في وقت ما زال حلفاء السعودية في لبنان، يُشككون ويهزأون بأنّ رئيس الحكومة سعد الحريري كان مُحتجزاً في المملكة، خرج من الكونغرس الأميركي من يُجاهر بذلك، مُنتقداً «المقامرة السعودية». بالنسبة إلى واشنطن، يمكن التفريق بين الدولة اللبنانية وحزب الله. هناك اعتراف بأنّ الاستراتيجية القديمة للولايات الأميركية المتحدة، في الشرق الأوسط، وتحديداً في لبنان، لم تعد نافعة.
على الرغم من ذلك، ما زالت «أوهام» إعادة تجميع مكونات «14 آذار» حاضرة لدى الإدارة الأميركية، لاعتقادها بأنّ هذه الطريقة تسمح لها بمواجهة «نفوذ» المقاومة اللبنانية. هذا الكلام قيل خلال جلسة استماع للجنة الفرعية التابعة للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، يوم الأربعاء الماضي. وقد تحدّث كلّ من عضو مجلس العلاقات الخارجية إليوت أبرامز، ونائب رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن بول سالم، ومديرة مركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد «بروكينغز» تمارا كوفمان ويتس. المحور الرئيسي للقاء هو التطورات في كلّ من لبنان والسعودية. ثلاثة محاور تناولها المتحدثون، وهي: حزب الله والأزمة اللبنانية الناتجة من استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، الوضع الداخلي السعودي، و«الكارثة» في اليمن.
لم يتفاجأ ابرامز بتصرّف السعودية مع الحريري، فالمملكة «واقعية وتتماشى مع الرؤية الإسرائيلية الجديدة. ما يقوم به الطرفان هو ردّ فعل على سيطرة حزب الله على السلطة في لبنان». بالنسبة إلى السياسي «الجمهوري»، الشهير بتأييده "إسرائيل"، وبدوره في عهد جورج بوش الابن، الخطر على لبنان «لا يأتي من ولي العهد محمد بن سلمان، وليست سياسة المملكة التي تُهدد التوافق السياسي، بل حزب الله الذي يلعب دور الذراع العسكرية لإيران». انطلاقاً من هنا، فكّر بن سلمان «في السبب الذي يدفعه إلى دعم حكومة تُعطي كامل الحرية لحزب الله». وعلى الرغم من أنّ الإجراءات السعودية «ستنعكس على كلّ اللبنانيين، ولكنّ المملكة لن تكون معنية بعد الآن بدعم لبنان، وهو يُشكل قاعدة لأنشطة حزب الله العسكرية والإرهابية».
الولايات المتحدة الأميركية «استسلمت» لواقع أن لبنان لن يلتزم القرار 1701، «ولهذا السبب، الاستراتيجية الأميركية تجاه لبنان تتطلب إعادة تقييم»، يقول ابرامز مُقترحاً «استخدام الأساليب الدبلوماسية والمزيد من الضغوط الاقتصادية». ويتطلب ذلك «تبني واشنطن وحلفائها، ولا سيّما فرنسا، رؤية موحدة وتشجيع السياسيين والمواطنين اللبنانيين على الاحتجاج ضدّ حزب الله».
سعد الحريري، «المواطن السعودي وحليفها ، لم يكن قادراً على أن يستمر طويلاً في سياسة تتعارض مع الهواجس السعودية، التي تخاف من أن يقوم حزب الله بمساعدة الحوثيين على بناء ترسانة ضدّها، تماماً كما ساعدت ايران حزب الله ضدّ اسرائيل»، يقول بول سالم. الخارجية الأميركية والفرنسية المصرية، «تتفهم هواجس السعودية، ولكنّ الحفاظ على الاستقرار في لبنان يُمثل مصلحة مشتركة بينها. فالتوتر في البلد يُقوي حزب الله، ويعطي فرصة لعودة الجماعات الإرهابية، ويُعرض مليون لاجئ سوري للخطر». يقول سالم إنّ الولايات المتحدة ستستمر في دعم مؤسسات الدولة والجيش «وتقديم المساعدات السياسية، وغيرها، للأطراف في لبنان التي تسعى إلى مواجهة حزب الله». وينصح بمزيد من العقوبات على حزب الله «من دون الإضرار بالاقتصاد اللبناني… ودعوة مجلس الأمن إلى بحث نشر قوات الطوارئ على الحدود مع سوريا». ماذا عن موقف السعودية في المرحلة المقبلة؟ «من غير الواضح بعد. قد تُرحب بانسحاب كامل لحزب الله من اليمن، الذي قد يكون كافياً لحل الأزمة اللبنانية. ولكن إذا قررت إيران استبدال حزب الله بمجموعات أخرى في اليمن، فربما قد ترغب السعودية في التدخل مجدداً في لبنان».
من جهتها، تنتقد كوفمان ويتس «المقامرة السعودية» تجاه لبنان. ففي وقت «تُفهم تصرفات السعودية بأنها محاولة للكسب على حساب إيران، وعزل لبنان اقتصادياً وسياسياً»، إلا أنّ نفوذ المملكة في لبنان «محدود، في حين أنّ جذور حزب الله في لبنان عميقة وقوية». وبالنسبة إلى النفوذ السعودي الاقتصادي، «فهو سلبي». تشرح كوفمان ويتس أنّ «سحب الودائع من البنك المركزي أو منع تدفق تحويلات اللبنانيين في الخليج [الفارسي]، من شأنها أن تضر باللبنانيين السنّة أكثر من حزب الله. ويمكن أن يغرق لبنان في الفوضى السياسية». وسياسياً، «احتُجز الحريري كرهينة، واضطر إلى أن يُقدم استقالته ضدّ رغبته. وحتى لو فقد الدعم السعودي، فهو اكتسب شعبية. وظهر أنّ المملكة على استعداد للتضحية بحليفها الحريري، من أجل مصالحها الخاصة. في حين أنّ حزب الله يُقدّم نفسه كحزب ملتزم بقواعد السياسة اللبنانية؛ وإيران تُعَدّ داعمة قوية لحلفائها في لبنان وسوريا».
ما تريده السعودية هو «توقف إيران وحزب الله عن التعاون مع الحوثيين. وبعد أن أعلن حزب الله عدم مشاركته في اليمن، يمكن توقع حصول اتفاق وعودة الحريري إلى السلطة». أما بالنسبة إلى واشنطن، فتدعو كوفمان ويتس إلى مزيد من العقوبات على حزب الله، وأن تواصل الإدارة الأميركية «الدفع باتجاه إجراء انتخابات برلمانية، ونأمل أن يكون هناك ضغوط سعودية على الحريري لزيادة الدعم لائتلاف 14 آذار في صناديق الاقتراع».
في الشقّ الثاني، حول السياسات الداخلية لبن سلمان، يشرح أبرامز أنّ الإجراءات التي اتخذها ولي العهد «خلقت له معارضة من داخل العائلة الحاكمة وخارجها. هو يجري الكثير من التغييرات الاقتصادية والاجتماعية بهدف نقل الـ33 مليون سعودي إلى القرن الـ21». ولكن لا يبدو أنّ «الإصلاح» يشمل الشق السياسي، «فقد شهدنا تضييقاً خطيراً في العامين الماضيين، كالحُكم بالسجن بحق من يكتب تغريدات منتقدة للسلطات السعودية. رسالة القصر واضحة: ركوب الموجة أو دفع الثمن». يصف أبرامز تصرفات بن سلمان، بالـ«جريئة والمحفوفة بالمخاطر، ولكن هو لا يراها بهذه الطريقة. بالنسبة إلى بن سلمان، الخطر الحقيقي يتمثل بعدم المبادرة. سيرتكب الأخطاء، ولكن من مصلحة الولايات المتحدة أن ينجح».
كوفمان ويتس تشرح أيضاً أنّ سياسات السعودية، داخلياً وإقليمياً، «هي لمواجهة النفوذ الإيراني. حملة مكافحة الفساد وإجبار الحريري على تقديم استقالته، جزء من ذلك». تجد كوفمان ويتس تعارضاً في أهداف بن سلمان، «فمن الصعب كسب ثقة المستثمرين الأجانب، بينما هناك شكّ في القضاء والقانون نتيجة اعتقال المئات من دون أدلة». وهي ترى أنّ «الإصلاح من أعلى إلى أسفل، من دون تحسينات مجدية في مساءلة الحكومة، والشفافية، لن ينجح في كسب دعم المستثمرين الأجانب، أو المواطنين السعوديين».
وكانت كوفمان ويتس الوحيدة التي شرّحت الأزمة الإنسانية في اليمن، عبر وصفها القرار السعودي بالتدخل في تلك البلاد عملاً «متهوراً. أُدخلت المملكة في مستنقع عسكري، نتج منه كابوس من المعاناة الإنسانية». ميل القيادة السعودية الحالية إلى المواجهة، في لبنان أو اليمن، «يؤدي إلى عرقلة أهداف السياسة الأميركية الرئيسية، كمكافحة الإرهاب الإسلامي. على الحكومة الأميركية أن تُشجع السعودية لوقف القتال. وينبغي للكونغرس أن يُشجع على إنهاء الصراع السعودي ــ الإيراني. وفي الوقت نفسه، ينبغي للكونغرس أن يُشرف على تنفيذ القوانين الأميركية الرامية إلى منع استخدام أسلحتنا في انتهاك حقوق الإنسان أو قوانين الحرب».
المصدر: الاخبار