السؤال: ارى أحياناً بعض مظاهر تقديس المنبر كالتمسح به للتبرك أو تقبيله, كذلك التبرك بقطع القماش بعد وضعها في المنبر, فما هو السر في التبرك بالمنبر الحسيني؟
الجواب: لا أدري ما يخالج قلبك من الاشكال وعدم الارتياح الى بعض المظاهر الطبيعية عند المؤمنين والمسلمين كافة من التبرك بالأشياء المقدسة والمشرفة وتعظيم شعائر الله وإعلاء شأنها وتحصيل البركة غير المنظورة بأعيننا التي لا ترى إلا الماديات، فإنك ترى المؤمنين يقبلون المنبر ويأخذون من قماشه ولا ترى ما خلف هذه الأشياء المادية من معاني وأمور غير مرئية مثل البركة والشفاء، كما قال تعالى واصفاً كتابه المجيد: (( مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا )) (الإسراء:82) وكل هذه الامور غير مادية وغير مرئية.
وكذلك قوله تعالى في قصة يعقوب (عليه السلام) وشفائه وعودة بصره بواسطة قميص يوسف (عليه السلام): (( اذهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلقُوهُ عَلَىٰ وَجهِ أَبِي يَأتِ بَصِيرًا ... فَلَمَّا أَن جَاءَ البَشِيرُ أَلقَاهُ عَلَىٰ وَجهِهِ فَارتَدَّ بَصِيرًا )) (يوسف:93-96)، فأنت يا أخي ترى أن ملامسة قميص يوسف (عليه السلام) لا يفرجع البصر فحسب وإنما يأمر به نبي الله يوسف الصديق (عليه السلام) الذي وصفه تعالى بأنه من المخلصين أي الموحدين الخالصي التوحيد، وكذلك نبي الله يعقوب (عليه السلام) ينتظر ذلك ويقول: (( وَلَمَّا فَصَلَتِ العِيرُ قَالَ أَبُوهُم إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَولَا أَن تُفَنِّدُونِ )) (يوسف:94).
وترى المسلمين وخصوصاً الصحابة كيف كانوا يتبركون بآثار النبي (صلى الله عليه وآله) بل ويتنافسون عليها ويستأثرون بها مثل شعرات النبي (صلى الله عليه وآله) أو بصاقه أو فضل وضوئه أو عرقه الشريف أو لباسه أو حتى نعله أو التراب الذي يمشي عليه، بل إن النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا صنع له منبر وكان قبله يخطب على جذع نخلة ميت أنّ عليه أناَ لم يسكت ولم ينته حتى عاد له النبي (صلى الله عليه وآله) واحتضنه فانتهى فقال (صلى الله عليه وآله) للصحابة والله لو تركته لبقي يئنّ إلى يوم القيامة، أفيكون الجذع أفضل منا!!
ومشروعية التبرك مسلّمة عند جميع الاديان وعند جميع المسلمين بما فيهم الوهابية (السلفية)!! فعند شيخهم ومحدثهم ومتعصبهم المتشدد محمد ناصر الدين الالباني كتاب التوسل يذكر فيه الفرق بين التوسل والتبرك ويثبت فيه التبرك.
وروايات تبرك الصحابة بالنبي (صلى الله عليه وآله) تملأ كتاب البخاري وغيره.
وهناك رواية تبين أهمية التبرك بلباس النبي (صلى الله عليه وآله) وشرفه وفائدته حتى للميت, كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله) مع أمّف أمير المؤمنين فاطمة بنت أسد عند موتها فألبسها قميصه ونزل ونام في قبرها، وقال: ألبستها قميصي لتلبس ثوباً من ثياب الجنة، وفي رواية: ليرحمها الله ويغفر لها، وتمدد (صلى الله عليه وآله) في القبر لكي تنجو من ضغطة القبر.
فيا أخي العزيز، من المسلم لدى المسلمين جميعاً بأن أهل البيت (عليهم السلام) من رسول الله وبضعة منهف، لقوله (صلى الله عليه وآله): (فاطمة بضعة مني)، (حسين مني وأنا من حسين)، (علي مني وأنا منه) وغيرها، فالتبرك بهم وبآثارهم كالتبرك برسول الله (صلى الله عليه وآله) وآثاره.
قال إبن قدامة المقدسي الحنبلي في (المغني (ص588 ج2):
(فصل) قال: وأما المنبر فقد جاء فيه يعني ما رواه ابراهيم بن عبدالرحمن بن عبدالقاريء أنه نظر إلى ابن عمر وهو يضع يده على مقعد النبي (صلى الله عليه وآله) من المنبر ثم يضعها على وجهه.
وروي عن علي (عليه السلام) عن فاطمة (عليها السلام) أنها أخذت قبضة من تراب قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فوضعتها على عينها وأنشدت:
ماذا على مَن شمَّ تربة أحمد ***** أن لا يشم مدى الزمان غواليا
فهذا أيضاً من التبرك المتسالم بين الجميع.
وهناك المزيد من أشعار العرب والاستدلالات الاخرى تدل على أن مثل هذا السلوك مقبول لدى الناس:
أمرّ على الديار ديار ليلى ***** اقَبّل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حبّ الديار شغفن قلبي ***** ولكن حبّ مَن سكن الديارا
وكذا تقبيل غلاف القرآن مسَلَّمٌ عند جميع المسلمين لانه ملامس للشريف.
وأخيراً لا أدري ماذا تقصد بالدليل العقلي أكثر مما بَيَّنا من إمكانه ووقوعه ومشروعيته عند المتشرعة وقبوله عند جميع العقلاء، والله المستعان.
المصدر: وكالة ابناء الحوزة