ما شعار جماعة «أصحاب الرايات البيضاء»؟ وماذا عن نشأتها؟
بحسب تقرير تلفزيوني بثته قناة العهد الفضائية، تتخذ الجماعة الجديدة راية بيضاء يتوسطها رسم أسود اللون يمثل رأس الأسد، ويضيف التقرير أن مكان تواجد هذه الجماعة في سلسلة جبال حمرين، وتحديدًا قرب قرية «الغرة»، بين قضائي طوزخورماتو في محافظة صلاح الدين ومحافظة كركوك، وقضاء كلار في محافظة السليمانية.
وبدأ الحديث عن جماعة «أصحاب الرايات البيضاء» بعد استعادة القوات العراقية مدينة كركوك من قوات البيشمركة في 16 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حسبما صرح بذلك الخبير الاستراتيجي العراقي هاشم الهاشمي، وقال الهاشمي في مقابلة تلفزيونية: إن هذه الجماعة ظهرت ردًّا على استعادة القوات العراقية مدينة كركوك. ويعرّف الهاشمي هذه الجماعة بأنها ليست من الجماعات الأصولية، معززًا ذلك بالراية البيضاء التي تتوسطها صورة رأس أسد، إذ تُحرم الجماعات الأصولية مثل هذه الشعارات، على اعتبار أن صورة الأسد محرمة: لأن صورة كل ذي روح حرام شرعًا، بحسب قوله.
ماذا نعرف عن أصحاب الرايات البيضاء؟
اختلفت الروايات عن ماهية هذه الجماعة وعن فكرها، ولم يتفق اثنان على رؤية موحدة لهذه الجماعة، لكن المؤكد هو وجودها فعليًّا على الأرض. عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي، النائبة فرح السراج، تحدثت لـ«ساسة بوست» عن أن هذه الجماعة تنشط في قضاء طوزخورماتو جنوب شرق مدينة كركوك، وأن كل المعلومات التي تُعرف عن هذه الجماعة لا زالت غامضة ولا يمكن الجزم بها، وبحسب السراج، فإن جهات خفية تقف وراء هذه الجماعة للتحضير لأمر معين.
ويقول قائم مقام قضاء طوزخورماتو، نجاة حسين، إن هذه الجماعة متطرفة وأصولية، وينتمي معظم أفرادها إلى الأكراد، بعد أن تعرضوا للاضطهاد فيما سبق وحاربتهم السلطات الكردية، وأضاف حسين أن هؤلاء المسلحين عملوا مع تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وفروا من المناطق التي كانوا يتواجدون فيها، وتجمعوا في هذه المنطقة مستغلين طبيعة الأرض.
ليسوا «داعش»؛ بل بعثيين
هذا ما صرح به رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة ديالى صادق الحسيني، مشيرًا إلى أن هذه الجماعة المسلحة تنتمي إلى حزب البعث، كما أوضح أن حزب البعث يعمل على تجميع عناصره ونقلهم سرًّا إلى المنطقة.
المحلل السياسي والاستراتيجي سرمد البياتي، كان له رأي آخر، أدلى به إلى «القدس العربي» قائلًا: «إن المعلومات شبه المؤكدة تفيد بأن أفراد هذه الجماعة من تنظيم أنصار الإسلام الكردي، إلا أنهم ظهروا بحلة جديدة وباسم جديد»، مشيرًا إلى أن «هذه الجماعة تنتظر الأوامر، من جهات معينة، لتنفيذ الهدف الأساسي وهو السيطرة على محافظة كركوك وإسقاطها، فضلًا عن الاستمرار في إثارة البلبلة في هذه المنطقة»، بحسب البياتي.
من جانبه، قال القيادي في الحشد الشعبي محمد مهدي البياتي إن أصحاب «الرايات البيضاء» هم سيناريو جديد في العراق بعد التخلص من تنظيم «داعش»، وأوضح البياتي أن تحالفًا حصل بين حزب العمال الكردستاني «PKK»، والانفصاليين العراقيين ممن لديهم قوات عسكرية ومقرات، ليظهروا معًا بشعار جديد هدفه إشعال المنطقة وإدخالها في فتنة جديدة، بحسب ما يرى.
فيما صرح الصحافي مهند رغيد الحيالي من مدينة كركوك لـ«ساسة بوست» قائلًا: «إن كل المعلومات التي تواترت عن هذه الجماعة، أنها تتخذ من جبال حمرين مقرًا لها، وأن كثيرًا من مرتفعات هذه الجبال لم تصل إليها القوات الأمنية منذ عام 2003»، وأضاف الحيالي أن هذه الجماعة مزودة بأسلحة خفيفة ومتوسطة وحتى ثقيلة، وتمتلك عددًا غير معروف من السيارات رباعية الدفع التي تنتقل بها في هذه المنطقة الوعرة. وأشار الحيالي إلى أن المعلومات المتقاطعة تبين أن كثيرًا من أفراد هذه الجماعة من الأكراد.
وفي تصريح لـ«ساسة بوست»، قال الخبير الأمني رياض العلي: «إن هذه الجماعة لها علاقة بالذي حصل بعد 16 أكتوبر الماضي، واستعادة بغداد السيطرة على مدينة كركوك، وعلل ذلك بأن هذه الجماعة لم يعرف عنها أي شيء قبل استعادة القوات العراقية مدينة كركوك، ما يدل على أن يدًا خفية لها دور فيما يجري»، وعن عدم إطلاق أي عملية عسكرية أمريكية أو عراقية ضد هذه الجماعة، قال العلي: «إن عدم تصريح الأمريكيين بأي معلومات عن هذه الجماعة أمر مستغرب، خاصةً أن الطائرات المسيرة الأمريكية لا تفارق سماء المناطق الشمالية في العراق»، وعن احتمالية إطلاق بغداد حملة عسكرية ضد هذه الجماعة، أشار العلي إلى أن مثل هذه العملية ليست بالأمر السهل، كون المنطقة واسعة جدًا ومترامية الأطراف، فضلًا عن أنها وعرة جدًا، ولا يصلح معها إلا فرقة مشاة جبلية، بحسب رأيه.
وتجدر الإشارة إلى أن السفير الأمريكي في العراق، دوجلاس سليمان، كان قد حذر في أوائل الشهر الحالي من ظهور جماعات جديدة في العراق، بعد انفراط عقد تنظيم «داعش» فيه.
فيما أفاد شهود عيان من قضاء طوزخورماتو والمناطق المحيطة به، لـ«ساسة بوست» أن الوضع الأمني في المنطقة غير مستقر، إذ قال أبو محمد من سكان القضاء ذاته: «إن مسلحين مجهولين ينتشرون على الطرق الخارجية للقضاء في نقاط متنقلة، وإننا نخشى التنقل في المنطقة بعد مغيب الشمس»، فيما قال علي محمد من سكان إحدى القرى القريبة من القضاء: «إننا نسمع يوميًّا عن مسلحين مجهولين يطوفون المناطق الجبلية، ونسمع عن عملياتهم، وهذا يزيد من رعبنا ومخاوفنا كل يوم».
الجماعة الغامضة.. كم عدد أفراد ها بالتحديد؟ وما العمليات التي قامت بها؟
لا يعرف أحد -على وجه الدقة- عدد أفراد جماعة «الرايات البيضاء»، إلا أن لجنة الأمن والدفاع النيابية أفرجت عن معلومات تؤكد وجود مجاميع مسلحة في الهضاب القريبة من قضاء طوزخورماتو، وقال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، إسكندر وتوت، إن المعلومات الأولية تشير إلى أن عدد أفراد هذه الجماعة يربو على ألفي مسلح.
وجدير بالذكر أن المناطق التي استعادتها القوات العراقية في مدينة كركوك وما حولها لم تشهد استقرارًا أمنيًّا منذ ذلك الحين، وتشير المصادر إلى أن جماعة «الرايات البيضاء» مسؤولة عن تنفيذ عمليات مسلحة كان آخرها حرق أربع شاحنات كبيرة وخطف سائقيها في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر (كانون الأول) الجاري على الطريق الرابط بين كركوك والسليمانية.
أما آخر ردود الفعل الرسمية، فقد خرجت على لسان قائد محور الشمال في الحشد الشعبي، أبو رضا النجار، الذي توعد بإطلاق حملة عسكرية لتطهير سلسلة الجبال المطلة على قضاء طوزخورماتو وما حوله، من أجل القضاء على جماعة «الرايات البيضاء»، وأضاف النجار أن «الأيام المقبلة ستشهد انطلاق عمليات مشتركة بين القوات الأمنية، والحشد الشعبي لتطهير الجبال المطلة على القرى التركمانية بقضاء طوزخورماتو»، مشيرًا إلى أن القرى التركمانية تشهد استهدافات عدة ومتكررة، من بينها استهداف القرى بثمانية قنابل هاون أسفرت عن مقتل عدد من سكان القرى، وجرح بعضهم، فضلًا عن خسائر مادية في الممتلكات.
ولعل الأيام المقبلة ستكشف عن مزيد مما لا يُعرَف عن هذه الجماعة، التي يتابع العراقيون بقلق ظهورها بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي استعادة كافة الأراضي العراقية من تنظيم «داعش».