سماحة السيد هاشم الحيدري
نتحدث اليوم عن موضوع اساسي ومهم وهو موضوع يمُسنا نحن اتباع الإمام والمؤمنين بالإمام عليه السلام ، وهو سؤالٌ ينبغي أن يعيش فينا ومعنا دائماً في ليلنا ونهارنا . ألا وهو سبب الغيبة ، ولماذا الإمام يغيب عنا؟ وما هو دورنا مع الإمام؟ سبب الغيبة وعلة الظهور ، هل تخص شيعة اهل البيت وشيعة الإمام؟ام أن الامر مرتبط بالله سبحانه وتعالى من دون اي تأثير من قِبل الامة والناس بمسألة الظهور؟؟
حركة الإمام المهدي عليه السلام وثورته في الواقع تخضع لنفس القوانين والسُنن التأريخية التي وردت في القرآن الكريم .في القرآن الكريم هناك سُنن وقوانين تأريخية إلهية ، مرتبطة بالانبياء ، مرتبطة بالاوصياء ، مرتبطة بالامم ، ومرتبطة بشكل كبير بمسألة النعم والنقم ، ما من نعمة تنزل إلى الامة او تُسلب من الامة إنما هي بسبب الناس وبسبب الامة وبسبب الافعال ..
كثيراً من النصوص التي وردت في القرآن الكريم تتحدث عن هذه الحقيقة واكثر من ذلك ،عندما نأتي إلى تفاصيل النعم خصوصاً فيما يرتبط بحاكمية الحكام ومَن يحكم المجتمع ، وهذا مرتبط بالناس ودور الامة .
في بعض الآيات خصوصاً هذه الآية التي تتحدث عن هذا القانون بشكل عام ، الآية المشهورة والمعروفة ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)) ، يعني أن الامة هي التي تقرر مصيرها ، الامة التي تتغير نفسيتها ونفوسها ، اذا كان الامر إيجابياً سوف يتغير الامر في المجتمع إيجابياً ، وإذا كان التغير سلبياً سوف يتغير الامر في المجتمع سلبياً بحسب الامة .
في بعض الآيات كما ورد في سورة الانعام الآية ١٢٩ قوله تعالى : ((وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْض الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) ، يعني تولي الظالمين ، وسيطرة الظالمين في الواقع إنما يكّون بسبب الناس وتسلط الناس .
حتى في جوانب اخرى مثلاً في سورة آل عمران الآية ١١٢ قوله تعالى : ((وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المسكنة ذلك بأنهمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بآيات الله وَيَقْتُلُونَ الانبياء بِغَيْرِ حَقّ ذلك بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)) ، يعني هذا بسبب فعل الناس ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)) ، وهكذا الكثير من الآيات مثلاً في قوله تعالى : ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.))
إذاً مسألة الاستحقاق وبما يُعبر عنه بالاستحقاق في الامة ، أنه الله سبحانه وتعالى لا يظلم العباد ولا يوجد ظلم في الدنيا ولا في الآخرة ، نحن عندما نأتي إلى الآخرة وإلى حساب الآخرة والجنة والنار نؤمن بأن الله عادل بقرار انفسنا ، لكن الكثير منا قد نشكك من الناحية العملية في الحوادث والاحداث التي تجري في المجتمع ، كثير منا مثلاً في زمن طاغية محدد ، نقول : صبرك إلهي على الطاغية! ، متى تُزيل الطاغية؟! ، متى تُغير الطاغية؟! ، غافلين أن امر الطاغية إنما هو بيد الناس ودور الامة وحركة الامة واستعداد الامة .
هذا القانون هو قانون إلهي ، قانون لا يوجد فيه تغير ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَة أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)) ، يعني بإستحقاق وحساب وقانون .
مثل الآن في المدارس والجامعات :الذي يُجيب على الاسئلة يحصل على درجة عالية إذا كانت هناك عدالة طبعاً ، يجب أن نؤمن بهذا الامر ، أنه السماء والله سبحانه وتعالى لا يظلم .
قضية الإمام المهدي كذلك مرتبطة بهذا الامر ، يعني قصية ظهور الإمام او سبب غياب الإمام هو بسبب الامة ، الامة باتت لا تستحق وجود الإمام ، الامة باتت بعيدة وباتت غير قريبة من الإمام ، ولذلك غاب الإمام عليه السلام .إذا المنتظر للإمام والذي ينتظر الإمام يجب أن يتعاطى بشكل إيجابي في زمن الغيبة لكي يكون مساهما في قضية الظهور وما يُعبر عنه بالتمهيد وبالتوطئة ، يعني يوطىء للمهدي عليه السلام ظهوره ، وهنا نصل إلى أن قضية الإمام مرتبطة بالامة هذا بشكل عام .
هنا لا بد من القول أن كثيرا منا وخصوصاً مدرسة اتباع اهل البيت عليهم السلام نعتقد في تصورنا الباطني أن قضية الإمام وشخص الإمام قضية مختلفة عن بقية التأريخ ، يعني نحن نقول دائماً الإمام عندما يظهر سوف تُحل الامور ، فنحن ننتظر الإمام حتى يظهر وبالتالي يملىء الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً كما جاء في الروايات ، لكن نحن نغفل عن نقطة مهمة واساسية ألا وهي أنه الإمام وظهور الإمام مرتبط بالقاعدة وبالارضية . يعني الآن مثلاً (صلى الله عليه وآله) وهو خير البشر ، وجوده في مكة على سبيل المثال لوحده ، والامة كانت غافلة وبعيدة وغير ملتفتة للإسلام وغير متبعة له ، فماذا فعل النبي؟؟ ، لم يستطع فعل شيء ، ليس بسببه هو كمال هو الإنسان الكامل ، إنما بسبب الناس لماذا؟ لأن الله تعالى يقول : ((إن تنصروا الله ينصركم)).
امير المؤمنين عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام والانبياء عليهم السلام ، موسى عليه السلام ماذا فعل؟؟ …في كل الاحوال دور الامة مهم في كل التأريخ ، وقضية الإمام المهدي عليه السلام غير متخلفة عن هذا الامر ، نفس السنن ونفس القوانين التي تجري في المجتمع تجري في قضية الظهور ، فإذا كانت الامة غير مستعدة والامة غير منسجمة مع اهداف الإمام عليه السلام فماذا يفعل الإمام؟؟
و لتوضيح هذه المسألة نضرب مثالا: مجموعة من الناس تنتظر قائدا ، وهذا القائد تنتظره مجموعة من الاهداف لكي يحققها ، مثل العداله و غيرها...أليس من المفروض أن هؤلاء الذين ينتظرون القائد يعملون لتحقيق هذه الاهداف التي يحملها ذلك القائد الذي ينتظرونه؟؟
نحن نقرأ في دعاء الندبة (أَيْنَ المُعَدُّ لِقَطْعِ دابِرِ الظَّلَمَةِ؟) ، إذاً قطع دابر الظلمة المفروض من أهداف المنتظرين ، (أَيْنَ المُنَتَظَرُ لإقامَةِ الأَمْتِ وَالعِوَجِ؟) ، المفروض المنتظر يحمل هذا الهم ، (أَيْنَ المُرْتَجى لإزالَةِ الجَوْرِ وَالعُدْوانِ؟) ، المفروض المنتظر والإنسان والامة يجب أن تحمل هذا الهم وتساهم في إزالة الجور والعدوان قبل ظهور الإمام ، (أَيْنَ المُدَّخَرُ لِتَجْدِيدِ الفَرائِضِ وَالسُّنَنِ؟) ، (أَيْنَ المُتَخَيَّرُ لإعادَةِ المِلَّةِ وَالشَّرِيعَةِ؟) ، (أَيْنَ المُؤَمَّلُ لإحْياءِ الكِتابِ وَحُدُودِهِ؟) ، ( أَيْنَ مُحْيِي مَعالِمِ الدِّينِ وَأَهْلِهِ؟) ، (أَيْنَ قاصِمُ شَوْكَةِ المُعْتَدِينَ؟) ، (أَيْنَ هادِمُ أَبْنِيَةِ الشِرْكِ وَالنِّفاقِ؟) ، …
إذا كما قلنا سبب غيبة الإمام هو نفس السنن والقوانين التي جرت في الامم السابقة ، لماذا شُرد موسى؟ لماذا ظُلْم اهل البيت؟ ، لماذا جلس اهل البيت في البيت؟ ، لماذا نوح وحيد؟ ، لماذا ابراهيم وحيد؟ ، كل ذلك بسبب الامة . الله سبحانه وتعالى يريد الحكم ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّه) ، وللقوانين الإلهية وللشرائع الإلهية .إذاً دور الامة هو الأساس وهذا ينطبق على قضية ظهور الإمام المهدي عليه السلام .
تصوروا أن الإمام ظهر والامة غير مستعدة ألا يُقتل ؟ أليس هناك في بعض الروايات أنه يخاف القتل؟ ، نعم إذا كانت الامة غير مستعدة وخاذلة وجبانة وغير شجاعة ولا تمتلك البصيرة يجري عليه كما يجري على الإمام الحسين عليه السلام وما المانع في ذلك؟ ، وإذا قُتِل الإمام تنتهي سلسلة اهل البيت وبالتالي مَن يبسط العدل؟ اين تحقيق حلم الانبياء؟ ، كل هذا سينقطع ويتوقف ، لذلك كما أن الذين قاموا مـن الانبياء بإقامة دولة ، أليس ظهور الإمام مرتبط بإقامة دولة وإقامة العدالة ، عندما نأتي إلى ١٢٤ ألف نبي نجد أنه فقط ثلاثة من الأنبياء إستطاعوا أن يقيموا دولة و هم دَاوُدَ وسليمان عليهم السلام والنبي مُحَمّد صلى الله عليه وآله ، وامير المؤمنين والإمام الحسن ستة اشهر . ولا توجد دولة فقهية دينية إلهية حقيقةً ، بسبب الامة و {بسبب اذهب انت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون}!! .
ما المانع أن يظهر الإمام -ونجد نحن الذين ندعي نقول للإمام عجل على ظهورك يا ابا صالح ، ونقرأ الادعية ونضع الايدي على الرؤوس عندما يُذكر اسم الإمام -و نتركه كمسلم بن عقيل في ازقة الكوفة يريد أن يُفتح له باب فلا تُفتح له باب ، ولذلك سبب الغيبة .كما أن الظهور ايضاً يعني سبب الغيبة وشرائط الظهور ، هذا كله مرتبط بالامة والنَّاس وباستعداد الانصار .إذا اقتربت الامة من تحقيق أهداف الإمام وكانت الامة مستعدة في زمن الغيبة عند ذلك سوف يتقرب زمان ظهور الإمام سلام الله عليه .
استشهد هنا بقول مهم لسماحة الإمام الخامنئي دام ظله الشريف يقول سماحة القائد : (لو أصبحنا عاشورائيين فإن ارضية ظهور ولي الله الاعظم سوف تتهيأ بشكل واضح) . وهذا ما يعمل عليه في الجمهورية الإسلامية ، الإمام الخميني جاء ومهد الارضية بأنه جعل في الامة استعدادا ، استعدادا ليس فقط بقراءة الدعاء ، استعدادا ليس فقط بالعواطف مع الإمام والتفاعل مع الإمام ، وهذه مشكلتنا ، الإمام يريد استعدادا بأن تُعطي الامة من دمها وراحتها وكرامتها من اجل دين الله ومن اجل الإسلام وهذا ما افتقده اهل البيت والانبياء .
كثير من ادعاءاتنا في الواقع غير كافية . ولنكن واقعيين و لنتكلم بصراحة :نحن الآن نكثر من دعاء الندبة ونكثر من الشعائر والطقوس ونفتح حوزات علمية ومدارس علمية ومؤسسات خيرية ، كل هذا جيد ، ولكن هناك نقطة مهمة و هي أن كثيرا منا مستعد أن يدخل حوزة علمية ومستعد أن يقرأ كتب وأن يرتقي منبر ، ويذهب إلى كربلاء مشياً على الاقدام ويقيم طقوس دينية وشعائر ويلتزم بالمسجد ، لكن ربما في كثير من المواقف مع الإسلام ونصرة دين الله والدفاع بالدم والروح والمال والعطاء والتضحية والجهد والنصرة فلا تجد هؤلاء حاضرين! ، كما حصل مع كثير من الانبياء وأهل البيت ، فكم كان مع الإمام الصادق؟ كم كان مع امير المؤمنين؟ كم كان مع موسى؟ كم كان مع طالوت؟ ، وقصة طالوت سنتحدث عنها لاحقاً ، المشكلة أن الادعاء كثيرو العمل قليل ، فما اكثر الضجيج وما اقل الحجيج .
إذاً نحن عندما نوجه أيادينا إلى السماء والدعاء و هذا لا شك مطلوب و مؤكد ، علينا أن ندرك أن قضية التعامل مع الإمام المهدي ليس تعامل دعاء وعاطفة فقط وحفظ علامات و... حتى أن كثيرا منا حافظ للعلامات من السفياني واليماني وأمثال ذلك ، لكن تجده في المواقف اجبن الجبناء ، تجده في المواقف مترددا لا يتقدم ، فرارا غير كرار ، فهذا إذا ظهر الإمام كيف سيكون ؟في المقدمة؟! ، كلا و ابدا! هذا سوف يبتعد وينهزم ، كما حصل مع الإمام الحسين (ع) عندما كاتبه الكثير من شيعته وممن يحبه ، ألم ولكن السيوف كانت على الإمام .إن القلوب لوحدها لا تكفي؛ ربما اليوم أنا وأمثالي وكثير من ابناء هذه الامة قلوبنا مع الإمام (عج)،لكن عندما تُحتل اراضينا وتُنتهك مقدساتنا نصبح على الامام !هنا الامتحان .
احد العلماء يذكر هذا المثال وهو سماحة الشيخ محسن قراءتي اطال الله في عمره يقول : إذا كان هناك في منطقة ما دائرة الكهرباء ، و تأتي هذه الدائرة وتضع مصباحا امثال المصابيح في الشوارع ، ثم يأتي اولاد المنطقة فيكسرون هذا المصباح ، ثم تأتي مرة ثانية و تضع دائرة الكهرباء مصباحا بد الذي كسر ، ثم يأتي الاولاد ويكسرونه ، و مرة ثالثة و هكذا ، حتى تصل مديرية الكهرباء بعد فترة الى مرحلة تقول فيها : إذا استطعتم أن تحافظوا على المصباح ، نضع بكم لكم مصباحا لأن هذا المصباح هو المصباح الاخير ويجب أن تتعهدوا بالحفاظ عليه بل و تصلون إلى مستوى الحفاظ على المصباح .
يقول سماحة الشيخ إن الله سبحانه وتعالى جعل لنا احد عشر مصباحا ولكن ما منا إلا مقتول او مسموم ، الثاني عشر يُغيب حتى تستعد الامة لقضية الظهور .
يجب أن نخوض امتحانا كبيرا لكي نصل إلى مستوى أن نكون مستعدين لظهور الإمام .واختم بهذه الرواية عن الإمام الصادق وكذلك عن الإمام القائم عليهما السلام : (تمتد أيام غيبته ليصرِّح الحقُّ عن محضه ، ويصفو الإيمان من الكدر ، بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف ، والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم عليه السلام) . وهذه الرواية وردت في كتاب كمال الدين .
المصدر : الممهدون في الأرض