ويعتبر اللوبي الكاثوليكي الفرنسي من أهم مجموعات الضغط الدينية غير المعلنة والذي يتواجد بكثافة في أوساط العائلات الفرنسية المرتبطة تاريخيا بالملكية في البلاد، فضلا عن تواجد هذه المجموعة في اوساط ضباط وجنود الجيش الفرنسي، وهذه الفئة تظهر عن ميول كاثوليكي بعد التقاعد من السلك العسكري، وغالبيتهم ينخرطون في العمل تحت رايات الديغولية المختلفة وفي اوساط اليمين الفرنسي المتطرف أو ما يعرف بحزب الجبهة الوطنية.
وكان ظهور المجموعات الكاثوليكية الفرنسية ملفتا مع بداية الأزمة السورية عام 2011 وأظهرت تأييدًا خجولا للدولة السورية في بداية الأمر تحت ضغط الإعلام الفرنسي، الذي كان التزم الموقف الرسمي الفرنسي التحريضي في سوريا والذي شكل رأس حربة في كل مشاريع القرارات التي قدمت أمام مجلس الامن الدولي ضد الدولة السورية والرئيس بشار الأسد.
غير أن انعطافة كبيرة سجلتها مواقف مجموعات الضغط الكاثوليكي الفرنسي مع احتلال "جبهة النصرة" لمدينة معلولا التاريخية عام 2014 والتي تحوي احد أقدم الاديرة المسيحية في العالم، ومن المعروف أن سكان معلولا ما زالوا يتكلمون اللغة الآرامية التي كان يتحدث بها السيد المسيح عليه السلام، وشكلت مجموعات الضغط الكاثوليكية عبر الكنائس والجمعيات، التابعة لها رأيا عاما في فرنسا مغايرًا للموقف الرسمي وبدأت تعلو الأصوات المحذرة من دعم المجموعات المسلحة في سوريا، وبدأ نواب محسوبون على هذه اليمين الفرنسي التقليدي يظهرون على وسائل الإعلام الفرنسية متحدثين عن حرب يخوضها الرئيس الأسد وتخوضها الدولة السورية ضد جماعات إرهابية.. وبفضل هذه المجموعات الكاثوليكية تشكلت قناعة كبيرة في اوساط غالبية الشعب الفرنسي أن ما يحدث في سوريا هي حرب تخوضها بعض الدول الكبرى وخاصة أمريكا وأوروبا وبعض الأنظمة الخليحية عبر تنظيمات إرهابية مسلحة تصب غالبية مشاريعها في مصلحة تنظيم "القاعدة"، وان هذه الحرب بعيدة كل البعد عن ثورة حرية وديمقراطية كما أريد للناس ان تراها بداية عام 2011.
بعد قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب نقل السفارة الإمريكية من تل ابيب المحتلة إلى القدس المحتلة واعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، تناغم الموقف الرسمي الفرنسي لأول مرة مع موقف اللوبي الكاثوليكي في رفض هذا الأمر، وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي نشاطا كبيرا لأعضاء في مجموعات الضغط الكاثوليكي ترفض قرار ترامب.
وحول موقف اللوبي الكاثوليكي الفرنسي تحدث العقيد السابق في الجيش الفرنسي آلان كورفيس في حوار خص به موقع العهد قائلا أن قرار ترامب يعاكس المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي وأتى بفعل الضغوط الكبيرة التي مارستها القوى المخفية والقوية والتي هددته بالعمل على تنحيته في حال لم يطع الأوامر، ومثلما فعلت هذه القوى عند قصف مطار الشعيرات في سوريا غداة كيماوي خان شيخون التي اتهم فيها الجيش السوري دون أقل قدر من التحقيق على الأرض، لقد كان هذا دليلا قاطعًا ان هذه القوى لن تسمح لترامب بتطبيق برنامجه السياسي في سوريا والذي كان يعتمد سياسة التعاون مع روسيا هناك.
وأضاف العقيد الفرنسي السابق الذي عمل مساعدا لقوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان في ثمانينات القرن الماضي، أن ترامب أهان بقراره هذا الفلسطينيين الذين تنتهك حقوقهم المشروعة منذ العام 1948، وهذا ما سوف يؤدي الى تصاعد أعمال العنف، وسوف ينزع من الولايات المتحدة شرعية الوسيط في مفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيين وإسرائيل، وأكد كورفيس أنه بعيدا عن الولايات المتحدة هناك غالبية الدول التي لا تنتمي للحلف الأطلسي والتي تشكل الأكثرية الساحقة لسكان الأرض ترفض هذا الخرق الجديد للقانون الدولي .
يكمل العقيد الفرنسي السابق الان كورفيس حديثه "بدون شك المنظمة التي تدافع عن مصالح اليهود الأمريكيين الأكثر ثراء تؤيد بشكل كامل السياسة المتطرفة لاسرائيل، إن الأيباك التي تضم القليل من اليهود مقارنة بالجمعيات الأخرى والتي لديها قوة المال والإعلام غضبت على الرئيس ترامب بسبب عدم احترامه لوعده الذي قدمه في حزيران الماضي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وفرضت على ترامب ان لا يقوم بتأجيل ستة اشهر أخرى للقرار الذي اتخذه الكونغرس الأمريكي عام 1999 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس".
كورفيس ختم حديثه بالقول إن القوة الضاربة المالية التي تمتلكها أيباك في امريكا تشبه القوة التي يمتكلها المجلس التمثيلي للجمعيات اليهودية في فرنسا (كريف)، الذي صفق لقرار ترامب وطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالقيام بنفس الخطوة، وهذا ما يتعارض مع المصالح العليا والتاريخية لفرنسا.
نضال حمادة
المصدر : العهد
31103