لسوء حظ حكام عرب أن يكلمهم ترمب فردا فردا، يخبرهم أنه سيعترف بالقدس عاصمة أبدية لاسرائيل وأنه سينقل السفارة إلى القدس.. فما كان منهم إلا التوسل لترمب بأن يرجيء ذلك، لعل ظروفا تكون أكثر مواتية لمثل هذا التصرف.. في حين هرول بعضهم ليحاول فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين الذين تجاوبوا مع كل المبادرات الدولية، والتزموا بقرارات "الشرعية الدولية" جميعها المجحفة بحق الفلسطينيين وطرح أولئك الحكام على الفلسطينيين قبول"ابوديس" عاصمة لدولتهم العتيدة بدلا من القدس وترحيل ملف اللاجئين وبقية الملفات إلى ما بعد قيام الدولة على جزء من أرض الضفة الغربية وقطاع غزة..
تتكشف طبيعة النظام العربي ودوره تجاه قضايا الأمة وفي المركز منها فلسطين، فمن قام بتدمير بلاد العرب هو نفسه من يقوم بتسويق مبادرات الذل والعار التي يعلن عنها قادة أمريكا الجدد.. من قام بتسليح المرتزقة والماجورين والحاقدين لتدمير بلاد العرب وعواصمهم هو نفسه من يحاول تركيع الفلسطينيين لقبول المهانة والمذلة والحقار.
ليس سهلا على الفلسطينيين أن يقولوا لا؟ فلقد جربوا أن قالوا لا لمشروع روجرز في سنة 1968 فما كان من النظام العربي إلا أن نصب لهم المشانق والمجازر وطردهم من الأردن، وبعد أن رفضوا الصيغ المطروحة للتسوية بعد حرب أكتوبر 1973 فرضت عليه حرب العامين، حيث تم تحريك الانعزاليين بدعم من النظام العربي لمحاصرتهم في أرض لبنان، وعندما رفضوا مشروع الأمير فهد في 1980 ورفضوا الذهاب إلى مؤتمر فاس كان عقابهم جاهزا بأن تقوم اسرائيل بإخراجهم من جنوب لبنان بعد حرب استمرت أكثر من 80 يوماً لم يجدوا فيها نجدة من أحد. وأكمل النظام العربي ماقامت به اسرائيل فطردهم من شمال لبنان.. وبعد أن رفضوا القبول بالعدوان الثلاثيني على بلد عربي 1991 كان عقابهم أن شردوا من الخليج وألقي بهم في الصحراء واشتد الخناق عليهم لإجبارهم على القبول بأي شيئ، فكانت أوسلو 1993.. وهكذا بعد أن رفضوا مقترحات بيل كلنتون في كامبديفد أبلغ حكام عرب الأمريكان أن قيادة الفلسطينيين غير ناضجة للتسوية فكان الذي يعرفه الجميع من حصار عرفات ودس السم له في مكتبه في 2004.
ليس سهلا أن يرفض الفلسطينيون ما يتداوله حكام عرب عن "صفقة القرن" التي تبدأ بضم القدس إلى الكيان الصهيوني.. ومن المؤكد أن هناك سيناريوهات.. وليس هناك في أفق العرب والمسلمين قوة جدية تجعل من ملفات القضية الفلسطينية أولويتها وحتى الذين نحسن فيهم الظن نراهم منصرفين عن القضية إلى قضايا صنعوها لهم ليستنزفوهم أو يحرفوا بوصلتهم.
رغم ذلك ليس على الفلسطينيين إلا أن يصمدوا في مواجهة التحدي الصعب.. ليس عليهم إلا أن يجددوا اليقين بأن لا تنازل عن القدس وفلسطين كلها من بحرها إلى نهرها.. ليس على الفلسطينيين إلا أن ينزلوا إلى الميدان بكامل يقينهم ويردوا الصاع صاعين والله غالب على أمره وإن أكثر الناس لا يشعرون.
**كاتب فلسطيني