نعلم كيف تعلو صيحات الانتقام بلهجة صعاليك العرب ابان الجاهلية.
لسنا، قطعاً، ضد رؤية ولي العهد للتغيير، وان كان التغييرالفولكلوري، من لوثة القرون الوسطى الى جاذبيات القرن.
لا بد أن نكون مع أي بلد عربي يتفاعل مع ديناميات الحداثة، وينتقل من البنية القبلية للدولة الى المعمارية السوسيولوجية الخلاقة التي هي على تماس مع لغة القرن، وفلسفة القرن. واذ شهدنا ما حل بسوريا، وبالعراق، من ويلات، نأمل ألا تنتقل «حجارة جهنم»، كما وصفها المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه، الى شبه الجزيرة العربية.
لا نبالغ في توصيف الحالة حين نقول ان كل الرهانات التي خاضها الأمير الشاب آلت الى السقوط، كما لو أن يداً، في مكان ما، تعمل على تعرية صاحب السمو ليظل يتأرجح بين الوحول والنيران.
انه مسكون بشخصية جاريد كوشنر على انه الرجل السحري في البيت الأبيض، كما لو أن الجناح الغربي لم يتحول الى سيرك يضج بالمهرجين. رؤوس تتهاوى, واستراتيجيات يليق بها مصطلح «نهش الكلاب». كل يغني على ليلاه.
الأمير طلب من كوشنر (لقاء أي مبلغ ما دام البعض يصفه بشايلوك البيت الأبيض ؟) القاء ريكس تيلرسون من النافذة. في أحد اللقاءات، تبعاً لما ينقله ديبلوماسي خليجي، وصف الأمير تيلرسون حيناً بـ «العميل الايراني»، وحيناً بـ «السمسار القطري»، ناهيك بـ «رجل حسن نصرالله في واشنطن».
المضحك هنا أن صهر الرئيس، وأقرب مستشاريه، استمهل اسبوعاً، كما يشدد المصدر، ليبعث بجثة وزير الخارجية في الحقيبة الديبلوماسية الى ولي العهد.
الذي حدث أن الجنرالات الأربعة (جيمس ماتيس، هربرت ماكماستر، جون كيلي، جوزف مانفورد) تمسكوا بالوزير ليس فقط لأنه يتقن تدوير الزوايا، بل لأنه يستطيع أن يتعامل بحنكة مع دول العالم لا بالمطرقة، ولا بالصاروخ العابر للقارات.
الأمير محمد تمنى أن يؤتى بمدير وكالة الاستخبارات المركزية الجنرال مايك بومبيو وزيراً للخارجية. كان رأي الجنرالات أنهم يريدون رجلاً يحترف اخماد الحرائق لا استجرارها الى العمق الأميركي.
ها أن تيلرسون يحث السعودية، أي يحث ولي العهد، على «امعان النظر» في التعاطي مع لبنان وقطر واليمن. زملاء سعوديون يشيرون الى أنه كان لهذا الكلام وقع الزلزال في البلاط.
الأمير كان يعتقد أن واشنطن ستعطي الضوء الأخضر لدباباته للدخول الى الدوحة وخلع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأن تستقبل السفيرة الأميركية اليزابت ريتشارد بهاء الحريري بباقة من الأزهار، وأن تنفذ قوات المارينز انزالاً على تلال صنعاء لاختراق المدينة وتعليق عبد الملك الحوثي على عود المشنقة.
لم يحصل شيء من هذا. بدا وكأن الادارة تعمل في اتجاه مضاد كلياً لرغبات صاحب السمو الذي ربما تصور، في وقت من الأوقات، أن البيت الأبيض تحوّل الى جناح في قصر اليمامة.
كل هذا لا يهز الأمير الذي يراهن على اللعبة الكبرى (وهي أكبر من كل الحكام العرب). اللعبة الكبرى أم الصفقة الكبرى، أي تسوية أميركية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي بعمليات جراحية جغرافية وديموغرافية. الكوميديا الديبلوماسية التي تتقيأ الدم.
الكثيرون في المملكة يدركون أن سياسة الاثارة الايديولوجية، والجيوسياسية، ضد ايران قد استنفدت. الأمير وحده (ألا يشاهد ظل بنيامين نتنياهو بالعين المجردة ؟) يصرّ على البقاء في الخندق. انه الانتحار ياصاحب السمو..
قبل المحاولة الساذجة للفلفة الفضيحة، هل قرأ ولي العهد ما وراء نشر «وول ستريت جورنال» خبراً، وفي هذا الوقت بالذات، يقول انه اشترى لوحة السيد المسيح لليونارد دافينشي بـ450 مليون دولار، في حين ذكرت «النيويورك تايمز» أن الذي اشترى اللوحة هو الأمير بندر بن عبدالله بن محمد بن فرحان آل سعود.
غير أن أكثر من جهة اعلامية تقول ان بندر لا يمكن أن يشتري لوحة بنصف مليون دولار، بل انه كان وسيطاً لولي العهد في الصفقة التي تظهر الى أي مدى ابتلي العرب بمثل هذه السلطة التي بعثرت ثروات، وأزمنة، المملكة على أرصفة الدنيا.
غداة اعلان القدس عاصمة لاسرائيل، اعتبر دونالد ترامب، عرّاب البلاط، أن «حزب الله» يهدد أمن العالم. هذا يكفي ليشرب الأمير نخب المهرج. احذر يا صاحـب السمو…كأس النار أم كأس الدم؟!
المصدر: الديار