أُمّنا القدس ، بين سندان الإهمال ومطرقة الاحتلال!!

الخميس 7 ديسمبر 2017 - 16:10 بتوقيت مكة
أُمّنا القدس ، بين سندان الإهمال ومطرقة الاحتلال!!

ولكن ليس عن الأم البيولوجية سنتحدث وإنما عن الأم المعنوية والأم التاريخية نتحدث ، إنها القدس الشريف ،إنها أولى القبلتين وفيها ثاني المسجدين وثالث الحرمين ؛إنه المسجد الأقصى المبارك .

الشيخ كمال خطيب **

إن كرامة المرأة وكرامة الأم ليستا في بورصة الأذواق والأمزجة والظروف والمصالح وإنما هي الثابتة والأصلية في منهج السماء بها نتعبد نحن المسلمين لله رب العالمين : {وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم."
ولكن ليس عن الأم البيولوجية سنتحدث وإنما عن الأم المعنوية والأم التاريخية نتحدث ، إنها القدس الشريف ،إنها أولى القبلتين وفيها ثاني المسجدين وثالث الحرمين ؛إنه المسجد الأقصى المبارك .
أمّنا القدس التي تعيش هذه الأيام واحدة ً من أحلك ظروفها على مرّ الأزمان ،فها هو الاحتلال الإسرائيلي قد احتلها ودنسها واعتدى على حرمتها واعتبرها عاصمته الأبدية والموحدة .وفي المقابل فإنهم العرب والمسلمون الذين ضيعوها وفرطوا فيها، وليس ذلك وحسب بل إنهم وبدل أن يسعوا لتحريرها والانتصار لها والدفاع عن أهلها ورد الاعتبار إلى مسجدها وإذا بهم يديرون لها الظهر ويتجاهلون مأساتها ويصمون آذانهم عن سماع أناتها وزفراتها ، إنهم قد أهملوها لتصبح خلال هذا الحال واقعة بين سندان الإهمال وبين مطرقة الاحتلال .
نعم إنه الاحتلال الإسرائيلي الذي يوجه ضربات مطرقته الاحتلالية إلى كل شيء في القدس ؛ إلى الإنسان وإلى العمران ، إلى الشجر وإلى الحجر ، إلى التاريخ وإلى الجغرافيا ،إلى الماضي وإلى المستقبل. إنه يريد بضربات مطرقته الاحتلالية هذه أن يطمس كل معلم من معالم وهوية أمنا القدس ليجعلها تترنح تحت هذه الضربات ،خاصة وأن هذه الضربات الموجعة تقع على سندان الإهمال والتخلي والتنكر والجفاء لهذه المدينة المباركة من الأهل وذوي القربى .وإن مثل العرب والمسلمين في تعاملهم مع القدس الشريف كمثل إخوة أشقاء كبرت عندهم أمهم وكان كل واحد منهم منشغلاً بنفسه، وبدلاً من أن يتنافس هؤلاء فيمن يحتضن هذه الأم ويحظى بشرف رعايتها وبّرها والقيام بواجبها فإنهم كلهم قد أداروا لها الظهر وأوكلوا مهمة رعايتها إلى أخيهم الصغير ،كونها في نفس البيت الذي يسكن هو فيه، وهو بيت العائلة. ولكن ذلك الأخ كان أكثرهم عقوقاً وجفاءً ونكراناً لهذه الأم .
أما أولئك الأخوة فقد اكتفوا بأن يكون لكل واحد منهم مبلغا من المال يقدمه لذلك الأخ الشقيق لينفقه على تلك الأم ،ولكنه ولشقاوته أنفق ذلك المال على زوجته وأولاده ،وما قدم لأمه إلا فتات وفضلات مائدته ، بينما أولئك الأخوة يراود كل واحد منهم شعور الرضا عن النفس بأنه أدى حق أمه عليه .
هكذا هو حال أمنا القدس مع النظام الرسمي العربي يوم جعلها لقمة سائغة للاحتلال عام 1967، ثم ما لبثوا بعد مدةٍ وبدلاً من أن يفكروا في كيفية الانتصار لها وإذا بهم يقومون بالموافقة على أن تكون القدس تحت وصاية السلطة الفلسطينية التي ومنذ البداية وافقت على إبقاء القدس خارج دائرة المفاوضات إلى مرحلة ما سُمي بـ "مفاوضات الحل النهائي" .
وخلال هذا اكتفى العرب والمسلمون "الإخوة الأشقاء" بتقديم الأموال والمساعدات كلٌ حسب إمكاناته وموارده وأرصدته .وقد ظن أن في هذا كفاية، إذ أن الأخ الأصغر والأقرب إلى الأم والتي هي في بيته بل هو في بيتها ينفق عليها ، وما دروا أن ذلك الشقيق العاق يقوم بسرقة تلك الأموال يضعها في أرصدة أبنائه وبناته وزوجته ويشتري لهم السيارات ويؤسس لهم الشركات ويشتري لهم العقارات بينما لا يترك للأم إلا فتات وفضلات ما بقي .
نعم هكذا هم رجالات السلطة الذين تصل إلى حساباتهم الأموال من الدول العربية تحت عنوان دعم صمود الشعب الفلسطيني عموماً والقدس خصوصاً ،وإذا بهم يستغلون تلك الأموال لمصالحهم الشخصية .فها هي قصورهم الفارهة في ،ولكل واحد كذلك بيته الكبير في ، وها هي الشركات يقيمونها بأسماء أبنائهم ،وها هي الاستثمارات لهم في بورصة دبي وغيرها ، بينما أمنا القدس تعاني من الإهمال والحرمان لا يصلها إلا الفتات من ذلك الابن العاق. وليس أن الدول العربية والإسلامية وليس أن قادة هذه الدول قد أداروا لأمهم القدس الظهر وحسب ،بل إنهم - ويا لشقاوتهم وقسوة قلوبهم - لا يستجيبون لصوت استغاثتها وصرخات ألمها. بل ولعله ينطبق عليهم قصة أولئك الأصدقاء الثلاثة ، وكانوا من الأشقياء ، وإذا بأحدهم تخطر بباله فكرة ليقول :تعالوا نتنافس أينا الأنذل ، إنهم وبدل أن يتوبوا ويراجعوا أنفسهم ليتنافسوا فيمن يكون الأنبل، وإذا بهم يتنافسون فيمن يكون الأنذل .وبدل أن يتنافسوا فيمن يكون الأتقى، وإذا بهم يتنافسون من يكون الأشقى . وبينما هم في الطريق وإذ بامرأة تسير وحدها تظهر عليها علامات البؤس والتعب والهموم ، فتقدم أحدهم وبدلاً من أن يقدم لها المساعدة ويخفف عنها همومها وإذا به يلطمها على وجهها لطمة عنيفة وراح يقهقه كالمعتوه ، وينظر إلى زميليه قائلاً :أنا الأنذل .وفجأة وإذ بالثاني من بينهم وبدلاً من أن تحركه بعض نخوة فينتصر لهذه المسكينة، وإذا به يتقدم إليها وهي تبكي من آثار اللطمة .وظنت المسكينة أنه جاء يواسيها وإذا به يطرحها أرضاً .ومع كل آلامها وهمومها ودموعها وإذا به يغتصبها دون مراعاةٍ لا لكرامتها ولا لسنها ، ثم قام كالثور الهائج يقفز ويصيح ويقول : أنا الأنذل ، ولم يتنبه الشقي الأول والثاني إلى تلك المسكينة وهي تنظر إلى صديقهم الثالث وتحدق فيه. لكنها لصدمتها لم تستطع الكلام، فما انتبهوا إلا وثالثهم يقفز ويصرخ بصراخ وهستيريا أعظم مما كانا عليه وليقول: أنا أنذلكم !! .
استغرب الشقيان كيف يكون هو أنذلهم ،مع أنه لم يفعل شيئاً مثل فعلهما وأقل منه ، فلما سألاه كيف يكون هو أنذلهم فقال : لأن هذه المرأة هي أمي !! .
فضوا بكارتها داسوا كرامتها --- وهام في مقلتيها البؤس والعدم
جزوا ضفائرها هدوا منابرها --- وفي آذاننا عنها بها صَمَمُ
نادت وامعتصما أدرك عقيلتكم --- قال الأشاوس نامي مات معتصمُ
نعم إنها أمنا القدس التي يراها الجميع، إنهم يرون القدس تستباح وتغتصب وتنتهك كرامتها وتهود أحياؤها ويراد لمسجدها أن يكون هيكلاً ،بينما هم يتفرجون .لا بل إن أصغرهم وأقربهم إليها  يشارك في اغتصاب القدس عبر التفريط وإدارة الظهر وسرقة ما يخصص لأهلها من دعم بل ولعله أكثر من ذلك !!! .

ها هي أمنا القدس وقد دنسها الأراذل واعتدى على حرمة مسجدها المارقون حفراً وتدنيساً وهدماً واعتداءً على المصلين فيه من الرجال والنساء والأطفال في صلاة الجمعة.
إنها القدس أمنا الرؤوم الحنون كما قال عنها شاعر الأقصى المرحوم الدكتور يوسف العظم ، إنها التي لا يفرط فيها ولا في عرضها. إنها التي لا تقبل البيع ولا يجوز أن يسمسر عليها أحد في سوق النخاسة. وهل يبيع ابنٌ أمه ؟! .
لقدس يا نخاس سيف الطعان --- وفارس الحلبة في المعمعان
القدس أمّ طهرها غامرٌ --- وحضـُنها بعض رياض الجنان
ليست بغياً ترتضي بالخنا --- ولا جباناً يرتضى بالهوان
قولوا لخيل الله مسروجة --- على ضفاف النيل قد آن الأوان
قد آن للظلمة أن تنجلي --- ويسقط الباغي ويعلو الأذان
أمنا القدس ، أما يعلم من عقها من الأبناء أن "رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله من سخطهما" ؟ أما يعلم هؤلاء أن رضا القدس يجب أن يتقدم على رضا أمريكا ولندن ؟
أمنا القدس ، أما يعلم من عقها من الأبناء أن (الجنة تحت أقدام الأمهات) ؟أما يعلم هؤلاء أن بيت المقدس هي أرض المحشر وأرض المنشر كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أمنا القدس ،إنها التي تظل أماً لا تعرف الحقد ولا الكراهية ، إنها صاحبة القلب الكبير التي حتى وإن عقها أبناؤها فإنها سرعان ما تغفر لهم وتنسى زلاتهم فتعود إلى العطاء وإلى الحنان . إنها أمنا القدس التي عما قريب بإذن الله ستعود لتكون عاصمة الخلافة الإسلامية القادمة ،وسيعم خير القدس على القاهرة وعمان ودمشق والرياض وبغداد والخرطوم ،ولن تعاتب القدس أبناءها ولن تحاسبهم على تقصيرهم وإهمالهم لها ، لأنها أم ، لأنها القدس .
قولوا لمن ظن أنا لن نعود لها --- قد خاب ظنك وسواساً لشيطان ِ
** نائب رئيس الحركة الاسلامية

المصدر: شبكة فلسطين للحوار

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 7 ديسمبر 2017 - 16:05 بتوقيت مكة