الشيخ محمد قانصوه
ربما كان الحديث عن الوحدة الإسلامية في مرحلة من المراحل دعوة إلى التقريب والجمع عملاً بروح القرآن الكريم " إنّما المؤمنون إخوة"، وربما كان في أحيان أخرى شكلاً من أشكال المجاملة وإبراز النّوايا الحسنة إتجاه الآخر. وبكلّ الأحوال فإنّ مسيرة الحوار الإسلاميّ ـ الإسلاميّ مسيرة طويلة وغنية، وقد بذل العديد من الرجال المخلصين والغيارى جهوداً جبّارة في سبيل وحدة الصّف وجمع الكلمة، وبرزت أسماء الكثيرين من أهل الفكر والعقول النيّرة، الذين لا يمكن أن يتنكّر لهم التاريخ، أو تتعامى عن جهودهم المخلصة ذاكرة الأمّة .
ومما لا شكّ فيه أنّ الحاجة إلى الحوار والتلاقي ملحّة دائماً ومستمرة باستمرار التباين و الاختلاف، إلّا أنّ التغيّرات الأخيرة التي يشهدها العالم العربيّ والإسلاميّ تضاعف الحاجة إلى التّلاقي والجلوس حول الطاولة المستديرة، والالتقاء على القواسم الجامعة والمشتركة، والإجماع التّام لدى كافة الفرق والجماعات الإسلاميّة على نبذ العنف والتّفرقة، واستنكار منطق التكفير والتخوين المتبادل، والاستيعاب الكامل لطبيعة الأحداث ودلالاتها، والاستجابة الواعية لمتطلّبات المرحلة وفق حاجات وآمال الشعوب المنتفضة .
ولعلّه من المهم التنبّه إلى خطورة ما يُسَوّق اليوم عبر الإعلام من تظهير المستقبل بصورة مخيفة مقلقة، وتوجيه الرأي العام بصورة آلية مفبركة باتجاه اعتبار الإسلام المصدر الحقيقيّ للخوف والقلق، وتصوير البديل القادم للأنظمة الاستبداديّة المتهاوية فوضى شرسة، وحروب عقيديّة ومذهبيّة تُسفك فيها لدماء، وتُنتهك فيها الحرمات.
الإسلاميون بمختلف عناوينهم وحيثياتهم مدعوّون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الانفتاح والمكاشفة، وإلى طمأنة الشّعوب إلى مصيرها ومستقبلها، هذه الشعوب التي تعيش حالة القلق على مستقبل ثورتها، خشية تذويب أهدافها الجامعة، وإحراقها في أتون النزاعات الضيقة، وبالتالي انتاج الفوضى بدل الوصول إلى الحكم العادل والمجتمع الآمن المستقر.
أن يكون الإسلاميّون في موقع التّوضيح والمكاشفة لا يعني اعترافاً بالتّهمة، أو شعوراً بالظلامة، بقدر ما هو وقفة شجاعة أمام الرأي المتوجّس من حروب مذهبيّة أو فوضى دينيّة، وعندها يكون الحوار الإسلاميّ والوحدة الاسلاميّة الرّد الأمثل، والدافع الأفضل نحو طمأنة المتوجسين وتبديد مخاوفهم.
من هنا فإنّ انطلاق فاعليّات الحوار، والعمل على وحدة الصّف يتطلّب جهوداً وأفعالا، لا مواقف وخطب رنّانة، وعلى المسلمين أن يسكتوا أولاً أبواق الفتنة والتحريض عبر الفضائيّات المتقابلة، والتي تنفث سموم الحقد والكراهية، وتجعل من الإخوة في الله أعداء ألدّاء، كما أنّه ينبغي العمل على توحيد الموقف من القضايا الكبرى التي تهمّ الأمّة الإسلاميّة، والانخراط في ساحات العمل النضاليّ الوحدويّ تحت شعارات جامعة لا مفرّقة .
إنّ تجسيد الوحدة الإسلاميّة يكمن في الارتقاء الكامل إلى مستوى التعقّل والحكمة، والانتماء الصادق لمدرسة الإسلام الأصيلة التي وحّدت المسلمين وجعلتهم إخوة في الله، مذيبة كلّ فروقاتهم العرقيّة أو الجغرافيّة أو الطبقيّة .
كذلك فإنّ انطلاق مشروع الوحدة في هذه الظروف التاريخيّة المهمّة يجب أن لا يكون مشروطاً أو محدّداً بأي قيود مكانيّة أو زمانيّة، وإنّما يجب أن يكون مطلقاً، شاملاً، لا يخضع لأيّ تخصيص أو اعتبار.
ولا بدّ من التأكيد مجدداً أنّ المشكلة ليست في وصول الإسلاميّين إلى السلطة، إذ إنّ الأصول الديموقراطيّة تضمن لأيّ فريق يشكّل الأغلبيّة ممارسة الحكم، وعليه فلا يجوز استثناء الإسلاميّين من هذه القاعدة، كما لا يجوز إطلاق الأحكام المسبقة على تجربتهم القادمة خصوصاً إذا كانت لديهم الرؤية الواضحة والمشروع الحضاريّ المساعد على الإنتقال بالإنسان العربيّ إلى مرحلة الدولة المدنيّة المعاصرة ، الدولة التي يتساوى أبناؤها جميعاً على أساس المواطنة، وتسود فيها الحريّة و العدالة الاجتماعية بشتّى وجوهها.
المصدر: موقع الخيام