واجهتُ خلال تجاربي الطويلة في حقل التقريب أن هناك من العلماء والمثقفين ومن عامة المتعلمين من يعيش هموم وحدة المسلمين ويعمل دائما على توحيد كلمتهم. ومثل هؤلاء - رغم اطلاعهم على وجود الاختلافات - لا يفكرون إلا في المشتركات الفكرية والعقائدية والفقهية بين المسلمين… بل ويعملون على البحث في كل مذهب في ما يقرّب هذه المذاهب ويوحد اتجاهاتها…
وهناك من يرى الأمور من زاوية خاصة لا ترى إلا الاختلاف، فهو مولع بتضخيم هذه الاختلافات وبالرد على الجانب الآخر. ولا يحس براحة إلا حينما يشن هجوما شديداً على خصمه «المسلم» ! ويرد عليه. يحس بشحنة من البغضاء في صدره لا يهدأ إلا عندما يفرغ هذه الشحنة.
أتلك وهذه من طبائع الأفراد، أم هما نتيجة تربية فكرية ونفسية خاصة؟ ّ هذا مالا أريد أن أتعرض له ولكن أريد أن أوجه دعوة إلى كل المخلصين القادرين على أن يكيّفوا أنفسهم وفق ما تقتضيه مصلحة الإسلام والمسلمين ومصلحة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وتتلخص هذه الدعوة في عدم إثارة موضوع عدالة الصحابة وموضوع عصمة أهل البيت في الحوار التقريبي بين أهل السنة والشيعة.
تجاربي تدل على عدم جدوى طرح هاتين المسألتين لأنهما تستندان إلى خلفية تاريخية طويلة. وإثارتهما تثير ظلالاً من شكوك واتهامات نحن في غنى عنها.
عدالة الصحابة أصل قطعي ومسلم به عند أهل السنة لما يروونه من أحاديث بهذا الشأن، والتشكيك بعدالة كل الصحابة يوحي بأن المشكك يعادي الصحابة والعياذ بالله. ولقد حاول بعضهم أن يلصق هذه التهمة بالشيعة، والشيعة منها براء طبعا، لأنهم لا يشككون إلاّ في المنافقين، وقد ذمهم القرآن الكريم.
وعصمة الأئمة الإثني عشر اصل قطعي ومسلّم به عند الشيعة الإمامية والتشكيك به يوحي أيضاً بأن المشكك ناصبي والعياذ بالله يعادي أئمة أهل البيت. وحاول بعضهم أن يلصق هذه التهمة بأهل السنة، وأهل السنة براء من ذلك. طرح هاتين المسألتين - إذن - ليس فيه فائدة، بل ينطوي على أضرار أيضا. وأقترح طريقا آخر للحوار يؤدي إلى الوحدة والتقريب. والطريق يتلخص بما يلي:
المسلمون مجمعون على حجية القرآن وصيانته من التحريف، وهو أصل لا يقبل التشكيك. أما بالنسبة للسنّة ، فمن الأولى أن لا نبحث في مصدرها وطريق الوصول إليها، بل نبحث في الروايات المشتركة الواصلة عن طرق كلا الفريقين، ونجعلها ملاك عملنا. وهذا ما نفعله في مركز الدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية. يجد الباحث عندئذ أن ثمانين بالمائة من روايات الفريقين في التفسير والفقه والعقائد مشتركة. أما في المسائل الأخلاقية فتبلغ نسبة المشتركات مائة بالمائة. والفيض الكاشاني عمل على تحرير كتاب «إحياء العلوم» للغزالي في كتابه «المحجة البيضاء» ونقل إزاء كل الروايات المنقولة عن طرق أهل السنة روايات مشابهة عن أئمة أهل البيت.
على أي حال، الروايات المشتركة في اللفظ والمضمون كثيرة جدا بين أهل السنة والشيعة ، وهذه الروايات المشتركة إضافة إلى القرآن الكريم تستطيع أن تكون ملاك عملنا. وأما غير المشتركة فنعرضها على القرآن فما وافق القرآن أخذنا به وما خالفه أعرضنا عنه. وهذا ما أمر به الإمام الصادق عليه السلام أتباعه في ما يصله عنه من الأحاديث، كما أنه يمكننا أن نعرضها على الروايات المشتركة فتكون هذه هي الأخرى بعد القرآن مرجعاً لنا جميعاً في غير المشتركات وفيما اختلفت الأُمة. ولنفترض أن الاختلاف بقي مع ذلك قائماً في بعض الروايات، ولم نستطع التوصل إلى اتفاق بشأنها، فهذا لا ضير فيه. يعمل كل فريق بروايته، والاختلاف يبقى قائما حتى داخل إطار المذهب الواحد ولا يضر وحدة المسلمين.
وهنا أقول لكل أهل السنة، أن الشيعة - خلافا لما يشيعه المغرضون - يحترمون الصحابة ويجلّونهم ويتلون أذكار أئمتهم التي تدعو للصحابة وتترضى عنهم وتذكرهم بكل إعزاز وإكرام. من ذلك قول الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام:اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحابة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفُوهُ [أعانوه] وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به، ومن كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور [تكسد وتخسر] في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذا تعلقوا بعروته وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته. فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا [جمعوا] الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاة لك واليك واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، ومن كثَّرت في إعزاز دينك من مظلومهم.
اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان، الذين[يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [خير جزائك الذين قصدوا سمتهم [طريقتهم الحسنة] وتحرَّوا [توخوا وقصدوا] وجهتهم، ومضوا على شاكلتهم ، لم يثنهم ريب في بصيرتهم، ولم يختلجهم [يجتذبهم] شك في قفوِ [اتباع] آثارهم، والائتمام [الإقتداء] بهداية منارهم، مكانفين وموازرين [مساعدين] لهم، يدينون بدينهم، ويهتدون بهديهم، يتفقون عليهم، ولا يتهمونهم فيما أدَّوا إليهم. اللهم وصل على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الدين، وعلى أزواجهم، وعلى ذُرياتهم. وعلى من أطاعك منهم، صلاة تعصمهم بها من معصيتك، وتفسح لهم في رياض جنَّتك، وتمنعهم بها من كيد الشيطان، وتعينهم بها على ما استعانوك عليه من بٍّر، وتقيهم طوارق [ما يأتي على غفلة] الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير، وتبعثهم بها على اعتقاد حسن الرجاء لك، والطمع فيما عندك وترك التهمة فيما تحويه أيدي العباد، لتردهم إلى الرغبة إليك والرهبة منك، وتزهدهم في سعة العاجل وتحبب إليهم العمل للآجل، والاستعداد لما بعد الموت وتهون عليهم كل كرب يحل بهم يوم خروج الأنفس من أبدانها وتعافيهم مما تقع به الفتنة من محذوراتها، وكبَّة النار وطول الخلود فيها، وتصيرهم إلى أمن من مقيل [موضع الاستراحة] المتقين»[ الصحيفة السجادية / ٢٦ - ٢٩، الدعاء الرابع، بيروت ط النعمان].
الشيخ واعظ زاده الخراساني
واجهتُ خلال تجاربي الطويلة في حقل التقريب أن هناك من العلماء والمثقفين ومن عامة المتعلمين من يعيش هموم وحدة المسلمين ويعمل دائما على توحيد كلمتهم. ومثل هؤلاء - رغم اطلاعهم على وجود الاختلافات - لا يفكرون إلا في المشتركات الفكرية والعقائدية والفقهية بين المسلمين… بل ويعملون على البحث في كل مذهب في ما يقرّب هذه المذاهب ويوحد اتجاهاتها…
وهناك من يرى الأمور من زاوية خاصة لا ترى إلا الاختلاف، فهو مولع بتضخيم هذه الاختلافات وبالرد على الجانب الآخر. ولا يحس براحة إلا حينما يشن هجوما شديداً على خصمه «المسلم» ! ويرد عليه. يحس بشحنة من البغضاء في صدره لا يهدأ إلا عندما يفرغ هذه الشحنة.
أتلك وهذه من طبائع الأفراد، أم هما نتيجة تربية فكرية ونفسية خاصة؟ ّ هذا مالا أريد أن أتعرض له ولكن أريد أن أوجه دعوة إلى كل المخلصين القادرين على أن يكيّفوا أنفسهم وفق ما تقتضيه مصلحة الإسلام والمسلمين ومصلحة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وتتلخص هذه الدعوة في عدم إثارة موضوع عدالة الصحابة وموضوع عصمة أهل البيت في الحوار التقريبي بين أهل السنة والشيعة.
تجاربي تدل على عدم جدوى طرح هاتين المسألتين لأنهما تستندان إلى خلفية تاريخية طويلة. وإثارتهما تثير ظلالاً من شكوك واتهامات نحن في غنى عنها.
عدالة الصحابة أصل قطعي ومسلم به عند أهل السنة لما يروونه من أحاديث بهذا الشأن، والتشكيك بعدالة كل الصحابة يوحي بأن المشكك يعادي الصحابة والعياذ بالله. ولقد حاول بعضهم أن يلصق هذه التهمة بالشيعة، والشيعة منها براء طبعا، لأنهم لا يشككون إلاّ في المنافقين، وقد ذمهم القرآن الكريم.
وعصمة الأئمة الإثني عشر اصل قطعي ومسلّم به عند الشيعة الإمامية والتشكيك به يوحي أيضاً بأن المشكك ناصبي والعياذ بالله يعادي أئمة أهل البيت. وحاول بعضهم أن يلصق هذه التهمة بأهل السنة، وأهل السنة براء من ذلك. طرح هاتين المسألتين - إذن - ليس فيه فائدة، بل ينطوي على أضرار أيضا. وأقترح طريقا آخر للحوار يؤدي إلى الوحدة والتقريب. والطريق يتلخص بما يلي:
المسلمون مجمعون على حجية القرآن وصيانته من التحريف، وهو أصل لا يقبل التشكيك. أما بالنسبة للسنّة ، فمن الأولى أن لا نبحث في مصدرها وطريق الوصول إليها، بل نبحث في الروايات المشتركة الواصلة عن طرق كلا الفريقين، ونجعلها ملاك عملنا. وهذا ما نفعله في مركز الدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية. يجد الباحث عندئذ أن ثمانين بالمائة من روايات الفريقين في التفسير والفقه والعقائد مشتركة. أما في المسائل الأخلاقية فتبلغ نسبة المشتركات مائة بالمائة. والفيض الكاشاني عمل على تحرير كتاب «إحياء العلوم» للغزالي في كتابه «المحجة البيضاء» ونقل إزاء كل الروايات المنقولة عن طرق أهل السنة روايات مشابهة عن أئمة أهل البيت.
على أي حال، الروايات المشتركة في اللفظ والمضمون كثيرة جدا بين أهل السنة والشيعة ، وهذه الروايات المشتركة إضافة إلى القرآن الكريم تستطيع أن تكون ملاك عملنا. وأما غير المشتركة فنعرضها على القرآن فما وافق القرآن أخذنا به وما خالفه أعرضنا عنه. وهذا ما أمر به الإمام الصادق عليه السلام أتباعه في ما يصله عنه من الأحاديث، كما أنه يمكننا أن نعرضها على الروايات المشتركة فتكون هذه هي الأخرى بعد القرآن مرجعاً لنا جميعاً في غير المشتركات وفيما اختلفت الأُمة. ولنفترض أن الاختلاف بقي مع ذلك قائماً في بعض الروايات، ولم نستطع التوصل إلى اتفاق بشأنها، فهذا لا ضير فيه. يعمل كل فريق بروايته، والاختلاف يبقى قائما حتى داخل إطار المذهب الواحد ولا يضر وحدة المسلمين.
وهنا أقول لكل أهل السنة، أن الشيعة - خلافا لما يشيعه المغرضون - يحترمون الصحابة ويجلّونهم ويتلون أذكار أئمتهم التي تدعو للصحابة وتترضى عنهم وتذكرهم بكل إعزاز وإكرام. من ذلك قول الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام:اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحابة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفُوهُ [أعانوه] وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به، ومن كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور [تكسد وتخسر] في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذا تعلقوا بعروته وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته. فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا [جمعوا] الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاة لك واليك واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، ومن كثَّرت في إعزاز دينك من مظلومهم.
اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان، الذين[يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [خير جزائك الذين قصدوا سمتهم [طريقتهم الحسنة] وتحرَّوا [توخوا وقصدوا] وجهتهم، ومضوا على شاكلتهم ، لم يثنهم ريب في بصيرتهم، ولم يختلجهم [يجتذبهم] شك في قفوِ [اتباع] آثارهم، والائتمام [الإقتداء] بهداية منارهم، مكانفين وموازرين [مساعدين] لهم، يدينون بدينهم، ويهتدون بهديهم، يتفقون عليهم، ولا يتهمونهم فيما أدَّوا إليهم. اللهم وصل على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الدين، وعلى أزواجهم، وعلى ذُرياتهم. وعلى من أطاعك منهم، صلاة تعصمهم بها من معصيتك، وتفسح لهم في رياض جنَّتك، وتمنعهم بها من كيد الشيطان، وتعينهم بها على ما استعانوك عليه من بٍّر، وتقيهم طوارق [ما يأتي على غفلة] الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير، وتبعثهم بها على اعتقاد حسن الرجاء لك، والطمع فيما عندك وترك التهمة فيما تحويه أيدي العباد، لتردهم إلى الرغبة إليك والرهبة منك، وتزهدهم في سعة العاجل وتحبب إليهم العمل للآجل، والاستعداد لما بعد الموت وتهون عليهم كل كرب يحل بهم يوم خروج الأنفس من أبدانها وتعافيهم مما تقع به الفتنة من محذوراتها، وكبَّة النار وطول الخلود فيها، وتصيرهم إلى أمن من مقيل [موضع الاستراحة] المتقين»[ الصحيفة السجادية / ٢٦ - ٢٩، الدعاء الرابع، بيروت ط النعمان].
وأقول للشيعة ما قلته مرارا:
إن أهل السنة لا يقلون حبا لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله من الشيعة، حتى البقية الباقية من الخوارج عدلت عن رأيها في أمير المؤمنين علي عليه السلام. طُرق الصوفية تنسب نفسها جميعا إلى علي. في السودان وجدت سبع طرق صوفية تعتقد كلها أن الفيض الإلهي يصلها عن طريق علي. المرحوم التفتازاني شيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر يقول: إن قول النبي صلى الله عليه وآله: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» يعني علم الطريقة الذي وصلنا عن علي وأهل بيته.
القاهرة اليوم لا تقل تشيعا عن طهران. فيها من المراقد المقدسة لأهل البيت وفيها من الملتفين حول هذه المراقد ما يثير الدهشة. المصريون يحتفلون بمولد الإمام الحسين وبمولد السيدة زينب احتفالات شعبية عظيمة. ومن هنا فمن شكك منهم في عصمة الأئمة فلا يعني ذلك عدم ولائهم لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.
ليفهم بعضنا بعضا بمعزل عن الحساسيات التاريخية، ولنعمل لتركيز مساحات الاتفاق. فهو واجب شرعي يقتضيه أمر الله سبحانه بالوحدة والاعتصام بحبله ونبذ التفرق والاختلاف. والسلام على جميع إخواننا المؤمنين.
|
المصدر : رسالة التقريب