ومن بيت صغير منعزل داخل مخيم "عين عيسى" الواقع على بعد 50 كيلومتراً شمال غربي الرقة، الذي تمنع قوات سوريا الديمقراطية دخول أي شخص، إلا بإذن خطي من إدارة المخيم، تروي "ع.س كيف بدأت الحكاية مع زوجها التي تعود إلى صيف العام 2013 بعد شهور من اندلاع الفتنة الطائفية في سوريا.
وتقول ان "زوجي كان يتابع القنوات الفضائية بشغف ويقضي معظم وقته على صفحات التواصل الاجتماعي، ومع ازدياد وتيرة العنف، وقتها بدأ مناقشتي بفكرة السفر إلى داخل الأراضي السورية ".
ورفضت الزوجة الفكرة في البداية، لكنها عندما شاهدت إصرار زوجها على السفر، أردفت قائلة "قررت السفر معه لأنني متعلقة فيه وأحبه، كما أنني اقتنعت بعدما قال لي إنه بمقدوري تقديم الخدمات الطبية للسوريين كون لدي خبرة في مجال التمريض والإسعافات الأولية".
وبحسب "ع.س"، فإن زوجها خريج جامعي سعودي، يعمل في تجارته الخاصة، ولم تكن لديه أية خلفية متشددة، حيث سافرت العائلة في شهر شباط من العام 2014، بعد أيام من إعلان تنظيم داعش خلافته المزعومة في مناطق سيطرته في سوريا والعراق، وتوجهت جواً إلى مطار إسطنبول في تركيا، ومنها سافروا براً عبر حافلة ركاب نحو الحدود التركية الجنوبية المحاذية للمناطق السورية.
وتضيف "ع.س"، "اننا قصدنا مدينة غازي عنتاب، وكانت لدى زوجي أرقام اتصال مع أشخاص اكتشفنا فيما بعد أنهم داخل سوريا، يدلوننا على جغرافيا المكان والطريق، حيث وصلنا إلى الحدود، ليتصل زوجي مع شخص كان موجودا بالقرب من الحدود، قام بإدخالنا إلى بلدة الراعي"، والتي كانت آنذاك في يد "داعش" قبل أن يطرد منها في آب 2016.
وسكنت العائلة في بلدة الباب الواقعة على بعد 36 كيلومترا شرق مدينة حلب شمال سوريا مدة عامين، ورفض الزوج الالتحاق بالقتال في صفوف "داعش" وطلب العمل بمجال قريب من دراسته، وتقول زوجته ان "التنظيم أوكل له مهمة التدريس في أحد معاهده لقاء راتب قليل لم يتجاوز 200 دولار أميركي".
وكشفت "ع.س" أن "زوجها كان يشتكي من ممارسات التنظيم منذ الأيام الأولى بعد وصولهم، وكان ناقماً عليهم طوال الوقت، لافتة الى انه "لم يمض على قدومنا إلى سوريا سنة، حتى صارحني بضرورة الهروب من قبضة التنظيم".
وبحسب روايات الفارين من قبضة تنظيم "داعش"، كان يعيش سكان المناطق الخاضعة لسيطرته في حالة خوف دائم، ويغذي هؤلاء الشعور بالرعب من خلال الإعدامات الوحشية والعقوبات، من قطع الأطراف والجلد وغيرها من القوانين المشددة التي طبقوها على كل من كان يخالف أحكامهم أو يعارضها.
وبعد سيطرة فصائل درع الفرات على بلدة الباب في شهر شباط من العام الجاري، أجبرت العائلة على السفر إلى مدينة الرقة لأن تنظيم "داعش" أجبرهم على السفر.
وتابعت "هددونا بالقتل، بعد وصولنا إلى الرقة واتصل زوجي بعدد من المهربين وتفاوض معهم كثيراً دون جدوى، البعض شكك به، وآخرون طلبوا منه مبالغ خيالية لأننا وبحسب تصنيف التنظيم كنا من المهاجرين، حيث يمنعون سفر أو هروب هذه العائلات".
وذكرت الزوجة أن أهل زوجها وأهلها رفضوا تقديم المساعدة المالية لهم، وقالت: "والد زوجي غضب من قرار ابنه ومنذ سفرنا رفض التحدث معه، أما حماتي فكانت في كل اتصال تطلب منا الإسراع بالعودة".
وأكدت الزوجة أنّ أطفالها الأربعة لم يتعلموا أو يذهبوا إلى المدارس، بسبب رفض زوجها، "لأنه كان يدرس في معهد تابع للتنظيم والذي رفض بشدة أن يتعلم أبناؤه دروسا أخرى".
وعلى مدار ثلاث سنوات، رفضت اختلاط أبنائها مع باقي الأطفال وتعزو السبب إلى "كنت أخشى عليهم الاندماج مع عائلات الدواعش، وكانوا يقضون معظم وقتهم في المنزل لدرجة صرت أشعر أنهم مصابون بمرض التوحد".
وفي بداية أيلول الماضي، وعلى وقع تقدم قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي المناهض لتنظيم "داعش"، في معركة تحرير الرقة واشتداد القصف الجوي على مواقع التنظيم، دفع العائلة إلى الفرار، وتضيف الزوجة ان "المهرب طلب منا مبلغاً مالياً كبيراً، 5 آلاف دولار، بعت كل صيغتي الذهب ودفعنا كل ما نملك لقاء تهريبنا، ونجحنا أخيراً بالوصول إلى مناطق محررة من قبضة داعش".
وبعد وصول العائلة إلى حاجز يتبع قوات سوريا الديمقراطية داخل الرقة والتعرف على هويتهم، أوقف الزوج ولا يزال قيد الاحتجاز في السجن، أما "ع.س" وأطفالها الأربعة فنقلوا إلى مخيم عين عيسى.
واختتمت الزوجة بالقول "أنتظر بفارغ الصبر انتهاء التحقيق مع زوجي والسماح لنا بالخروج من الجحيم".
المصدر: السومرية نيوز
25