندية وصينية في باكستان، اضافة الى شركات تركية وآسيوية اخرى.
اما واقع الامر المعيشي والحياتي لدى الشعب الايراني فهو صعب، اولا لانه ناتج من عقوبات لم يشهد لها التاريخ مثيلاً مثلما فعلت اكبر دولة عظمى في العالم هي الولايات المتحدة وفرضتها على جميع دول العالم وشركاتها لمنع اي تعامل مع ايران، وثانيا، لان سعر البترول قد انخفض من 77 دولاراً الى 42 دولاراً. كذلك فان ايران التي كانت تنتج في السابق 6 ملايين برميل نفط يوميا، تنتج حاليا مليونين ونصف مليون برميل، وهي كانت على وشك توقيع اتفاق لانتاج 4 ملايين برميل سنة 2018، و6 ملايين برميل سنة 2019، لكن الشركات الاوروبية توقفت عن توقيع الاتفاقات بعد العقوبات الاميركية. انما تعمل وزارة النفط الايرانية عبر خبراء ايرانيين وخبراء من روسيا على زيادة القدرة الانتاجية لتصدير النفط من مليوني برميل ونصف الى 4 ملايين سنة 2018، وهذا يعطي مدخولا الى ايران يقدّر بقيمة 23 مليار دولار، مما يعطي الخزينة الايرانية القدرة على الغاء ضرائب ودعم منتجات حياتية لتخفيض الاسعار، كذلك فان زيادة مدخول ايران بقيمة 23 مليار دولار سيفتح المجال لاعمار مصانع، وبخاصة الانطلاق بالمشاريع الزراعية المتقدمة، مما يعطي فرص عمل الى حوالى 12 مليون شاب وشابة ايرانية في مجالات الصناعة وشركات الخدمات والزراعة، ويخفّض البطالة في ايران من 29 في المئة الى حوالى 7 في المئة.
ورغم انتشار المظاهرات في العاصمة طهران وفي 73 مدينة ايرانية ضد حكومة الرئيس الايراني روحاني في سياسته الاقتصادية على عكس المظاهرات التي حصلت سنة 2009 وكانت مظاهرات سياسية بامتياز على اساس ان نتائج الانتخابات الرئاسية حصل فيها تزوير، فان هذه المظاهرات هي بامتياز معيشية وحياتية. لكن هنالك خطة اعلامية صهيونية - اميركية - سعودية تعمل على نشر صور المتظاهرين والمظاهرات ومع تضخيم اعلامي على ان النظام الايراني من خلال هذه المظاهرات هو على طريق السقوط.
اقرأ أيضا: ابن سلمان ونقل المعركة الى داخل ايران.. اصحاب القمصان البيضاء!
ونتيجة المظاهرات ومحاولة البعض احراق ابنية عامة والتي اندلعت منذ يوم الخميس وحتى ليل الاثنين امس، سقط 12 قتيلا من المتظاهرين. والسبب يعود الى ان المرشد الاعلى للثورة الايرانية السيد علي خامنئي منع الجيش الايراني والحرس الثوري من التدخل وقمع اي مظاهرة. كما اعطى توجيهاته الى الرئيس الايراني روحاني بأن لا تطلق النار الشرطة الايرانية وهي شرطة الامن الداخلي على المتظاهرين بالرصاص الحي. انما وقع ليل الاحد 10 قتلى في مظاهرات شملت 73 مدينة وكانت المظاهرات تضم ما بين 4 الى 6 الاف متظاهر في كل مدينة. ولولا قيام البعض بمحاولة احراق مبان عامة لما سقط قتلى والقتلى العشرة سقطوا ليل الاحد، اما القتيلان الاخران فقد قتلا يوم الاثنين اثر مهاجمتهما لاحد المباني الرسمية ومحاولة احراقها.
كما سقط ثلاث قتلى في التظاهرة بمدينة كارمنشاه بعدما اشتبك المتظاهرون الذين حاولوا حرق مبنى مع الشرطة فقتل رجل من الشرطة واثنين من المتظاهرين، وبالتالي ارتفع عدد القتلى الى 15 منذ الخميس الماضي وبدء التظاهرات حتى ليل الاثنين.
التلفزيون الايراني ينقل صور التظاهرات
واذا كانت الولايات المتحدة والسعودية واسرائيل ودول في العالم تنشر صور المظاهرات، فهي تنقلها عن التلفزيون الرسمي الايراني الذي ينشر صور المتظاهرين.
وفي نشرة اخبار التلفزيون الايراني الرسمي اعلن ان 10 اشخاص قتلوا في المظاهرات، وقال ان المظاهرات هي مناهضة للحكومة ومستمرة منذ ايام في مدن متفرقة في انحاء البلاد كلها.
ثم اضاف ان متظاهرَيْن قتلا مساء الاثنين اثر اصطدام عربة لاطفاء الحرائق بسيارتين كان يقودهما متظاهرون بسرعة مما ادى الى مقتل المتظاهرَين، و3 قتلى في كارمنشاه.
وقال الرئيس الايراني حسن روحاني ان من حق المواطنين الاحتجاج ضد الحكومة على ان لا يهددوا الامن. واعترف الرئيس الايراني حسن روحاني بأن هنالك مشاكل يجب حلها لكن حذر من ان الحكومة لن تتهاون مع احداث العنف.
والمظاهرات الحالية هي اكبر احتجاجات تشهدها ايران منذ الاحتجاجات عام 2009. وقد بدأت المظاهرات في شمال غرب ايران ضد الاوضاع الاقتصادية وارتفاع الاسعار. لكن تحول بعضها الى مظاهرات ذات طابع سياسي، وردد المتظاهرون شعارات ضد الرئيس روحاني وحكومته.
في هذا الوقت، اشتعلت التلفزيونات السعودية والاماراتية وغيرها بنشر صور المظاهرات التي لولا نشرها بالتلفزيون الايراني لما ظهرت في كل وسائل الاعلام التلفزيوني في اميركا والسعودية واسرائيل ودول اوروبا.
قرار القيادة الايرانية
اما بالنسبة الى القرار الذي اتخذته القيادة الايرانية فهو بعدم استعمال القوة وعدم انزال الجيش الايراني ولا الحرس الثوري لمواجهة اعمال الشغب وكما قلنا سابقا جاء ذلك بناء على قرار من المرشد الاعلى للثورة الايرانية السيد علي الخامنئي.
وقد اقر الرئيس الايراني روحاني ان هنالك مشاكل اقتصادية حاصلة في ايران مثلما هنالك مشاكل اقتصادية كبيرة حصلت في دول اوروبا وبلدان كثيرة حيث تم وقف اعمال المصارف ومنع المواطن من سحب اكثر من 60 دولاراً خلال الاسبوع.
واقر الرئيس الايراني روحاني ان المشاكل الاقتصادية يجب التعامل معها بجدية، وان هناك غياباً للشفافية ويوجد فساد وستعمل حكومة الرئيس روحاني، وفق قول الرئيس الايراني، على اظهار الشفافية في حل المشاكل الاقتصادية، وستقوم بضرب الفساد، لكن الرئيس روحاني دافع عن سجله.
ويتابع التلفزيون الايراني بنشر صور المظاهرات ضمن نشراته الاخبارية بصورة عادية، وينشر مقابلات مع متظاهرين يعترضون على الوضع المعيشي والاقتصادي في ايران.
فيما على مستوى النظام الايراني فان المسؤولين كافة يرون ان الوضع مسيطر عليه ومن حق الشعب ان يتظاهر مطالبا بحلول من قبل الحكومة للمشاكل الاقتصادية والحياتية والعمل على تخفيض الاسعار وايجاد فرص عمل للشبان والشابات في ايران.
ردود فعل العالم
اما الرئيس الاميركي دونالد ترامب فقد عبر عن تعاطفه مع المظاهرات في ايران. وقال ان الايرانيين اخيرا بدأوا النظر بحكمة الى ثروتهم التي تبذر على الارهاب، فرد عليه الرئيس روحاني قائلا «هذا السيد في اميركا يبدي تعاطفه مع شعبنا، لكنه نسي انه قد وصف الايرانيين بأنهم ارهابيون قبل بضعة اشهر».
اضاف روحاني «ان هذا السيد الموجود في واشنطن هو الذي فرض اصعب الاوضاع الاقتصادية على ايران من خلال الحصار التي تقوده الولايات المتحدة مع الصهيونية العالمية ودول في الخليج الفارسي، وان ايران قوية وستجتاز هذه المرحلة ولن تقوم بقمع شعبها». بل قال الرئيس روحاني لقد اعطيت الاوامر الى وسائل الاعلام الرسمية لنشر صور كل المظاهرات وصور آراء المتظاهرين ومقابلات معهم.
لكن الرئيس الايراني روحاني اكد انه اتخذ قرارا للحفاظ على الهدوء وامن المجتمع دون الحاجة الى انزال الجيش الايراني او الطلب من الحرس الثوري الايراني القيام بحفظ الامن بالقوة، وان الدولة قادرة على السيطرة على الاوضاع وان الحكومة الايرانية ستعمل على اخذ بعض القرارات في شأن ارتفاع الاسعار وغيرها.
اما التلفزيون السعودي فقال ان المعركة التي ارادتها ايران خارج اراضيها قد انتقلت الى داخل ايران. وان الشعب الايراني انتفض على الثورة الايرانية وسيقوم بإسقاط نظام الثورة الاسلامية الايرانية.
وفي اشارة الى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قال الرئيس الايراني روحاني ان العدو، ويعني السعودية قالها بصراحة، سينقل المعركة الى داخل ايران، ونحن نقول له «ان الشعب والمسؤولين الايرانيين سيردون عليك مباشرة».
واضاف روحاني «ان الصهيونية العالمية والولايات المتحدة والسعودية وبعض دول الخليج الفارسي التابعة لها اصيبت بهزيمة كبرى في شأن الاتفاق النووي امام حلفائها في اوروبا».
وفي اجتماع للرئيس روحاني مع الحكومة والمسؤولين قال روحاني ان ما يجري حاليا في ايران هو فرصة لحل المشاكل، وليس فرصة لقمع الشعب، واضاف ان العدو ضد ايران غاضب من عظمة الشعب الايراني ونجاح تطور ايران. وان الانتقاد والاحتجاج فرصة وليس تهديدا، والشعب بنفسه سيرد على مخترقي القانون وعلى محاولة الفتنة في ايران.
واتهم الرئيس الايراني روحاني الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي والسعودية بالعمل على تحريض بعض المتظاهرين للانتقام من ايران.
كما قال الرئيس الايراني روحاني ان ايران تؤدي دورا ايجابيا لاجل السلام والدفاع عن المظلومين، ومن حق المواطنين الاحتجاج، لكن يجب ان يكون بالوسائل القانونية، وان ايران مرت بصعوبات كبرى واجتازتها بسهولة وهذه المرة ستجتازها.
ووجه الرئيس روحاني كلامه بصورة غير مباشرة الى السعودية، هؤلاء القريبون من حدودنا يعملون على التحريض ضدنا ودفع مئات المليارات لمحاصرة ايران اقتصاديا ومحاولة اثارة الفتنة ونحن عملنا بكل حسن نية على عدم مس امنهم الداخلي، رغم ان انظمتهم هي ركيكة وضعيفة، لكنهم قابلوا حسن النية من ايران بمحاولة التحريض على ايران، ومن الان وصاعدا فاننا نقول لهم لن تكونوا خارج الحساب وستتم محاسبتكم ولدينا من القدرة على هز انظمتكم كلها وسنفعل.
اما في فلسطين المحتلة فقد ايد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الاحتجاجات المستمرة في ايران منذ 5 ايام، معتبرا ان سقوط النظام الايراني سيؤدي الى صداقة بين الايرانيين والاسرائيليين كما كانوا في السابق قبل حصول الثورة الايرانية وسقوط شاه ايران.
واضاف نتنياهو انه من الاسف ان حكومات اوروبية كثيرة تنظر بصمت الى مظاهرات الشعب الايراني، وانا كرئيس وزراء "اسرائيل" لا انوي ان اظل صامتا، وختم كلامه: عندما سيسقط النظام الايراني اخيرا وهو سيسقط يوما ما، سيكون الايرانيون والاسرائيليون افضل الاصدقاء مرة اخرى، حسب زعمه.
الديار