فضيل أبو نصر**
الوحدة حلم راود مخيلة المسلمين منذ الأيـام الأولى للدعـوة الإسـلامية ، لأن وحدة المسلمين فصل إيمان وعنوان عزة وكرامة. إلاّ أن الوحدة الإسلامية بقيت حلماً نظراً للخلافات التي رافـقت الانتشار الإسلامي شرقاً وغرباً، فتشتت الشمل الإسلامي حتّى في عزّ النشاط والتوسع الذي رافـق دخول شعوب و اُمم كـثيرة حـظيرة الإسلام. إلاّ أن الأمانة الفكرية تقتضي منا الإقرار بأن حلم الوحدة لم يفارق مخيلة وتفكير القادة والمفكرين المسلمين حتّى في أحلك أيام النزاعات التي عصفت بالإسلام.
ثمة دافع آخر للحديث عن الوحدة الإسلامية يـنبع من واقع العالم الإسلامي المعاصر: العالم الإسلامي بمجموعه يمر ـ حالياً ـ بمرحلة تململ وتشنج نتيجة انتقاله من مرحلة الركود والتخلف إلي مرحلة التحرك الهادف والانطلاق البنّاء. إنّ ولوج العالم الإسلامي مرتبة التطور والتقدم يـحتم التـفكير بقيام وحدة تضم الشعوب الإسلامية كافة دون استثناء، لأن الوحدة تجسد كلّ ما هو خير ونبيل للامة الإسلامية ، فـالوحدة مـعيار حضاري لتقدم الأمم والشعوب، لأنها تعزز وتقوي الكرامة والعزة والسؤدد. زد على ذلك أن الوحدة الإسلامية باتت ضرورة اقتصادية وسياسية وثقافية في هذا العصر.
فالوحدات الكبرى أصبحت الكيانات المطلوبة لتطوير الاقتصاد والعـلوم والذود عـن الاستقلال والسيادة. إضافة إلى أن حركة التاريخ العالمي تدعم قيام كيانات كبرى مثل الوحدة الأوروبية، وتوسيع السوق الأميركي عن طريق ضم اقتصاد كندا والمكسيك من خلال اتفاقية (نافتا) بين تلك البـلدان الثـلاثة. إذا كـان هذا هو حال تلك المـجموعات المـتطورة اقـتصادياً وسياسياً، فكيف يكون الحال بالنسبة للعالم الإسلامي المتخلف؟ عندها تصبح الوحدة الإسلامية أكثر من ضرورة لما يمكن للوحدة أن توفره موارد طبيعية وثـقافية تـستخدم فـي عملية النمو والتطور.
والإسلام ذاته طالب المسلمين بـالتكتل والتـعاون، وقد أكد القرآن الكريم في أكثر من مناسبة: أن المسلمين أمة واحدة، وكذلك الحديث الشريف طالب المسلمين بالتمسك بوحدة الأمـة لمـا للوحـدة من مردود عظيم مستقبل الإسلام والمسلمين. زد على ذلك أننا لا نغالي إذا قـلنا بأن وحدة المسلمين تتعدى مصلحة العالم الإسلامي لتصب في رافد المصلحة الإنسانية العليا.
لذا، فإن طرح موضوع الوحدة الإسـلامية اليـوم أمـر منطقي وينسجم مع تعاليم الإسلام، وحركة التاريخ العالمي، والمصحلة الإسلامية والإنـسانية العـليا. أما الوحدة الإسلامية التي ننادي بضرورة قيامها فإنها توحد شعوب ودول العالم الإسلامي اقتصادياً وسياسياً وثقافياً فـي كـيان واحـد متخطية كلّ الفرو قات والنزاعات القومية والمذهبية والمصلحية الضيقة والكثيرة.
الوحدة الإسلامية حلم جميل، لكن كلّ الأعمال الجليلة التي تحققت في العالم فـي المـاضي نـتجت عن أحلام راودت مخيلة قلّة من الناس. هذه القلة تعيي الأمور بالحدس وليس بالمنطق. فـالذي تـراه الأكثرية مستحيلاً تجده هذه القلة أمراً ممكن التحقيق، والذي تراه الأكثرية ممكناً تجده هـذه القـلة مـحتملاً لا يفصله عن التحقيق سوى خطوات قليلة. ونحن من القلة القائلة بأن العالم الإسلامي دخـل حـيز التفكير في قيام وحدة إسلامية شاملة رغم كلّ الصعوبات والعقبات المنظورة التي تـعمل ضـد هـكذا توجه.
إنّ نجاح مثل هذه العملية يتطلب: قيادة وحكمة ودراية وصفاء نية، وتوفر ظروف داخـلية وخـارجية مؤاتية على امتداد سنوات طويلة قد تبلغ عدة عقود من الزمن.
وقـد رأيـنا أن نـضع (سيناريو) لما يمكن أن تكون عليه عملية التكتل الإسلامي للوصول إلي الوحدة الإسلامية المنشودة. وقبل وضع تـفاصيل هـذا التـصور، لابدّ من التأكيد بأن قيام الوحدة الإسلامية مفهوم يتخطى القومية والعشائرية والمـذهبية الضـيقة، ليرسي قواعد كيان لا قومي، إنساني الشكل والمضمون. قد يطلق عليها بعض اسم قومية إسلامية بذات التـوجه الذي نـتحدث فيه عن (قومية أوروبية) من خلال قيام الوحدة الأوروبية.
وكمدخل للحديث عـن كـيفية تحقيق الوحدة الإسلامية ، لابد من مراجعة سـريعة لواقـع العـالم الإسلامي المعاصر، فالحلم الكبير لا يستطيع أن يتخطى الواقـع. واليـكم صورة مقتضبة عن هذا الواقع الذي سيقام على أساسه صرح الوحدة الحلم . فـي هـذا الصدد، نلفت القارئ إلى أن واقع العـالم الإسـلامي ليس مـرّاً كـله بـل هنالك كثير من الإيجابيات التي تـبعث عـلى الأمل.
الحقيقة الأولي:
العالم الإسلامي منقسم على ذاته، ومجزّأ إلى دول عدة تـضم عـديداً من الأجناس والقوميات واللغات والثقافات و ... زد عـلى ذلك أن مصالح دوله وشعوبه متنافرة ومـتضاربة لا قـاسم مشتركاً بينها.
الحقيقة الثانية:
العـالم الإسـلامي متخلف اقتصادياً واجتماعياً وعلمياً وثقافياً وفق كلّ المعايير وبصورة عامة.
الحقيقة الثالثة:
يـعاني العـالم الإسلامي بمجمله من فقر مـدقع، يـطال شـريحة كبيرة من السـكان، وبـعض مجتمعات هذا العالم المـترامي الأطـراف تعاني من سوء التغذية والجوع والمرض ونقص في الخدمات الأساسية من صحة ومسكن وتـربية و..
الحـقيقة الرابعة:
يتنازع العالم الإسلام خلافات سـياسية ومـذهبية عميقة تـجعل مـن الاتـصال بين قادة وشعوب دولها أمراً شبه مستحيل. أضف إلى ذلك، أن الاتصال الضيق القائم بين أجزاء العالم الإسلامي يمر ـ بمعظمه ـ بعواصم القـرار خـارج نطاقه. لذا، فالاتصال المباشر والفاعل شبه مـعدوم لأنـه يـراعي تـوجهات ومـصالح الآخرين خارج العـالم الإسـلامي، أكثر من مراعاته توجهات ومصالح العالم الإسلامي. وهذا الأمر ينطبق علي الشؤون الاقتصادية والسياسية والثقافية كـافة.
الحـقيقة الخـامسة:
المجتمعات الإسلامية في أغلبيتها الساحقة مجتمعات اسـتهلاكية بـكل مـا فـي هـذا المـصطلح من معنى. فهي مجتمعات مستهلكة للبضائع وليست منتجة لها، وهي مستهلكة لثمار العقل وليست مبدعة لها، حتّى في حقل الدراسات والأبحاث الإسلامية ما يزال العالم الإسلامي يـعتمد (الاستيراد) وليس الإنتاج الأصيل الخلاّق. ونتيجة لذلك، باتت المجتمعات الإسلامية ـ بصورة عامة ـ مجتمعات اتكالية علي غيرها في أمور شتى.
الحقيقة السادسة:
إضافة إلى الحقائق الخمس أعلاه، يفتقر قادة ومفكر والعالم الإسلامي إلى الرؤيـة الحـضارية الشاملة لحاضر ومستقبل العالم الإسلامي. إنّ غياب هذه الرؤية عن مخيلة الفعاليات السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية تشل كلّ عمل وتوجه يعالج موضوع العالم الإسلامي كوحدة إنسانية ـ حضارية. إنّ وضـع تـصوّر لما يمكن أن تكون عليه المجتمعات الإسلامية منفردة أو مجتمعة، مع الأخذ بعين الاعتبار الخلفية الشاملة للمجتمع الإنساني ككل، بات أمراً ملحاً في عصر يـعتمد التـخطيط والدراسات المستقبلية في مختلف الشـؤون وليـست الاقتصادية فقط. لذا فان توفر الرؤية التي ترصد الحاضر وترشد إلى المستقبل ،أصبح ضرورة من ضرورات فهم الحاضر والاستدلال لما يخفيه المستقبل. والرؤية الشاملة باتت تـشكل العـمود الفقري لكل عمل تـطويري وتـنموي يدفع بالمجتمعات نحو التقدم والرفاهية والسعادة. وبعد هذه الصورة القاتمة للعالم الإسلامي، إليكم بعض الإيجابيات التي يحفل بها هذا العالم:
الحقيقة الأولي:
يحتل العالم الإسلامي الممتد من إندونيسيا شرقاً حتّى المـغرب الأقـصى غرباً، موقعاً جغرافياً استراتيجياً مميزاً علي سطح الكرة الأرضية.
الحقيقة الثانية:
تضم الأرض الإسلامية ثروات طبيعية كثيرة جداً تجعل العالم الإسلامي من أغنى مناطق الأرض قاطبة.
الحقيقة الثالثة:
يبلغ تعداد المسلمين أكـثر مـن مليار نـسمة، يشكلون ربع سكان الكرة الأرضية. هذا العدد من البشر يعد طاقة بشرية عظيمة إذا ما تطورت ونمت و تـدرّبت. ومن الطبيعي أن الأمم العظمى تقاس بحجم ونوعية سكانها ويبقي على الفـرد المـسلم أن يـعمل على تطوير قدراته الشخصية ومواهبه خدمة لامته وتحقيقاً لذاته دون انتظار لما يمكن أن تفعله الحكومة فقط.
الحقيقة الرابـعة:
يـعيش العالم الإسلامي برمته اليوم مرحلة يقظة ونهضة تحمل في طياتها الخير العميم للمـسلمين والعـالم. إنّ ما يحدث اليوم في المجتمعات الإسلامية ليس معركة بقاء فحسب، بل انتفاضة من أجل إثـبات الهوية الإسلامية المميزة في عالم تتقاذفه مختلف التيارات الحضارية، وبخاصة تيار العصرنة القـادم من مختلف الجهات.
الحـقيقة الخـامسة:
يشارك المسلمون في مختلف أصقاعهم بطريقة حياة وأسلوب سلوك و نمط تفكير يميزهم عن سواهم من الناس. باختصار، يشترك المسلمون بحضارة واحدة تبقى عنصر توحيد وجمع مهما اختلفت النزعات القومية الثقافية.هـذه الحضارة أيضاً تخضع لعملية النمو والتطوير من جراء الاتصال بالحضارات الأخرى وبخاصة الحضارة الغربية. ومهما حدث، نتوقع أن تحافظ الحضارة الإسلامية على أصالتها وسمتها المميزة لتبقى إحدي أهم الروافد الحضارية المتواجدة عـلى السـاحة الحضارية الإنسانية، من ناحية أخرى. إنّ بروز شخصية إسلامية مميزة تبقى نوعاً من التمني نظراً لتعددية واختلاف الشعوب الإسلامية ، لكن بروز مثل هذه الشخصية ليس أمراً مستحيلاً ضمن الحضارة الإسـلامية الواحـدة.
الحقيقية السادسة:
يواجه العالم الإسلامي التحدي الكبير الذي سيتقرر معه فيما إذا كان للعالم الإسلامي أن يتوحد، أو يبقي على هامش الأحداث تابعاً واتكالياً على غيره. هذا التحدي الكبير يطالب بالتجديد الحضاري مـن خـلال التفاعل مع الحضارات السائدة، وبخاصة الحضارة الغربية الطاغية والمرغوبة لما تحمل في طياتها من منافع. المشكلة التي يواجهها العالم الإسلامي والحضارة الإسلامية هي: كيفية التفاعل والتطور مع الاحتفاظ بـالأصالة الإسـلامية . فـالوحدة الإسلامية تأتي نتيجة للتصدي لهـذا التـحدي الحـضاري الكبير.
قيام الوحدة الإسلامية العتيدة:
إنّ الأعمال الجليلة في الحياة تبدأ حلماً يراود عقول ونفوس قلة تـتولى نـشر فكرة الحلم حتّى تصبح ـ مع مرور الزمن ـ كرة ثلج تتدحرج من علٍ، تكبر و تنمو في الشكل والمضمون مع كلّ حركة في الاتجاه الصحيح لتصبح مع الوقت حقيقة واقعية. وقـولنا: إنّ الوحدة الإسلامية حلم جميل، لا يعني أنها وهم وخيال بل أنها تصوّر عملي لما يمكن أن يكون عليه واقع العالم الإسلامي واتجاهات حركة التاريخ السائدة.
والآن، نسأل ما هي الخطوات العـملية التـي يـجب اتخاذها لتحقيق هذه الأمنية الغالية؟
نـشير فـي مـستهل هذا الحديث إلى أن هنالك جهوداً بذلت في الماضي وتبذل في الحاضر في اتجاه تحقيق هذه الأمنية، وأنه ليس على القادة والمفكرين أن يـبدأوا مـن نـقطة الصفر. لقد اتخذت خطوات عدة من أجل تـقريب الدول الإسـلامية بعضها من بعض عن طريق تعزيز الاتصال والتكامل في الآراء والمصالح، في الاتجاه ذاته، فالخطوة الأولى تنطلق من تعزيز وتعميق الاتـصال المـباشر بـين شعوب ودول العالم الإسلامي.
لقد نجح الاستعمار في الماضي في عـزل الدول الإسلامية بعضها عن بعض، وجعل من ذاته القاسم المشترك لهذه الدول. فالاتصال بالخارج كان يتم عن طريق باريس أو لنـدن أو رومـا أو بـروكسل أو أمستردام وليس، على سبيل المثال، بين القاهرة وبغداد، أو بين كراتشي وطـهران مـباشرة. إنّ غياب الاتصال المباشر بين العواصم الإسلامية ضيع فرصاً كثيرة للتقرب والتكامل. والآن بعد أن زال كابوس الاسـتعمار لابـد مـن إجراء الاتصال والتكامل المباشر حتّى يتم التفاهم ومعرفة الأمور المشتركة، وبخاصة بـين تـلك الدول المـتصلة أو القريبة بعضها من بعض. فالاتصال المباشر يولد الرغبة في التقارب وتبادل المصالح على اخـتلاف أنـواعها. إذن، تـعزيز وتعميق الاتصال بين مختلف أجزاء العالم الإسلامي هو الخطوة العملية الأولى في الاتجاه السـليم.
مـع الاتصال، يجب وضع تصور لما يمكن أن يؤدي إليه الاتصال من نتائج تـقرّب أجـزاء العـالم الإسلامي بعضه من بعض. فالتصور السليم يتطلب إجراء إحصاء للعناصر المشتركة التي يمكن أن يـبني عـليها، والعناصر المختلف حولها، كي يتم إيجاد حلول لها، ومن ثمّ تصبح عناصر إيـجابية فـي بـناء صرح الوحدة الإسلامية .
في هذا الصدد نود أن ننبه إلي أن الساحة الإسلامية مزروعة بالألغام الكثيرة. بـعض هـذه الألغام من وضع عناصر داخلية لا ترى مصلحة في الوحدة الإسلامية ، وغيرها مـن وضـع عـناصر خارجية، وهي متعددة، نظرا لعدائها التاريخي للإسلام والمسلمين، تحسباً لما يتأتي عن مثل هذه الوحـدة عـلي الوضـع العالمي من محاذير تضر بمصلحة هذه الأطراف. إنّ العمل للوحدة لن يتم فـي فـراغ أو حياد، بل ضمن نطاق مليئ بالأشواك والعقبات.
التصور الذي نتحدث عنه يتطلب التنسيق على مستوى رؤسـاء الدول الإسـلامية والتعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية على صعيد الشعوب والهـيئات الأهـلية. ونظراً لأهمية الإعلام الحديث في تقريب الشـعوب، يـتوجب إقـامة أعلى مستوى من التعاون والتنسيق بين الفـعاليات المـسؤولة عن وسائل الإعلام والتوجيه. هذه المرحلة هي مرحلة التهيئة النفسية حتّى ترى الشـعوب فـي التقارب والتعاون مصدراً للخير والبـركة.
يـتبع التعاون والتـنسيق الفـكري، إيـجاد القواسم المشتركة على الصعيد الاقتصادي كـتحضير لوحـدة اقتصادية مرجوة تساعد في رفع وتحسين الوضع المعيشي للشعوب. إنّ التعاون والتـنسيق عـلي المتسوى الاقتصادي يجب أن يرافقه تعاون وتـنسيق في المجالين العلمي والتـكنولوجي. يـبدأ التعاون والتنسيق الاقتصادي بين الدول المـتجاورة ليـنطلق بعدها ويشمل دولاً بعيدة.
والتنسيق المذهبي على أهميته القصوى يبقى مرحلة متقدمة تصاحب جـميع المـراحل التي تمر فيها عملية الوحـدة، إذ لا يـتوقع أكـثر من تقارب فـي وجـهات النظر وليس زوال الخلافات الأسـاسية. يـجب ترك التقريب المذهبي يأخذ مداه على صعيد العلماء والفقهاء ورجال الدين بعيداً عن المـسؤولين السـياسيين والاقتصاديين، إذ يمكن أن تكون الخلافات المـذهبية عـقبة كؤوداً تـحول دون تـحقيق الوحـدة الشاملة على المسارات الأخـرى.
أخيراً تأخذ دولة الوحدة الإسلامية شكل جمهورية اتحادية أو كونفدرالية وفق رغبة الأعضاء، إذ يجب أن تحافظ كلّ دولة عـلى خـصوصياتها المحلية في الوقت الذي تنضم فيه إلى دولة الوحـدة.
فـي الخـتام، يـجدر التـأكيد أن أية وحدة سـياسية لن تـتم وتنجح إلاّ إذا جاءت منسجمة مع إرادة أبنائها وحاملة الخير والبركة للجميع. إنّ رصد حركة التاريخ، ومشروع الوحدة الإسـلامية جـزء مـن هذه الحركة، يسمح لنا بالتكهن بأن الوحـدة الإسـلامية العـتيدة سـتستغرق زمـناً غـير يسير، لكنها قادمة بدون شك. ربما سبقتها وحدة بين الدول العربية ـ الإسلامية ووحدات في أسيا وأفريقيا، لكن هذه ستكون مدخلاً للوحدة الإسلامية المنشودة.
الوحدة الإسلامية والنظام العالمي القـائم:
تشكل الوحدة الإسلامية خطراً كبيراً على النظام العالمي القائم لأنها يمكن أن تكون منافساً قوياً لأي نظام عالمي قائم، أو ربما باتت هي الطرف الأهم في أي نظام عالمي.
أما المصدر الثاني لخطر قـيام وحـدة إسلامية، وهو البعد الثقافي ـ الحضاري لكيان إسلامي متطور ومتقدم. إنّ الحياة الثقافية، والحضارية، والإسلامية تتميز عما عداها من ثقافات وحضارات. فكما كانت الثقافة الإسلامية مصدر إشعاع وتأثير في السـابق، فـانه يتوقع للثقافة الإسلامية مثل هذا الدور في المستقبل.
من هنا ينطلق العداء الذي تواجهه حركة اليقظة الإسلامية الحالية من قبل النظام العالمي القائم المتمثل بـالولايات المـتحدة وحلفائها. فالمواجهة بين الغرب والعـالم الإسـلامي التي عمرها ألف عام، ستزداد حدة وضراوة مع تعمق اليقظة الإسلامية وتشعبها.
إنّ المجابهة بين أجزاء من العالم الإسلامي والنظام العالمي القائم ستصبح سافرة بـين عـالم إسلامي يتململ، ونظام عـالمي يـرتجف من هول هذا التملم.
** كاتب و مفكر لبناني
المصدر:مجلة رسالة التقريب