ولقد كتبت هذا المقال قبل شهرين تقريبا سابحا عكس التيار في التحليل ومستندا الى بعض الوقائع وشيء من التصريحات من هنا وهناك.. لكنني لم أنشره!!.. أما اليوم وبعد قرار الأرعن ترامب بنقل سفارة أميركا الى القدس، وما نتج عنه من هبّة وسخط عام في العالمين العربي والاسلامي وتصحيح على مستوى جيد لبوصلة الصراع التي ضاعت لسنوات بسبب حجم الدعاية والتجييش الاعلامي وقصف العقول الذي تعرض له عالمنا الاسلامي، أفقد قوى الشر الاميركية والصهيونية والاعرابية امكانية المناورة وحشرها في الزاوية الحرجة.. فقد ازدادت القناعة بان محور الشر اعجز من ان يخوض حربا اليوم ضد المقاومة التي تحمل على صدرها نياشين مقارعة العدو الصهيوني والارهاب الوهابي التكفيري والانتصارات التي سجلتها مرخرا ضد داعش ومموليها الدوليين والاقليميين.
* إمارات ودلائل الحرب:
رغم أنه لا يوجد كلام مباشر عن الحرب، إلا أن الجميع في المنطقة يستعد لها نفسيا واقتصاديا وتسليحيا.. شئ يمكن أن نسميه "السلام المسلح" الذي سبق الحرب العالمية الأولى حسب تعبير هنري كيسنجر في رسالته لنيل الدكتوراه "عالم اعيد بناءه" والذي ترجم إلى العربية "درب السلام الصعب"!
فالولايات المتحدة تبحث عن المزيد من القواعد في المنطقة وقامت بربط جميع حلفائها الإقليميين ضمن منظومة الناتو العسكرية والأمنية وتتحدث عن إعادة احتلال العراق وتعزيز احتلال افغانستان تحت مسميات القواعد والتعاون العسكري... كما زادت دفعات وأنواع المناورات التي تجري في البر والبحر والجو.. ناهيك عن مئات المليارات من الأسلحة التي يجري ضخها إلى البلدان الحليفة وخاصة الخليجية منها، بما يرجع كفة الإتجاهات العسكرتارية في هذه البلدان على حساب المشايخ والأمراء التقليديين أو الليبراليين...
قضية أخرى تتولاها السعودية في المنطقة، هي السعي لعقد تحالفات عسكرية تحت مسميات عربية واسلامية (ضمن المظلة العسكرية الغريبة تقودها أميركا) بالمال تارة وقد استطاعت أن تجذب لها السودان وجيبوتي وجزر القمر والأنظمة المعتاشة تقليديا على فتاة البترودولار.. وباحديث عن الخطر الايراني والهلال الشيعي والقنبلة النووية الإيرانية والتي لم يصدقها في ذلك الا بعض الخائفين والمرجفين من امثالها والكيان الصهيوني بالطبع!
ويبقى تحرك الكيان الصهيوني المحتل وعدوانه المتكرر على سوريا ولبنان وغزة في مقدمة ما يبعث على القول بحتمية المواجهة العسكرية.. وهو ما تضرب على ايقاعه بعض الابواق الصهيونية واليمنية المتطرفة في الولايات المتحدة وأوروبا، لكن يبدو انها لم تحصل حتى الان على ضوء اخضر بالعدوان... والسبب واضح هو الخوف من الرد والنتائج.. فلا حزب الله اليوم هو الحزب الذي عجزت اسرائيل عن القضاء عليه في حرب الـ 33 يوم (تموز 2006) وكانت هزيمتها مدوية في مواجهة تلك الامكانيات المتواضعة مقارنة باليوم.. ولا حماس والجهاد وسائر الفصائل الفلسطينية توقفت عن تطوير ترساناتها الصاروخية وخبراتها القتالية بعد آخر عدوان على غزة سنة 2014.
ومع استمرار غلبة كفة الاضرار والخسائر على المكاسب في أي عدوان تقوم به أميركا.. يبقى السلام هو سيد الموقف، لكنه سلام مسلح وقد ينتهي بقرار أرعن أو صدام غير مدروس!!
حتى في قضية اليمن التي تدور فيها حرب ضروس بين المقاومة اليمنية الشريفة المتمثلة بجميع اليمنيين باستثناء مرتزقة العدوان السعودي ـ الاماراتي، فان الخيارات تفرض الحلّ السياسي مع سقوط ورقة الخيانة التي لعبتها الامارات بشكل سييء، وكان ضحيتها علي عبد الله صالح عفاش، الذي ختم حياته بذل الالتحاق بركب العدوان والخيانة.
دلالات وبراهين السلام:
عندما نتحدث عن السلام هنا، نقصد به عدم وقوع الصدام المسلح والمباشر بين الاطراف الرئيسية في الصراع.. اما حروب الاستنزاف والباردة والناعمة والاقتصادية... فستبقى على حالها واحيانا تشتد اكثر عما كانت عليه خلال الفترة الماضية!!
نعم ان ما يتحدث به السعوديون من مشروع نهوض اقتصادي والاماراتيون والمصريون من قضايا تنموية ومساعي الاردن وتركيا والسودان وايران وباكستان والعراق وسوريا للنهوض والتنمية من خلال مشاريع تطويرية واقتصادية يعدّ بحدّ ذاته من عوامل التهدئة العسكرية.. والذي يحتم على الانظمة الداعية للعدوان أن تحدّ من مغامراتها العسكرية، كأن تبتلع الفشل كما حصل للسعودية وقطر في سوريا او تغير وجهتها نحو الوسائل الاقتصادية والناعمة كما في التوجه السعودي – الاماراتي الجديد نحو العراق.
ان مشروع الربط الاقتصادي الكبير الذي ترعاه أميركا بين عملائها في الشرق الأوسط والذي جعل أنظمة كقطر وتركيا (أردوغان) تبتعد عن المنظومة الخليجية – الإسرائيلية يحتاج الى الأمن والإستقرار قبل كل شيء.. لذلك من المستبعد ان تقوم في ضوءه حرب بين ايران ومحور المقاومة من جهة وأميركا وعملائها من جهة أخرى..
ومع ان غزة كانت المرشحة الاولى للعدوان فان اتفاق المصالحة بين فتح وحماس من جهة، وعودة المياه الى مجاريها الطبيعية بين حماس المدعومة من قطر وتركيا ومحور المقاومة من جهة أخرى، خلق ضمانة عالية المستوى لعدم قدرة العدو في شن عدوان على القطاع.
كما ان فشل مؤامرة الاستفتاء التي لعبتها القوى الانفصالية في شمال العراق وتبلور التنسيق الايراني ـ العراقي ـ التركي قلل الى حدّ كبير من امكانية نشوب مشكلة جديدة في الاقليم مع نهاية مشكلة داعش واعلان العراق عن نصره النهائي على دويلة الخرافة.
اضف الى ذلك الاداء السعودي السيء في مسالة الحصار الغبي على قطر والذي ادى الى تمزق مجلس التعاون الخليجي (كما ظهر في قمة الكويت الاخيرة) بعد زهاء اربعة عقود من ظهوره، وفي مسألة احتجاز الحريري واجباره على الاستقالة والتدخل الفرنسي الذي اجبر سلطات الرياض على تحرير الرهائن وعودتها الى لبنان، وايضا اعتقال قرابة 250 أمير ومسؤول كبير في السعودية على يد بن سلمان كخطوة اولى لتسلمه العرش، كله يعبر عن فشل مشروع السعودية بـ"شيطنة" قوى المقاومة كمقدمة للعدوان عليها.
فهل سيكف محور الشر عن هستيريا فشله ويرضى بالرجوع الى المربع الاول بعد نفاذ العديد من أوراقه واحتراقها بسبب غبائه وذكاء محور المقاومة.. وما هي خيارات الشرّ القادمة في الاستمرار بلعبة الشدّ والتأزيم؟؟
أننا في المرحلة القادمة سنكون على موعد مع حروب سايبيرية وأمنية واقتصادية واعلامية شرسة، تحت عناوين مختلفة..
حروب ستكون لها تداعياتها على الوضعين السياسي والأمني في المنطقة دون أن تكون هناك أية حاجة لاطلاق صاروخ.. انها جزء من خطة تحييد القوة الصاروخية الإيرانية (والمقاومة بشكل عام) في المعادلة الإقليمية!
ملاحظة أخيرة.. كما يقال "الجنون فنون" ولعله ان يكون آخر فنّ في جنون "ترامب ـ ابن سلمان ـ نتنياهو" هو العدوان على واحدة من قوى المقاومة مما يستدعي تدخل القوى الأخرى، وان كان تصوره صعبا.. والله العالم!
بقلم: علاء الرضائي