الدكتور الشيخ محمد شقير
تكثر في مناسبات مختلفة الدعوات إلى جملة من المفاهيم والأفكار التي تخدم التعايش المشترك والإيجابي بين مختلف الطوائف الإسلامية، وخصوصاً السنة والشيعة، تحت عناوين الوحدة الإسلامية والحوار الإسلامي – الإسلامي وغير ذلك من العناوين.
وعلى أهمية هذه الدعوات والأعمال التي تقام على هامشها - وخصوصاً في تلك المناسبات الدينية – من ندوات ومحاضرات وحلقات تلفزيونية، إلا أن كل ذلك يبقى قاصراً ما لم يُعمد إلى إعادة النظر في التراث التفريقي بين مختلف الطوائف الإسلامية، أي ذلك التراث الذي تشكل في ظروف تاريخية معينة، اتسمت بنوع من التحالف المصلحي بين السلطة وبعض الفقهاء، ما أدى إلى إنتاج مجموعة من الفتاوى ما زالت تقف مانعاً صلباً يحول دون تحقيق الغايات الوحدوية لدعاة الوحدة والوفاق بين المسلمين.
إن تفعيل قيم الحوار والوحدة والتآلف بين المسلمين هو أمر ضروري ولا بد منه، لكن الحريصين على هذا الهدف عليهم أن يقفوا عند العوامل الأساسية التي تعمل بقوة بين الفترة والأخرى على تهديد العمل الوحدوي والعيش الإسلامي المشترك، والتي تجهد لزرع الفتنة بين أبناء المجتمع الإسلامي الواحد غير آبهة بالنتائج التدميرية التي قد تجرها هذه الأعمال على جميع المسلمين، ومدركة أو غير مدركة أن أعظم خدمة مجانية يمكن أن تقدم للاحتلال الأجنبي والمشروع الصهيوني هو زرع الفتنة بين المسلمين، وتبديد جهودهم فيما بينهم لتكون النتيجة صرف الجهود والطاقات عن مقاومة الاحتلال ومجابهة المشروع الصهيوني.
إن الخلل المنهجي الذي يقع فيه هؤلاء (أصحاب المنطق التكفيري) انهم يتعاملون مع فتاوى ظرفية – بل سياسية بامتياز – باعتبار كونها نصوصا مقدسة، تغنيهم عن العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه، لتصبح هذه الفتاوى بمثابة البرنامج العملي الذي يرفد حركة هؤلاء ويوجهها ويحدد مسارها.
إن ما يؤدي إليه هذا التعامل المبني على هذه المنهجية هو خنق أي محاولة تهدف إلى ممارسة فهم اجتهادي من الكتاب والسنة، يتجاوز تلك المنظومة الفتوائية، وما اشتملت عليه من منحى تكفيري ونزعة احتكارية للدين والإسلام، ومنطق صدامي، لا يعطي أي فرصة للحوار الهادف إلى فهم الآخر كما هو الآخر، وكما يحكي عن نفسه، لا كما ينطق عنه الآخرون من الذين لا ينتمون إلى فكره ومفاهيمه ومذهبه؛ كما يفضي إلى الجمود على مجموعة من الفتاوى التي تخضع لعوامل ظرفية معينة وما يؤدي إليه ذلك من هجر للكتاب والسنة، وانفصام عن الواقع، وانغلاق تام على ذهنية جامدة يصعب التعامل معها.
وأي عمل يهدف إلى تفعيل قيم الوحدة الإسلامية، لن يكون منتجاً بالمستوى المطلوب، ما لم يعمد إلى تعطيل فتاوى التكفير عن التسبب بأعمال ومواقف تضر الوحدة بين المسلمين، وتشتت كلمتهم؛ وعليه فإن أي مشروع توحيدي يجب أن يعمد إلى نقد التراث التكفيري، وشل حركته في المجتمع، وإلا فما دام هذا التراث موجوداً وينظر إليه بعين القداسة، سوف يبقى من يعمل على اجتراره وتحويله إلى قنابل تفتك بالمسلمين، وتدفع باتجاه تقاتل اسلامي – إسلامي، وليخدم المشاريع الاحتلالية أراد ذلك أم لم يرد.
واعتقد أن الحل يكمن في تطوير آليات الاجتهاد لدى جميع المذاهب الإسلامية، بما يدفع نحو تجاوز أي إرث فقهي يخالف الثوابت الإسلامية في ما يتصل بالتعايش الإسلامي – الإسلامي، وتقديم رؤية إسلامية تركز على المشتركات بين مختلف المذاهب الإسلامية، وتعمل على بلورة رؤية حقوقية إسلامية قائمة على أساس تلك المشتركات بين جميع المذاهب.
إن كل ما تقدم يستدعي جملة من الأمور:
أولاً: تكثيف الحوار الإسلامي – الإسلامي، شرط أن يكون هذا الحوار حواراً جاداً وموضوعياً وهادفاً نحو فهم كل طرف للآخر، بما يزيل الكثير من سوء الفهم والالتباس وعلى مستوى العلاقة الإسلامية – الإسلامية، ويقطع الطريق على ما من يريد زرع الفتنة بين المسلمين، وهدر الدم الإسلامي بأيد إسلامية.
ثانياً: المبادرة إلى نقد التراث التكفيري، بما يشل قدرته عن أن يكون مصدراً لفتاوى التكفير والتفريق بين المسملين.
ثالثاً: العمل على التركيز على المشتركات بين المسلمين، والتنبيه على الأخطار المحدقة بهم وأهمية توحدهم، وتقديم رؤية حقوقية مبنية على ذلك المشترك.
رابعأً: العمل على تحويل قيم الوحدة والحوار إلى ثقافة حية، فلا يقتصر العمل عليها على مناسبات محدودة.
خامساً: مواجهة أي عمل يهدف إلى إذكاء العصبيات المذهبية، وإشاعة أجواء التباعد بين المسلمين، وبث التفرقة بينهم.
المصدر:موقع الكاتب