الدكتور الشيخ محمد شقير
ينزل الدين خالصاً من عند الله ويهدف الى تطهير المجتمع من كثير من الأفكار والمفاهيم والسلوكيات والأنماط التي تتنافى وقيم الرحمة والعدالة والخير... وبعد اللتي واللتيا ينجح بشكل ما في إزالتها أو كبتها كلها او شيئ منها؛ لكن الذي يحصل ولو بعد حين،أن بعضاً من تلك المفاهيم أو الأنماط الثقافية ما تلبث أن تعود بعد أن خبت لبرهة من الزمن، والسبب أنه لم يعمل على كنسها بالكامل من النفوس، أمكن للدين ان يحاصرها، ان يكبتها، -كثقافة اجتماعية عامة- لكنها بقيت كامنة في النفوس او بعض منها، وعندما تجد ظرفاً مناسباً لها تعود، لكن هذه المرة بلباس الدين ولغته، لأن الثقافة العامة التي تخيم على المجتمع – هذه المرة- هي ثقافة دينية واللغة المستخدمة دينية، كما الأدوات المفاهيمية المتداولة.
هذا هو بالضبط حال العصبية المذهبية في عالمنا الاسلامي اليوم، فالاسلام إنتماء خالص لله تعالى قبل أي شيئ آخر، ولذا كان من أهم أهدافه كنس العصبية الجاهلية بما هي سنة ابليس وفعله وبما هي تعالٍ موهوم وبما هي دعوة تفاصل وبما هي انتماء الى جاهليات مصطنعة تعلي من شأنها وتقدمه على اي اعتبار ديني وإلهي.
الجاهلية اليوم –كما بالامس- تلتف على الدين والاسلام، هي لم تنعدم، وانما بقيت كامنة في النفوس، تنتظر لحظتها، وتريد ان تختار لباسها الذي يمنحها مقبولية ما في البيئة التي تريد ان تسوق نفسها فيها، بل ومشروعية أيضاً.
هي اختارت اليوم لباس المذهبية، لأنه ينطق باسم الدين ويتحدث لغة محمد(ص)، اللغة التي يألفها ويتأثر بها كثير من الناس، لكنها عصبية، بل هي عصبية جاهلية، إنها دعوة الجاهلية بابشع صورها وأسوأ معانيها، لأن العصبية هذه المرة تستفيد من طاقة الدين وقدرته على التأثير والتحريض، الدين الذي إن أ ُحسن فهمه وتطبيقه فهو طاقة خيرة وبناءة، ايما خير وبناء، واذا أسيئ فهمه وتطبيقه فهو طاقة مدمرة وهدامة، أيما تدمير وتهديم، والشاهد في يومنا ليس بقليل.
إن أدنى مقارنة اليوم بين الخطاب المذهبي ذي المضمون الجاهلي وبين ما جاء في كتاب الله تعالى، تظهر بوضوح الى اي مجال ينتمي هذا الخطاب الذي يُقدم اليوم باسم الدين والاسلام، وهذا البعض منها:
- القرآن الكريم ينهى عن التنازع، والخطاب المذهبي يدعو إليه.
- القرآن الكريم يتحدّث في الأمة الواحدة، والخطاب المذهبي الأمم لديه هي بعدد المذاهب.
- يدعو القرآن الكريم الى عدم التفرقة والخطاب المذهبي يدعو اليها.