هند أحمد نور**
لم أكن أعلم أن ذلك اليوم سيأتي!… ذلك اليوم الذي يتحدّاني فيه الكون، وتتصدى لي الأشجار، وتبصق في وجهي متيمتي العميقة، وتتنكر لي الأرض، وكل من عليها يتحزّب ضدي، وذنبي فقط أنني تمسكت بتاجي في زمن الجواري، غافلة كنت عن خذلان البيانو وامتناعها عن عزف ألحاني السعيدة، متفاجأة من أمر وسادتي لم تعد تفوح من السعادة والبسمة، لمستها فإذا هي مبللة ما بها يا ترى؟ مَن سكب عليها الماء؟ ، فعبس الماء بوجهي مبعدا تلك التهمة عن نفسه! ، وسادتي مبللة والماء بريءٌ، مَن الفاعل إذًا؟! .
ما بالك أيتها الحمقاء؟ كيف يمكن أن تنسى من بلل الوسادة، وهل يخفى عليك مفعول الدموع عليها …آها نكهة دمعة لذيذة من على وسادتي إذًا؟ ..فأشهرت اللذة سيفها عليّ يتطاير منها الشرّ لا تنطقي بالترهات أيتها اليتيمة فأنا والدموع انفصلنا عن بعضنا منذ أن أمر الكون الإنقلاب عليك!.
لملمتُ بعثرة أفكاري باحثةً عن قبس من نور فإذ بضَحكة إستهتار تدوّي بعالم الانقلاب ذاك، ويا للعجب فالنور تعلّم الخبث لكي يغلبني…فيا لحماقة ذاك الكون المتهوّر ظنّ أن انقلابه يجدي نفعًا أمام متمردة مهوّوسة بالانتصار … الانقلاب دمر التمرد هذ المرة وقطع حبال النصر …فها هو الكون يقهقه أمامي، وقد كبلني بقيود التلال الممتدة إلى عروق القوانين!.
مكبلة مكسرة مجروحة مهزومة، كل تلك الألفاظ أسمعها صباح مساء، فأقول مَن يا ترى تلك المسكينة التي وقع عليها كل هذا؟ لأتفاجأ بقولهم: أنني هي مَن يتحدثون عنها! لله در من عرف! مغفّلين هؤلاء فهم لا يعرفون مدى حريّتي، مدى جبري و صحتي وانتصاري، واثقة أنني من سيكسب ذلك التحدّي لأن أمارات البؤس ظهرت ولمعت على جبين الحلفاء .. أشهد – ومعي الطيور – شاهدة أنّ رزق المفروش على الأرض ألذّ وأبقى مما على موائدهم من تخمة وترف.!!
أتيقّن بأنني مَلِكتهم المبجّلة حين أراهم يتبادلون حراستي …ضحكة نصر واستعلاء تنتابني حين ألمح أنهم يمتنعون عن التحدث معى لأنني أرى أمارة الهيبة مني تعلو وجوههم . وبدوري أمسك الكلام كي لا يشتكى منى ألفاظى لأنني أطلقتهم في مقام لا يليق بهم .
علي أن أكون مكبلة لينفخو غازاتهم القاتلة ويسقو الحوريات شرابهم المسموم لأنهم يعتقدون أنني ترياقها ويخافون أن أبطل مفعول سمومهم!
أنا من أبت الحرية، وعليّ أن أتلذذ بمرارة العبودية! .. يا للحماقة أيسمُّون تلك حرّية؟، أن أتجرد من حيائي الذي هو سر جمالي، وأن أخلع حجابي الذي هو تيجاني وسر عظمتي، هل الحرية تلك؟ …أن أهتف بالمساوات بالرجال الذين لم أشعر يوما أنني أصغر منهم شأنًا، وأطالب بحقوق وَهْميّة أشبه بأرض خضرة في عز ربيعها تطالب بأن تكون قاحلة!.
أن أنادي بالتحرير ولم أكن يومًا أَمَة مقيّدة لأحدٍ إلا مراعاة لحدود خالقي وبارئ نسمتي! هل الحرية بلغتهم ذلك الذلّ الذي يوقعون بأمهاتهم إذ يلقون بهن بدار المسنين ناسين أنها سهرت لأجلهم، وبناتهم اللاتي فرضن عليهن أن يعشن مثل البهائم؟!.
مهلا أيها المنادون بالذلّ والعبودية، فإني يوم جاء الإسلام تحررتُ من قيودكم، يوم أعلنت إنتمائي لأهل العزّ يوم تُوجتُّ ملكة في الإسلام …فتحتَ قدماي تكمن الجنة والسعادة، ورضا الله منوط برضاي، الكل يكون في خدمتي …وإن أردت أن أكون موظفة في شركة فلا أخلع تيجاني متعذرة بدعوى التطور والحضارة، بل أتمسك بمبادئي وأضع تاجي بإحكامٍ وأسير بين العالم رافعة الرأس تعلوها الجلال والعظمة….
الإنقلاب الملفق بتهمة التطرف لن يفيدكم بشيء!…نفّذُوا انقلاباتكم الهمجية أنّى شئتم، وأرسلوا رُسُلكم في البوادي والحواضر، وانفخوا سمومكم فترياقه عندنا وإرادة المؤمنة لكم بالمرصاد.
تناهى إلى مسامعي قول حورية مقهورة تردد : سأخلع الحجاب كي لا أكون شاذة عن المحيط والوسط الذي أعيش فيه، فإيماني بالله قوي، وأنا عارفة به رغم خلعي للحجاب!…. كلا أيتها الغافلة كيف لك أن تتفوهي بذلك؟!.
من تعيشين بينهم ألفُوا العبودية، ولا يبغون عنها حِوَلا!، ويريدون منكِ أن تذوقي مرارة العبودية معهم، يريدون أن يفرضوا عليكِ حضارتهم الحيوانية الشهوانية والبهيمية المتخلفة ..فهل ستستجيبين لهم ؟ هل تعطينهم فرصة التلاعب بك؟ وتتبعين دعوتهم إلى العذاب والعار والشنار؟ أم تجيبين دعوة الرحيم حين يدعوك إلى ما يحييك: “يا أيها الذين آمنو استجيبو لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم” إنها دعوة للحياة بمعنى الكلمة، حياة راقية تليق بكرامتك ونبلك ومكانتك اللائقة بين العالمين.
على الملكة أن تتميز من بين وصيفاتها ..على الأميرة أن لا تختلط بالحثالة.
من يراك يجب أن يعرف من تاجك أنك ملكة من سلالة مريم البتول سلطانة النساء، وحفيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين..
المغترب لا يضيع بطاقة هويته بل يحافظ عليها، فاختفاء بطاقته تعني عدم قدرته بالبقاء ..حجابي هو هويتي فبه أكون متمبزة منهن وبه يعرف بأنني أنتمي إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
هو أمر من خالقي ومولاي فعليّ الإذعان والتنفيذ لأن من أوجدني أعرف وأعلم بمصالحي … متيقنة أن ذلك الأمر رحمة منه بي فكيف أفرط بها .وكيف لي أن أدعي أنني أعرفه وأخالفه كيف لي أن أحبه إذ لم أطعه …فإن المحب لمن يحب مطيع. والعارفة بالله لا تخلع حجابها
الكون تحدّى ملكة وسيدفع الثمن…وتلك القيود القانونية ستتلاشى، فارتقبي وكوني بركب الملكات الصامدات لتنالك السعادة السرمدية في مقعد صدق عند مليك مقتدر.!
**كاتبة و مدونة صومالية